الغلام الذي تحدّى الرب

 
في قصة أصحاب الأخدود نقرأ عن الغلام تحدى الملك اليهودي اليمني زرعة بن تبان الحميري والمعروف بذي نواس، حيث ادعى الملك الألوهية بعد أن أوحى إليه الساحر الفاجر الذي كان يرافقه ويوسوس له صباح مساء بأن فيه من صفات الكمال والجلال ما يؤهله ليكون ربّا معبودا من دون الله.

اهتدى الغلام كما تقول القصة على يد راهب نصراني أثناء رحلته لتعلّم السحر على يد الساحر الفاجر نفسه، وشاع ذكر الغلام بين الناس بعد أن أكرمه الله بقدرات على شفاء المرضى، حتى وصل أثره إلى بلاط الملك، وأحد ندمائه، وهنا قرر الملك قتله، وحاول مرارا أن يفعل إلا أن الغلام كان ينجو بفضل الله.

العجيب في القصة أن الغلام هو من أعطى الملك وصفة لطريقة قتله، فقال له: إجمع الناس في صعيد واحد، وخذ سهما من كنانتي، وضعه في القوس، وقل: بسم الله رب الغلام، واضربني بالسهم، وهذا ما حصل بالفعل، ضرب الملك الغلام بالسهم بعد أن قال العبارة الفاصلة، فقتل الغلام، وصاح الناس: آمنا برب الغلام.

استشاط الملك غضبا، فقد بطل سحر الساحر، وصار الملك في نظر الناس إنسانا عاديا في لحظة، ولم يعد إلها مقدسا معبودا لدى الجماهير، لقد خدعه الغلام وكشف عورته أمام جماهير شعبه، فماذا كان عليه أن يفعل كي يسترد شيئا من ماء وجهه؟ لقد أمر جنوده ومجاميع المرتزقة والمنافقين والدجالين حوله بحفر الأخاديد واشعال النيران داخلها، وتخيير الناس بين الكفر برب الغلام أو الإلقاء في النار، فاختار الناس الموت على أن يعودوا عبيدا لإله كاذب.

القصة معروفة لنا جميعا، وهي قصة أصحاب الأخدود، حيث ذكرهم الله في القرآن وخلّدهم إلى يوم القيامة، واليوم أعيد روايتها باختصار لأنني أجد تشابها كبيرا بين تحدي ذلك الفتى لذلك الملك الكاذب، وتحدي فتيان المقاومة في فلسطين اليوم لذلك الجيش الذي صنع منه الاعلام والخوف إلها لا يقهر، ولكن باسم الله رب الفتيان استطاع جند المقاومة في فلسطين أن يبطلوا السحر، ويثبتوا للأمة كلها التي تتابع المشهد جليّا عبر الشاشات أن جيش هذا الكيان العنصري وهم كاذب، ونمر من ورق.

إنهم اليوم يحفرون الأخاديد، ويضرمون النيران، ويحرقون الأخضر واليابس حتى يخفون الحقيقة التي كشفها الجميع، إنهم مجموعة من الجبناء، عاشوا سبعين سنة يقتاتون على خوفنا، وبحماية زمرة من أبناء جلدتنا، مصنوعين في مصانعهم، ويروّجون روايتهم وسرديتهم حول جيش لا يشق له غبار، وطائرات وصواريخ ومدافع تحوّل المدن إلى خرائب، والأطفال إلى شهداء وأيتام... لقد كذبوا وصدقناهم، وتمادوا وخضعنا لهم.. وآن لنا أن نصحو من غفلتنا.
 
طوفان الأقصى ليس معركة عابرة للذاكرة، إنها بداية صحوة أمة من كذبة عمرها سبعين عاما، قد يقتل العدو آلافا من الشهداء، ففاتورة فرق القوّة في العادة تدفعها الشعوب الحرة من دمها، ولكن النصر قادم لأن زمن السحر والسحرة قد انتهى إلى غير رجعة.