بين الحقّ في "المقاومة والتحرير" و"الدفاع عن النفس"!
الفكرة الدعائية الرئيسية التي يستند إليها الكيان الصهيوني هي: "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس".
ولاحظ وقع الكلمات:
حق..
إسرائيل (وما تمثّله في وجدان الغرب ومخياله)..
الدفاع عن النفس..
فكرة واضحة، ومباشرة، وصريحة، ومتماسكة، ومتينة، ومُفحِمة.. وكل ما يصدر عن الكيان وحلفائه من تصريحات ومواقف لا يخرج عن إطار هذه الفكرة، والتأكيد عليها، وتكريسها. حتى خلافاتهم تتمحور حول أيّ الصيغ أفضل لترجمة وتطبيق هذه الفكرة!
في المقابل، الفكرة الدعائية الرئيسية التي يُفترض أن تكون لدى العرب والمسلمين هي: "حق الشعب الفلسطيني (كلّ الشعب الفلسطيني) بالمقاومة والتحرير.
ولكن على أرض الواقع نجد الخطاب الدعائي العربي والإسلامي أبعد ما يكون عن هذه الثيمة، وأبعد ما يكون عن الإتساق والوحدة والتماسك:
فخطاب المقاومة نفسه يضع تصرفاته في أغلب الأحيان في قالب "ردّ الفعل"، أو الانتقام لهذه الجريمة أو تلك من جرائم الاحتلال، أو الانتصار لهذه الجزئية أو تلك، بمعزل عن الصراع في كليّته وشموليته وثوابته ومنطلقاته الأساسية.
وحتى عندما لا تقع "المقاومة" في هذه الفخ، فإنّ وسائل الإعلام التي تنقل عنه، صديقها قبل عدوّها، تجرّه جرّا نحو هذا الفخ، وتفرّغ أو تميّع خطابه ومنطلقاته وثوابته ومضامينه.
خطاب ما تسمّى "السلطة الوطنية الفلسطينية" يقوم على "حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الوطنية على ترابه الوطني" دون أي ذكر أو تلميح أو إيحاء بمقاومة أو تحرير.
وبالمثل خطاب الدول العربية الذي يقوم على "حلّ الدولتين"، و"إقامة دولة فلسطينية على أساس خط الهدنة لسنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
وهذا الخطاب لا يتضمن لا من قريب أو بعيد أي إشارة إلى "مقاومة" أو "تحرير"، بالعكس، هو يتضمن إدانة ضمنية للمقاومة المسلحة والتحرير بكونه:
- يقرّ بحق "إسرائيل" بالوجود.
- يقرّ بشرعية "دولة إسرائيل".
- يقرّ بحق "دولة إسرائيل" بالأراضي والمناطق التي احتلتها وسيطرت عليها قبل الـ 67.
- يقرّ ضمنا بما اغتصبه الكيان الصهيوني تاليا من أراضٍ ومستوطنات.
- يقرّ بحقّ للكيان الصهيوني في القدس، وتقسيمها بين شرقية وغربية.
أما أوهى الخطابات فهو خطاب "الشرعية الدولية"، والذي ينادي بوقف قتل "المدنيين" والأبرياء بدعوى "حقوق الإنسان" والمعاهدات والمواثيق الدولية، ووقف سياسة "الفصل العنصري" والعقاب الجماعي، ومحاكمة المسؤولين بدعوى ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي وإبادة جماعية.
وهذا الخطاب، على قوّته ووجاهته الظاهرية، واهٍ لأنّه يقتصر على مستوى الخطاب نفسه، ولا يوجد هناك أي دولة أو سلطة أو قوة تقف وراءه وتتبناه وتحمل على عاتقها عبء ترجمته.
الكلّ يُطالب، حسنا، مَن الذي سينفّذ؟!
وهو واهٍ لأنّه يتحدث عن "المدنيين" فقط، أمّا المحاربين، سواء أسميناهم "مقاومين" أو "مناضلين" أو "مجاهدين" أو أي تسمية أخرى فلا يشملهم وصف مدنيين، وبالتالي لا تسري عليهم نفس "الحقوق" والمعاهدات والمواثيق، سيما أنّهم ليسوا أيضا "جيشا نظاميّا" بالتعريف القانوني حتى يشملهم وصف "أسرى الحرب" كأضعف تقدير.
وهو واهٍ لأنّ تهم الفصل العنصري والعقاب الجماعي وأيّ أفعال أخرى أفدح من هذه تبطلها وتفنّدها وتميّعها دعوى "الدفاع المشروع عن النفس".
وهو واهٍ لأنّ التوصيف والتكييف القانوني الساري لجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية يسري على الطرفين وليس على طرف واحد، بل إنّه يسري أكثر على المقاومين والمناضلين والمجاهدين باعتبارهم ليسوا جيشا "نظاميا" كما سبقت الإشارة، وبكونهم مصنّفين دوليا أو من قبل القوى الكبرى كـ "منظمات إرهابية". في حين أنّ المقاتل الصهيوني هو نظريا جندي "نظامي" ينتمي لـ "جيش نظامي" يعود لـ "دولة شرعية" تحظى بـ "الإعتراف الدولي"، وهو لا يرتكب جرائم، بل ينفّذ كما يقتضي "شرف الجندية" الأوامر الصادرة له عن سلطة "شرعية" منتخبة "ديمقراطيا" بكل "انضباط" و"مهنية" و"احتراف".. مرّة ثانية وثالثة ورابعة في إطار حقّ "دولته" المشروع بـ "الدفاع عن نفسها".
حرب دعائية قذرة تُمارس على غزّة والمقاومة والقضية الفلىسطينية لا تقل شراسةً عن حرب الإبادة الجماعية التي تُقترف على الأرض. ونحن للأسف ننخدع وننجرف بسهولة وراء هذه الدعاية، ونختار من الخطابات والشعارات والرسائل الموجّهة أضعفها وأوهاها.
"الحق بالمقاومة والتحرير"، هذا هو ما ينبغي أن يكون جوهر وفحوى وعنوان خطابنا ودعايتنا ورسائلنا الموجّهة، والباقي تفاصيل وحيثيات تتبع لهذا الجوهر الأساسي!