مجازر الاحتلال الصهيوني.. جوهر الحضارة الغربية الرأسمالية!
للمشككين بمجازر وجرائم سنة 1948 وما قبلها وما بعدها، ها هو ما يجري في غزة شاهد ودليل حيّ أمامكم!
هذه هي عقيدة هذا الكيان الغاصب الإحلالي منذ اليوم الأول.
هذا هو جوهر الحضارة الغربية الرأسمالية بمشروعها الاستعماري الصهيوني التي أوجدت هذا الكيان الشاذ اللقيط وجعلته رأس حربتها في قلب المنطقة والعالم.
عندما ينتقد مفكرون أحرار ويفككون ويجرّمون "المركزية الأوروبية"، والنظريات العرقية لتفوق "الرجل الأبيض"، وفلسفاته المادية التي تمجّد "القوة" و"إرادة القوة".. فإنّ هذه ليست مجرد فلسفات أكاديميين ومثقفين يريدون تبرير "تأخّرنا" و"تخلّفنا"، ويعشقون التنظير والتبهير، ويريدون أن يظهروا بمظهر "الذكي" أو "الفهمان".
ما نراه في غزة من قتل وإبادة ودمار هي الترجمة العملية لهذه المصطلحات التي تبدو للبعض ثقيلة الظل ومتكلّفة.
للمنسحقين أمام حضارة هذا السيد الغربي، والذين لا يميزون بين الجوهر والقشور، وبين العلم وتطبيقات العلم، وبين التقّدم والأثمان التي تُدفع لهذا التقدم والغاية التي يُسخّر من أجلها.. كل هذه الوحشية والعنصرية والقتل والإبادة والدمار هي مكونات انطولوجية (وجودية) وابستمولوجية (معرفية) وسيكولوجية (نفسية) في صميم عقيدة "الرجل الأبيض" ومشروعه الحضاري!
هذه هي حضارة "النهضة" و"الأنوار" و"التحديث"..
هذه هي حضارة "العقلانية" و"الامبريقية" و"الترشيد"..
هذه هي حضارة "الكوجيتو الديكارتي" الذي هيّأ للإنسان تنصيب نفسه إلاها في مركز العالم..
هذه هي حضارة "الأورغانون الجديد" الذي مهّد للإنسان التعامل مع كلّ شيء كـ "مادة" و"مادة استعمالية" حتى الإنسان نفسه..
هذه هي حضارة "العقل المحض"..
هذه هي حضارة الإله الحال في العالم (روح العالم)، والحال في الدولة (حتمية الدولة)؛ الدولة القومية/ الويستفالية ربيبة الرأسمالية..
هذه حضارة "الديالكتيك" الذي يختزل الوجود/ العالم في ثنائيات متصارعة..
هذه هي حضارة "الإصلاح الديني"، و"الأخلاق البروتستنتية" بنسختيها "الكالفنية" و"البيوريتانية" التي تستقي من مشارب توراتية (العهد القديم) وتلمودية محرّفة..
هذه هي حضارة "البرغماتية" و"النفعية" و"تعظيم اللذة وتقليل الألم"..
هذه هي حضارة "الفردوس الأرضي"..
هذه هي حضارة "اليد الخفية" و"دعه يعمل دعه يمر"..
هذه هي حضارة "الميكافيللية" و"الغاية تبرر الوسيلة"..
هذه هي حضارة "الهوبزية" و"الدولة التنين" و"الإنسان ذئب أخيه الإنسان"..
هذه هي حضارة "الدارونية" و"الدارونية الاجتماعية"..
هذه هي حضارة الحتميات التاريخية والمادية والعلمية والتكنولوجية والرقمية..
هذه هي حضارة فلسفات "الحق الطبيعي" التي بُنيت عليها تلك المهزلة التي نسميها زورا "حقوق الإنسان"، والتي أباحت في الماضي نهب "البدائي"/ "الهمجي النبيل" في أميركا الجنوبية، واستعباده في إفريقيا، وإبادته في أميركا الشمالية وأستراليا، وقتله وسحقه وإخضاعه وإفساده في الشرق الأدنى والأوسط وآسيا.. وتبيح اليوم قتل "الحيوانات البشرية" في غزة وفلسطين..
هذه هي حضارة "النتشوية" و"الفاوستية" و"الفرويدية"..
هذه هي حضارة "الفوردية" و"الستالينية"..
هذه هي حضارة "الفاشية" و"النازية"..
هذه هي حضارة "الفردانية" و"الديمقراطية" و"الليبرالية" و"النيوليبرالية"..
هذه هي حضارة "الأخلاق الوضعية" و"المجتمع التعاقدي"..
هذه هي حضارة "الأنومي" (اللامعيارية) و"السيولة".
هذه هي حضارة "الاغتراب" و"التشيؤ" و"الاستبعاد الاجتماعي" و"الهيمنة"..
هذه هي حضارة "التصنيع الكبير" و"الاستهلاك الكبير"..
هذه هي حضارة "الإعلام الجماهيري" و"الثقافة الجماهيرية" و"الأداة هي الرسالة" و"الفعل الاتصالي"..
هذه هي حضارة "البرمجة اللغوية العصبية" و"الهندسة البيولوجية"..
هذه هي حضارة "تحرير المرأة" و"ثورة الهيبيز" وحقوق "الشواذ" و"المتحوّلين"..
هذه هي حضارة "نهاية التاريخ" و"خاتم البشر"..
هذه هي حضارة "صدام الحضارات"..
هذه هي حضارة "موت الإله"، و"موت المؤلف"، و"النص الذي يولد ميّتا"..
هذه هي حضارة "ما بعد الحداثة" و"ما بعد الإنسان"..
في المرّة القادمة عندما تسمع مثل هذه المصطلحات، ومثل هذه النقاشات، ومثل هذا الكلام الكبير.. لا تنبهر؛ فخلاصة هذا الكلام، ومؤدّى هذا الكلام، والترجمة العملية لهذا الكلام، هو كلّ هذا القتل الوحشي والدمار الهمجي الذي تمارسه بكل وقاحة وصفاقة وغطرسة واعتداد بالنفس أحط حضارة عرفها الإنسان في تاريخ البشرية: حضارة الرجل الأبيض!
في المرة القادمة التي تسوّل لك فيها نفسك أن تشعر بالدونية أو الانحطاط أو احتقار الذات أو الضعف أو العجز تجاه الآخر الغربي..
وفي المرة القادمة التي تحاول فيها دول تابعة، وأنظمة منسحقة، ونخب حاكمة متغرّبة، و"كمبرادور" اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي.. أن يولّدوا لديك هذا الإحساس أو يغرسوه داخلك، تذكّر قوله تعالى في الآية (100) من "سورة المائدة":
"قُل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون"!