هل تنتصر حماس
لم تخطئ أبدا حماس في إعادة تحالفها مع حزب الله، وذلك في انتصار دقيق للجناح العسكري والحربي المرتبط بالأرض والمواجهة اليومية مع العدو بعيدا عن لعبة المغامرات والاحتمالات، في متوالية من التحالفات انتهت في موسكو وشملت طهران ودمشق وبكين، وفي نفس الوقت لم تقطع العلاقات مع العالم العربي او ما يسمى بمحور الاعتدال وبالذات الرياض والقاهرة بالرغم من حالات الصد القوية من الرياض ومن عمان، متحلية يهدوء واسع وضبط عالٍ للتصرفات، محتفظة بشعرة معاوية في سبيل الحفاظ على القضية الفلسطينية حية في مجابهة محاولة طمسها ومحوها.
ولأن المؤمن تقوده فطرته احيانا، فإن هذه السياسة قد آتت اُكلها في تأمين مروحة متنوعة من اوراق الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي في معركة طوفان الاقصى المستعرة الان.. فبينما الانظار مركزة على ردة فعل حزب الله وامينه العام حسن نصرالله وهي الانظار الاعلامية والشعبية البعيدة عن ارهاصات المعارك ونارها وتكتيكاتها واستراتيجياتها.. وبينما يرى البعض وجوب دخوله المعركة مباشرة.. يرى البعض أن جعل العدو الصهيوني في حيرة من أمر خياراته على اعتبار ان دخول الحزب المعركة ومن خلفه ايران يجعل العدو امام خياره الوجودي مما سيستدعي استخدامه خياراته الانتحارية جميعها.. ورأي آخر أن هذه معركة من ضمن معارك متعددة تعمل على انهاك وتهالك العدو للحظة مواتية اخرى يكون العرب والمسلمون وأحرار العالم فيها بوضع افضل لمقاتلة العدو الصهيوني.. فيما يرى الحزب ربما لظروفه الاقليمية والمحلية ان انهاك العدو الصهيوني بالمناوشات المحدودة وانهاكه بالترقب والقلق والشك والخوف أفضل من دفع العدو للحسم والقرار الواحد في خوض المعركة البرية ان كان تجاه غزة او الجنوب اللبناني.. وهو ما يخفف الضغظ على جبهة غزة في تاجيل المعركة البرية خوفا من تدخل حزب الله وايران.
أما لماذا لم يسقط الحزب في احداث الربيع العربي وقبلها مؤامرة الربيع العربي ولماذ لم تسقط سوريا ولماذا تحالفت كتائب القسام مع حزب الله وسوريا وايران فلربما هي اقدار الله التي جعلت روسيا تتحالف مع سوريا وحزب الله حماية لمصالحها، وبالتالي دخول حماس بتحالف او تنسيق مع روسيا من خلال حزب الله والذي نتج عنه استقبال اسماعيل هنية مرتين في موسكو مع وفود حزب الله في زيارات متفرقة.. وهي القناة التي قدمها حزب الله وعجزت عنها جميع دول الاعتدال العربي -القوة الاقليمية الفاعلة على مستوى الاقليم- والتي تستطع اي قوة اقليمية من القضاء عليه ..ولكم ان تتخيلوا لو ان حزب الله غير موجود في هذه اللحظة التي تجابه بها حماس العدو الصهيوني ولكم ان تتخيلوا كذلك لو ان مصر لا سمح الله ضعيفة كما اريد ن تكون كالعراق وسوريا وهي الاستراتيجية التي عملت لها الصهيونية عبر عقود ان تجعل هذه الدول دويلات ..وللاسف ليست فقط سويا والعراق من فككت وضعفت بل كذلك ليبيا والسودان وتونس ..
ان الحفاظ على الدولة المصرية وهيكلها وجيشها قوي في ظل نجاح مخططات الصهيونية في العراق وسوريا في تدمير هاتين الدولتين المحورتين يعد نجاحا للرئيس المصري والجيش المصري بغض النظرعن احتمالات نجاح مرسي في قيادة مصر فلربما لو استمر مرسي كانت ستحدث اضطرابات اوسع وتتتقسم مصر ..وربما كان ينجح ..وهي احتمالات متعددة ...ولربما كانت رؤية الرئيس المصري والجيش المصري هي الاصوب والتي جنبت مصر التقسيم والفشل وابقاءها قوية عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ...وهو ما جعلها تقف اليوم في وجه مخططات العدو الصهيوني في تهجير الشعب الفلسطيني من غزة. ويحسب للرئيس السيسي انه يحسب على الحرس القديم في الوطن العربي، اي انه ممن خاض النضال والتحرر من نير الاستعمار والسيطرة الغربية هذه هي مصر الدولة القوية والمحورية في الشرق الاوسط والعالم والتي تسعى جميع الدول للتحالف معها ان كانت دولا اقليمية او دولية. ونرى الان ان مصر تمتلك علاقات جيدة مع جميع الدول الكبرى التي تسعى ان تكون احد اقطاب العالم كروسيا والصين وفرنسا عدا عن اميركا وهي في معادلة دقيقة للموازنة في مروحة علاقاتها المتعددة هذه، وهي تميزت برباطة جاش وصبر ونفس طويل في مرحلة غليان وتغير على مستوى العالم حافظت خلالها على وجودها وكيانها وهي وصلت الان الى ساعة الحقيقة والمواجهة في اختيار الطريق الذي يحفظ وجودها ووجود الامة العربية ان حالة الصمود التي خاضتها الدولة المصرية ان كان على المستوى الداخلي او في عدم انزلاقها في تحالف عضوي مع الغرب وبقاءها قوية كدولة عسكرية ذات امكانات وموارد بشرية وهي الدولة التي سعت السعودية و الدول الخليجية لدعمها ماليا بشكل كبير لتبقى الدولة العربية السنية الكبيرة بمواجهة ايران وهي الامكانات التي استغلتها مصر لتبقى حامية الخليج، واستغلال هذه الامكانات لدعم صمود غزة وفلسطين وحماس.
هذه هي مصر اذن، أحد العوامل الاخرى التي تساعد في نصر غزة وحماس بالاضافة الى عامل حزب الله في الجانب العسكري، أما السعودية فقد ساهمت سابقا ولاحقا في دعم صمود حماس وكشف عورة اسرائيل من خلال المصالحة مع ايران، هذه المصالحة التي قلبت موازين القوى في الشرق الاوسط والعالم والتي ابانت ان قوة اسرائيل قائمة على الخلافات العربية والاسلامية ..ان المصالحة السعودية الايرانية حدث عالمي اطفأ كثيرا من محركات ازمات الشرق الاوسط، وهي المصالحة التي سعت لها الصين وبضمانات روسية للسعودية لحمايتها من اي اعتداء ايراني وهو العرض الذي قبلت به السعودية بعد فشل اميركا في حمايتها .
ان ابتعاد السعودية عن المعسكر الغربي وانزياحها نحو الروس والصينين هو العامل الثالث في نصر غزة بإذن الله.
ان التغييرات في السياسة السعودية وتقويض تحالفها مع الغرب هو احد الاهداف الاستراتيجية لروسيا، وقد ادركت روسيا ان مواجهتها مع الغرب لن تنتهي بالنصر اذا لم تهشم وتقوض الدولار الاستعماري والذي يستمد قوته من تسعير البترول بالدولار، واذا كان الروس ولافروف بذلوا جهودا مضنية لاقناع السعوديين بالانفكاك من الحلف الغربي .. الا ان حدثين دفعا ولي العهد السعوي الى اعادة حساباته، وهما قصف السعودية بصواريخ الحوثيين وعدم دفاع الغرب عنها، وحادثة مقتل خاشقجي التي حاول الغرب من خلالها ابتزاز المملكة العربية وولي عهدها، وهو ماجعله يتجه لخلق تحالف بين السعودية وروسيا ظهر جليا في مستوى عالٍ وغير مسبوق في اوبك بلس.
ان التردد الذي يحكم التوجهات السعودية في الابتعاد عن المعسكر الغربي ناتج عن عدم استيعاب سياسيها ودبلوماسيها لحجم التقهقهر الامريكي، وتزاحم الأحداث الكبيرة التي واجهت ولي العهد السعودي منذ تسلّمه موقعه.. واعتقد أن معركة طوفان الاقصى ستحسم امور ولي العهد في عدم الرهان على الغرب في حماية عرشه وبالتالي الابتعاد عنه وعدم الامتثال لطلباته وهو ما تمثل في اليوم التاسع للعدوان بعد الرضوخ لطلبات بلينكن بل مطالبات بلينكن بوقف العدوان.
اما العامل الرابع في انتصار غزة فهي روسيا القبصرية ذات الارث الديني والاخلاقي والتي يحكمها كما مصر الحرس القديم بوتين ولافروف ممن تجرعوا هزيمة الاتحاد السوفييتي روسيا القيصرية ما زالت تحاول بناء عالم متعدد الاقطاب يمنع هزيمتها امام الغرب الليبرالي المتحلل من كل قيم اخلاقية ودينية ..وهي في سعيها هذا اقامت محورها و دعمت سوريا وحافظت على الجيش السوري والدولة السورية ودعمت ايران ودعمت حزب الله مدركة حجمه وقوته الاقليمية، ولأن اسرائيل في صلب السياسات الغربية الليبرالية لفرض سيطرتها على العالم كان من البديهي ان تنضم حماس لهذا الحلف عبر بوابة حزب الله، فروسيا يهمها اضعاف الغرب والذي يستمد احد اسباب قوته من قاعدته المتقدمة اسرائيل، فتلاقت المصالح العربية الروسية الايرانية ..ولان سوريا وايران وحزب الله فلسطين في محور سياساتهم كان من الطبيعي ان يتجانس هذا الحلف من موسكو الى غزة مرورا بطهران ودمشق والضاحية الجنوبية ...اما الدور الاهم الذي لعبته روسيا فهو نزع فتيل الازمات والحروب بين محور المقاومة ومحور الاعتدال بقيادة مصر والسعودية وها نحن نرى في اليوم التاسع للعدوان على غزة ان جناحي الامة العربية والاسلامية يتساندان لدعم غزة حزب الله وسوريا وايران يهددون بالجانب العسكري والسعودية ومصر وقطر وتركيا والاردن تساند في الجانب السياسي والدبلوماسي لتخفيف الضغط على حماس وغزة ومنع انهزامها امام الكيان الصهيوني.
ان العالم الغربي الليبرالي في انحلاله الديني والاخلافي يدفع جميع شعوب العالم ومعظم الدول الى الوقوف صفا واحدا امام توحشه وانحلاله من ادنى القيم الانسانية ويجبرهم على تجاوز الخلافات بينهم لمنع انهيار المنظومات الاخلاقية والدينية للشعوب فنرى روسيا الارثوذكسية والصين والعالم العربي السني والسيعي وايران وتركيا وافريقيا تتوحد ضد الغرب وربيبتهم اسرائيل .
ام اهم عوامل انتصار غزة فهي حماس ورجالها والقسام وصمود الشعب الفلسطيني فرجال حماس الذين صبروا وجاهدوا وهم يبنون هذا التنظيم الحديدي ويحثون الشعب على الجهاد ويصنعون عتادهم وسلاحهم العسكري وينسجون خيوط التعاون مع حزب الله وسوريا وايران ويمدون العلاقات مع تركيا ومصر والسعودية والاردن ضمن معادلة قتالية جهادية سياسية دبلوماسية ان شاء الله يكتب لها النصر في هذه المعركة الممتدة.