جنود حماس السيبرانيون.. القطرة الأولى في "طوفان الأقصى"

كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن لقطات مصورة مأخوذة من كاميرات مثبتة على رؤوس عناصر تابعين لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" استشهدوا في عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أظهرت أنهم كانوا يعرفون الكثير من المعلومات والأسرار عن الجيش الإسرائيلي ونقاط ضعفه. واستطاع المهاجمون الوصول إلى غرفة الخوادم في أحد مراكز الجيش الإسرائيلي من خلال ما لديهم من معلومات.

وتشير الصحيفة إلى أن هذه اللقطات، توفر تفاصيل وصفتها بـ"المرعبة" عن كيفية تمكن كتائب القسّام من مفاجأة أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط -بحسب وصفها-.

وتعددت نظريات الخبراء عن طريقة حصول المقاومة الفلسطينية على هذه المعلومات، بل إن بعضهم ذهب إلى أن للحركة جواسيس في الجيش الإسرائيلي.

ولكن ما غفل عنه كثيرون أن "حماس" تملك إستراتيجية حرب سيبرانية بدأتها قبل عقد من الزمان، وما زالت تطورها بشكل سريع، وقد حذر منها الكاتب سايمون بي هاندلر في تقرير أعده لوحدة إدارة الدولة السيبرانية التابعة للمجلس الأطلسي -العضو في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي- نشر نهاية عام 2022.

واللافت في تقرير هاندلر أنه وجه تحذيراته للولايات المتحدة، لا لإسرائيل، وهو ما يؤكد على الخطورة الكبيرة لهذه القدرات السيبرانية وما يمكن أن تغيره في ميزان القوى على الأرض، داعيا لضرورة فهم إستراتيجية "حماس" ومعرفة كيفية التعامل معها بطريقة مختلفة.

ويمثّل الفضاء الإلكتروني عادةً فرصة مهمة للجهات ذات القدرات المحدودة التي تفتقر إلى الموارد، للتنافس مع نظيراتها الأقوى نسبيًا. لذلك تزداد رغبة هذه الجهات في الحصول على قدرات هجومية ودمجها فيما تملكه من أدوات لتعزيز أهدافها الإستراتيجية.


ويذكر تقرير هاندلر أنه بينما ركزت إستراتيجية الولايات المتحدة السيبرانية على الأقوياء الأربعة من أعدائها الرئيسيين: الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، وإيران، فإن إستراتيجية الحروب السيبرانية لواشنطن وحلفائها -ومنهم إسرائيل-، فشلت في التنبؤ بقدرات حركة "حماس" الإلكترونية وإمكاناتها الهجومية والاستخباراتية.
 
تُعرف "حماس" بالرايات والعصائب الخضر على رؤوس مقاتليها التي تحمل كلمة التوحيد. وللمصادفة، فإن اللون الأخضر هو نفسه ما يميزها في الفضاء السيبراني أيضا.

فبحسب تصنيف المجتمع السيبراني، تعتبر "حماس" من "المحاربين ذوي القبعات الخضر"، وهو تصنيف مختلف عن التصنيفات الأخرى، كقراصنة القبعات السود والقبعات البيض وقراصنة النخبة.

والمميز في هذا التصنيف الأخضر، أن المنضوين فيه يعدّون "محاربين سيبرانيين"، وليسوا "قراصنة" كبقية التصنيفات، رغم أن البعض يتسامح في تسميتهم قراصنة ذوي قبعات خضر من باب توحيد الاسم. لكن الخبراء الأمنيين يميزون ذوي القبعات الخضراء بأنهم مستمرون في تطوير قدراتهم ليصبحوا أكثر قوة، وأن دوافعهم ذات بُعد سياسي وعقائدي، وليست مالية أو تخريبية أو حتى أمنية.
 
1- الدعاية والتجنيد
يسهم وجود "حماس" القوي على الإنترنت في التجنيد والحصول على المعلومات وأهداف أخرى تتعلق بالإعلام وجذب الأنظار إلى القضية التي تدافع عنها الحركة، وكلها دوافع رئيسية للحفاظ على أهمية الحركة وحضورها بين الناس.


ويرى تقرير المجلس الأطلسي أن الحركة تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتحريك الشارع الفلسطيني، والحث على القيام بعمليات مقاومة ضد إسرائيل. لكن بالرغم من أهمية هذا الدور لوسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الدعاية المتطورة لحركة "حماس"، فإن التهديد الرقمي الذي تشكله في الفضاء السيبراني على إسرائيل أكبر بكثير من مجرد الدعاية.

2- الضرب في الظلام
على الرغم من موقف "حماس" المتشدد تجاه إسرائيل، فإن قادة الحركة يدركون قوة إسرائيل العسكرية والتقنية، ويعرفون الساحات التي يمكن أن تحقق فيها الحركة نجاحات مؤثرة، مع ممارسة ضبط النفس الإستراتيجي لتجنب الأعمال الانتقامية التي قد تكون مدمرة.

ويعتبر الفضاء الإلكتروني -الذي يسهل فيه النشاط المجهول ويصعب تحديد الفاعل فيه-، من الساحات المفضلة لدى "حماس"، فهي تعرف جيدا أن أي اكتشاف لوجودها سيعود عليها بالكوارث على الأرض، لذا فإنها تتجنب بعض العمليات السيبرانية التي قد تقوم بها جهات أخرى تعمل لصالح دول مثل روسيا أو الصين.

وتتجنّب "حماس" استهداف البنية التحتية الإسرائيلية بالبرامج الخبيثة التخريبية، لأنها تعلم أن ذلك قد يعرضها للانتقام الإسرائيلي، كما أنها لا تنشر برامج الفدية التي تسعى وراء المال كما تفعل العديد من المنظمات الأخرى.

وتقوم الخطة الإستراتيجية للحركة على هدفين رئيسين: الأول، هو جمع المعلومات الاستخبارية عن الجيش والجنود الإسرائيليين أو عملائهم، والثاني، هو نشر المعلومات المضللة التي تسعى لتحقيق أهداف عسكرية أو دعائية مضادة لكسر الروح المعنوية للإسرائيليين.


هذه الإستراتيجية لا تحمي الحركة من انتقام إسرائيل فقط، بل أيضا من نقمة الدول الداعمة لها، وتسمح لها بهامش مناورة تحتاجه في خطتها العسكرية الطويلة المدى، ولذلك فإن هذه العمليات تعدّ رديفا فعالا للعمليات العسكرية على الأرض، وهو ما شهدناه في العملية الكبرى الأخيرة: "طوفان الأقصى الأخيرة".


 3- قلة التكاليف
ويحذر تقرير المجلس الأطلسي من التقليل من قدرات "حماس" السيبرانية، فبالرغم من أنها تعتبر ضعيفة نسبيا وتفتقر للأدوات المتطورة التي قد يتمتع بها قراصنة آخرون، فإن العديد من الخبراء الأمنيين تفاجؤوا بما تملكه من إمكانات، بالرغم من سيطرة إسرائيل على ترددات الاتصالات والبنية التحتية، فضلا عما يرزح تحته قطاع غزة من نقص مزمن في الكهرباء.

وتنظر تل أبيب إلى التهديد السيبراني الهجومي لـ"حماس" على أنه تهديد عالي الخطورة، وقد أحبطت عام 2019 عملية إلكترونية للحركة، ونفذ الجيش الإسرائيلي ضربة لتدمير ما قال إنه "المقر السيبراني لحماس"، مستهدفا عمارة في قطاع غزة، وهي واحدة من أولى العمليات المعترف بها من قبل الجيش ردًا على عملية إلكترونية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من ادعاء المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن "حماس لم تعد تمتلك قدرات إلكترونية بعد ضربتنا تلك"، فقد سلطت العديد من التقارير الضوء على عمليات إلكترونية قامت بها الحركة في الأشهر والسنوات التالية.


 4- التطور التكتيكي
بطبيعة الحال، تعتبر إسرائيل الهدف الرئيسي للتجسس الإلكتروني الذي تقوم به "حماس"، وقد أصبحت هذه العمليات شائعة على مدى السنوات القليلة الماضية، وتطورت تدريجيا من تكتيكات عامة وشائعة إلى أساليب أكثر تفصيلا وتعقيدا.

وكان ضحايا قبعات "حماس" الخضر في البداية من أهداف متنوعة، شملت القطاعات الحكومية والعسكرية والأكاديمية والنقل والبنية التحتية، وقد حرصوا على حجب المعلومات التي تكشف عن وجود حوادث الاختراق لأقسام تكنولوجيا المعلومات في هذه المؤسسات، خوفًا من انكشاف أهدافهم.

وفي وقت لاحق، نفذ قراصنة "حماس" تحديثات تكتيكية مختلفة لزيادة فرص نجاحهم. ففي سبتمبر/أيلول 2015، بدأت المجموعة استخدام تقنية تضمين الروابط بدلا من المرفقات، والإغراءات غير الإباحية مثل مقاطع فيديو حوادث السيارات، والتشفير الإضافي للبيانات المسربة.


كما تضمنت حملة أخرى في فبراير/شباط 2017 نهجًا أكثر تخصيصًا باستخدام الهندسة الاجتماعية، وتقنيات مختلفة لاستهداف أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي أنفسهم ببرمجيات خبيثة من حسابات فيسبوك مزيفة.

وهذه العمليات تظهر قوة "حماس" على مستويين: الأول قدرتها على اختراق وسرقة مواد قيمة من إسرائيل، والثاني جرأتها على تنفيذ هجمات لدعم القضية الوطنية الفلسطينية.

ويعدّ التشويه أداة أخرى في ترسانة "حماس" السيبرانية. وهذا النوع من العمليات -وهو شكل من أشكال التخريب عبر الإنترنت، ويتضمن عادةً اختراق موقع ويب لنشر الدعاية فيه- ليس مدمرًا بقدر ما هو مزعج، ويهدف إلى إحراج إسرائيل، ولو مؤقتًا، وإحداث تأثير نفسي على المستهدفين والجمهور.

وفي عام 2012، أثناء عملية "الرصاص المصبوب" التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة، أعلنت "حماس" مسؤوليتها عن هجمات على مواقع إسرائيلية مهمة، منها قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي، مؤكدة أن هذه العمليات السيبرانية "جزء لا يتجزأ من الحرب ضد إسرائيل".

وقد أثبتت هذه العمليات قدرتها على الوصول إلى جماهير واسعة من خلال تقنيات التشويه. فخلال الحرب على غزة في يوليو/تموز 2014، تمكنت "حماس" من الوصول إلى الأقمار الصناعية للقناة العاشرة الإسرائيلية، وبثت عبرها لبضع دقائق صورًا لفلسطينيين مصابين جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، وتهديدا باللغة العبرية يقول: "إذا لم توافق حكومتك على شروطنا، فاستعد لإقامة طويلة في الملاجئ".

كما لجأت "حماس" إلى المتعاطفين معها في جميع أنحاء العالم، فكانت تلهم المتسللين من الأفراد وتوجههم لمقاومة إسرائيل وفضح روايتها، مما أدى إلى تشويه مواقع إلكترونية تابعة لبورصة تل أبيب وشركة الطيران الإسرائيلية "العال" من قبل قراصنة عرب.

لا قبة في الفضاء السيبراني
ومثل برنامج "حماس" الصاروخي الذي بدأ بصواريخ القسام البدائية القصيرة المدى وغير الدقيقة، بدأ برنامج "حماس" السيبراني بأدوات غير متطورة. لكن على مرّ السنين، وكما حصلت الحركة على صواريخ متطورة ودقيقة وبعيدة المدى، تطورت أيضًا قدراتها السيبرانية من حيث الحجم والتعقيد.

لقد أظهرت عملية "طوفان الأقصى" الأخيرة ما كان يحذّر منه الخبراء الأمنيون، وهو أن القبة الحديدية التي يفترض أن تحمي غلاف إسرائيل الجوي من صواريخ المقاومة، لا يمكنها أبدا حمايتها في الفضاء السيبراني.

المصدر : الجزيرة