طوفان الترويع والتقويض


( من لم يأت بالترويض لا بدّ أن ينتهي بالتقويض، ومن استعصى على التطويع فليواجه الترويع، ومن لم يكن مع أميركا و«إسرائيل» فهو إرهابي وعدوٌ للحياة والأمل والمستقبل ولا بدّ من تصفيته).

على مدى أكثر من عشرين عاماً كانت وكالة المخابرات الأميركية هي التي تدفع للزمّار والمزمرين، وتدير جبهة ثقافية بدعوى حرية التعبير من أجل السيطرة على عقول البشر وقلوبهم.

قبل أن تضع الحروب الأميركية أوزارها، أخرجت الترسانة الامبريالية أثقالها الثقافية: ( الصحف والمجلات والإذاعات، والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي، والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز... إلخ)

وتكونت شبكات من شعراء الطرب السياسي، وحملة المباخر ممن وُصفوا بالحداثيين والتنوريين، والليبرالبين الجدد، ومن مؤسسات وهمية وتمويل سرّي ضخم ، في حرب دعائية ضارية هدفها زرع ثقافة القرن الأميركي الجديد.

كانت تخطط لهذه الحرب وتديرها «منظمة الحرية الثقافية» (Congress for Cultural Freedom)، وهي «الزمار» الذي تدفع له وكالة المخابرات المركزية (CIA) ثمن ما تطلبه من ألحان نهاية التاريخ وصراع الحضارات.

هذا هو ملخص الجهد الضخم الذي قامت به الباحثة البريطانية ف. س. سوندرز في كتابها «من الذي دفع للزمار؟»، فبيّنت الجانب المظلم من تاريخ أميركا الثقافي، معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية، وفحص عدد كبير من الوثائق الرسمية التي أُفرِج عنها، كشفت سوندرز عن أسماء عدد كبير من أبرز مفكري المرحلة وفنانيها، تعاون بعضهم دون أن يدري، وعمل آخرون بعلم واستعداد للتعاون لصنع ما يسمى «أيديولوجيات الاستيعاب التنويرية»، واُستُعمل اليسار الديمقراطي ضد اليسار الراديكالي كستار للهيمنة الأميركية على أوروبا.

هذا هو الأسلوب الذي لجأت إليه وكالة المخابرات المركزية ل اللعب في الميدان الثقافي، متخذةً من الفنون والآداب غطاءً لها في عملها.

بعد عشرين سنة من الحرب الأميركية في أفغانستان، وما رافقها من ويلات وجرائم الحرب اضطرت للانسحاب المذل ودون تحقيق أياً من أهدافها وعادت طالبان لحكم أفغانستان، وفي العراق وبعد أن تبيّن زيف الأسباب التي ساقتها لتبرير تلك الحرب الفاجرة وما رافقها من جرائم بشعة، تصاعدت معاناة العزلة والكراهية وبدأت بطرح السؤال ( لماذا يكرهوننا؟) عندها لجأت إلى صياغة نظريات لأجيال جديدة من الحروب، فضاؤها حقول الإمبراطوريات الإعلامية، ومنتجات الذكاء الاصطناعي، وهندسة الخوارزميات في منصات التواصل الإجتماعي الذي يتحكم بحرية إبداء الرأي عبر محابس إلكترونية لا تسمح بالمرور لأي كلمة أو عبارة أو مصطلح يخدش مشاعر العم سام، بحجة معادة السامية ومحاربة خطاب الكراهية!..

اليوم لم يعد للسؤال الوقح ( لماذا يكرهوننا؟ ) اي قيمة أو معنى وبعد طوفان الأقصى بدأت مرحلة جديدة من السفور الفاضح في الانحياز الأعمى لجرائم الحرب الصهيونية، ضد القوى الصاعدة التي صنعت الفلسطيني الجديد وعلى منواله سينتج العربي الجديد في رسم ملامح الشرق الأوسط والمستقبل الجديد، ليس انحيازاً صارخاً فقط ولكنها شراكة في الجريمة المكتملة الأركان، ما يعني أن الكتل البشرية المتضررة من الغطرسة الأميركية أصبحت مشبعة بالكراهية ضد السياسات الأميركية، وبالضرورة فإن الولايات الأمريكية ستعاني من المزيد من العزلة والرفض، لأن الإدارة الأميركية لا زالت تضحي بمصالح شعبها لصالح " الكيان الإسرائيلي "، خسارة العقول والقلوب ستضع اغلالها لصالح ( الصين وروسيا) المنافسين القادمين لصدارة المشهد الدولي.

الحقيقة التي لم تدركها المزادات والمزايدات في بورصة الانتخابات القادمة ان "إسرائيل" وخاصة بعد طوفان الأقصى، لم تعد قادرةً على حماية ذاتها وعاجزةً عن رعاية مصالح وكلائها وأن المراهنة على الدور الوظيفي للكيان في رعاية المصالح الغربية هو رهان خاسر وأن "إسرائيل" أصبحت عبئاً ثقيلاً على من أسسها وأنشأها ودعمها.

بدأت مرحلة التطويع الفكري والثقافي، وعنوانها من لم يأت بالترويض لا بدّ أن ينتهي بالتقويض، ومن استعصى على التطويع فليواجه الترويع، ومن لم يكن مع أميركا و«إسرائيل» فهو إرهابي وعدوٌ للحياة والأمل والمستقبل ولا بدّ من تصفيته .

تحت الرعاية الغربية والبوارج الأميركية الأوربية وألالحان العبرية، تدور الحرب ضد غزة قاسية وكريهة ودموية لقمع إرادة التحرر والاستقلال الحقيقي.

في تطور المشهد السياسي، مفاجأآت صادمة ستفسد اللحن الموسيقي المراد إنتاجه على اشلاء الشعب الفلسطيني وخرائط الشرق الأوسط الصهيوني، آن الآوان لانكشاف الوجه القبيح المختفي خلف الاقنعة السوداء، وانقلاب السحر على الساحر.

مرحلة النهوض لها لحن آخر، تعزفه صواريخ المعركة، وسواعد المقاومة، بحور الشعر لم تعد عبرية وستعود كما الأصل عربية الحرف والقافية، وأما الذين اعتادت اذانهم على الإستماع والاستمتاع باللحن العبري، ويطربون لميشيل إلياهو وغيره، فما بكت عليهم السماء والأرض ولا عزاء لهم ولا كرامة ولا احترام.