معركة طوفان الأقصى.. واسئلة اليقين بمستقبل الكيان الصهيوني؟
بعد أكثر من عشرة أيام على بداية معركة طوفان الأقصى التي اطلقتها حركة حماس وكتائب القسام ضد الممارسات الاجرامية للحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي يكثر الحديث عن هذه المعركة بمختلف الزوايا و الاتجاهات، منها ما يتعلق باستشراف نهايتها ، ومنها ما يتعلق بطريقة سيرها وإمكانية توسيع نطاقها لتكون حربا اقليمية قد تدخل فيها ايران وحزب الله كطرف مباشر وليس مجرد داعم ومساند ، ومنها ما يتعلق بالمعطيات التي فرضتها في المعادلة العربية والتطبيع العربي الابراهيمي السابق والسعودي اللاحق، ومنها ما يتعلق بالتمثيل الفعلي للشعب الفلسطيني بعد خروج السلطة الفلسطينية عن الخدمة بالكامل اثناء وربما بعد هذه المعركة ، ومنها متعلق بمستقبل القضية الفلسطينية برمتها بعد أن وصل مشروع التسوية الى الحائط بعد ثلاثون عاما على اتفاق اوسلو ، وكذلك من زوايا النظر المتعلقة بحماس ومشروع المقاومة ومدى قدرتها على ترجمة المعركة الى منجزات سياسية وتعظيم المكاسب الاستراتيجية للمعركة .
لكنني سأتخطى كل ذلك على أهميته واتحدث عن "اليقين المفقود بالمشروع الصهيوني " بعد هذه الجولة من المنازلة العسكرية وهي مسألة استراتيجية تضرب في عمق بقاء واستمرار المشروع الصهيوني اليوم.
من الواضح ان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ومعهم المانيا لازالت تعتبر " اسرائيل " المحطة المتقدمة في الشرق الأوسط والتي تحفظ مصالحهم في المنطقة، وأنها بالرغم من تطرف قيادتها ويمينيتها المفرطة إلا أنها هي الابنة المدللة للعالم الغربي والتي تحظى بالرعاية والدعم والاهتمام بكافة صوره واشكاله ، ولا أدل على ذلك من جلب حاملات طائراتهم وبوارجهم الحربية الى شرق المتوسط على وجه السرعة، وتقاطر المسؤولون الغربيون بكل مستوياتها لاظهار الدعم والاسناد، وتزويد جيش الاجرام الصهيوني بكل ما تتطلبه المعركة من ذخائر واسلحة لضرب غزة التي انهكها الحصار منذ اكثر من 16 سنة.
باعتقادي أن القراءة الأعمق في المشهد وفي اليوم التالي لليوم الذي تضع الحرب فيها اثقالها ستحمل في ثناياها وبالا بل وزلزالا على دولة الكيان من حيث " الثقة واليقين " بمستقبله وذلك على عدة اصعدة:
الأول داخلي يتعلق بمزيد من الانقسام الذي احدثته حكومة نتنياهو الأكثر تطرفا في المجتمع الاسرائيلي بسبب تعنتها في تمرير ما يسمى بخطة الاصلاح القضائي، وأن هذا الانقسام سيتطور الى اسقاط هذه الحكومة التي اخذت على عاتقها توفير اقصى درجات الأمن والحماية للمستوطنين واطلاق العنان للمتدينين المتطرفين ليفعلوا ما يريدون، وكانت النتيجة ما فعلته كتائب القسام بهم من أكبر هزيمة لحقتهم في تاريخ الكيان منذ انشائه وصناعته، هذا بكل تأكيد سيفتح ابواب التنافس والمزايدة على مصراعيها في اوساط النخب السياسية والعسكرية الحاكمة في الكيان، وربما المحاسبة والمحاكمة ايضا.
هذه واحدة والثانية "عدم يقين" المستوطنين بمستقبلهم وأمنهم في دولة الكيان ليس في غلاف غزة فحسب وانما في كل انحاء فلسطين التاريخية بما فيها الضفة الغربية وفي الشمال، لم يعد أحد في مأمن اليوم .
"فقدان اليقين بمستقبل اسرائيل " من قبل المواطن الاسرائيلي نفسه له تداعيات خطيرة وجذرية على مستقبل الكيان بكل تأكيد.
البعد الثالث فيما يتعلق باسئلة "فقدان الثقة واليقين" ستثور في ذهن الدول الغربية الحليفة والداعمة لدولة الكيان ، وعن إمكانية استمرارها في حماية وتحقيق مصالح الغرب فعلا !!! فاذا كان فصيل مقاوم مسلح مثل كتائب القسام تمكن من تمريغ انفه بالتراب بهذا الشكل الذي شاهده وشهد به العالم، واسقط انظمته الاستخبارية وجدرانه المحصنة باكثر التقنية العسكرية تقدما وتطورا قد سقط بين يدي ابطال كتائب القسام خلال ساعة من الزمن، واعملت فيه جرافاته هدما وتخريبا ، فكيف سيُعتَمد عليها في قادمات الأيام ؟!!
والبعد الرابع المتعلق "بفقدان الثقة وسقوط الهيبة وقوة الردع" ستكون بعيون " محور المقاومة والممانعة " - أعرف أن هذا التوصيف قد لا يعجب الكثيرين ولكن على أرض الواقع لا يمكن تجاهله مهما تعددت القراءات والاجتهادات - فاذا كانت " اسرائيل " لم تصمد أمام قوة حماس - وهو فصيل فلسطيني واحد - فما قيمة وما وزن تهديداتها لايران الدولة الكبيرة ؟ وكيف ستنظر ايران باذرعها ومليشياتها الى اي منازلة او حرب محتملة معها ؟!!!
لقد سقطت تهديدات نتياهو لايران وفقدت قيمتها منذ اللحظة الاولى لمعركة طوفان الأقصى، وهذه احدى أهم فوائد المعركة لايران.
ثم وفوق كل ذلك ، "فقدان ثقة واعتماد" الدول العربية التي طبعت والتي سارت في ركب التطبيع بناء على قوة وقيمة " الرضى " الاسرائيلي حتى لو خالف وناقض وجدان الشعوب العربية والاسلامية والتي تدفقت بالملايين وبشكل غير مسبوق لتعلن تضامنها ودعمها وتأييدها لحماس وللمقاومة .
فهل بعد هذا المد الشعبي الجارف تستطيع انظمة وحكومات الدول العربية أن تستمر بذات النهج الذي يخالف شعور ورضى شعوبها تجاه اقدس قضاياها وأكثرها مركزية ، أم انها ستعيد حساباتها بالذات تجاه التعامل والتعاطي مع قيادة حركة حماس والمقاومة وتجعل منها مفردة من مفردات الانسجام والتصالح مع شعوبها ؟؟!!
خلاصة الكلام، معركة طوفان الأقصى فتحت جميع تلك الاسئلة الكبرى في كل ما يتعلق باليقين في مستقبل دولة الكيان فعلا وبمختلف الاتجاهات.
فهل نحن على اعتاب تحول استراتيجي وعميق في وجود وبقاء هذا الكيان بكل ارتباطاته الداخلية والاقليمية والعالمية؟؟
باعتقادي أن الجواب : نعم.