الأردن تجرع آثار الحروب والنزاعات على نظامه التعليمي منذ النكبة
يعيش العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص حروب ونزاعات وأزمات وكوارث طبيعية وصحية متتالية نتيجة ضعف قدرات بعض الدول ، وغياب العدالة في الحصول على الحقوق المشروعة لكل دولة أو مجتمع أو مكون اجتماعي أو انسان، إضافة إلى غياب العدالة في تطبيق القوانين الدولية وغيرها على الجميع والاحتكام إلى شريعة الغاب في إدارة هذه الحقوق ، وخلفت آثارا كبيرة على مناحي الحياة المختلفة للمجتمعات بحاضرها ومستقبلها الأمر ولد حقد وكرها بين أفراد المجتمعات وقادها إلى اللجوء كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة في النضال لنيل حقوقها ، وقد أدت هذه النزاعات إلى الاضرار بكل مقومات العيش، والتعليم كنظام مفتوح يتأثر بالسياق الذي يعمل فيه، فإنه أكثر العناصر تأثرا نظرا لأهمية بصفته حق من حقوق الإنسان الأساسية ولعل ما خلفته جائحة كوفيد -19 أيضا عمق من مما يتعرض له الأنظمة التعليمية في هذه الدول .
ومن هنا لا يستطيع أحد أن ينكر الحق في التعليم لأنه من الحقوق الأساسية التي دعت له جميع الشرائع والأديان، وكفلتها القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والمحلية وفي جميع الظروف لأنه مبدأ أساسي للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية، وعنصر رئيسي لتحقيق السّلام الدائم والتنمية المستدامة، ولأنه الأداة الرئيسة التي تعمل على تمكين وتقوية الحقوق الأخرى وتحقيق التنمية على والمشاركات في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية لهذ يجب أن يوفر للجميع في كل الظروف وخاصة في ظل الحروب والنزاعات والكوارث وحمايته وعدم المساس به.
لقد أجمعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على أن التعليم حق ، وتم اقراره من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 و أصبح يشكل أحد أهم الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أكده العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 في المادة 13 منه ، وأيضا القانون الإنساني الدولي والذي ركز على الحد من الآثار المترتبة على الصراعات المسلحة من خلال تنظيم تصرفات الدول الأعضاء، إلا أن هذه التشريعات الدولية لم تحد من أثر هذه النزاعات وأثارها المدمرة على التعليم، ولعل ما شاهدناه في مختلف الدول من هجوم مستمر على المدارس وتدميرها والإضرار بالمعلمين والطلبة والكوادر العاملة وتعريضهم للخطر وتصل أحيانا لقتلهم ناهيك عن انتشار الكثير من التعبات عدم الالتحاق بالتعليم وتدني جوته ، وانتثار مفاهيم وممارسات الكراهية والتميز العنصري، و الأثار النفسية و التشريد والتفكك الأسري الذي تعيشه الأطفال ، والتسرب المدرسي ، وانتشار عمالة الأطفال الأمر الذي يتطلب حماية المدنيين والمباني التي تتضمن المدارس والمعلمين والطالب، ومعالجة أسبابها و أثارها التي أصبحت تؤثر على تشكيل الإنسان في المستقبل، فلا يعقل أن نرى حماية حق التعليم وفق القانون الإنساني الدّولي وبموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافيّة. والتي تركز على القواعد الأساسية تنتهك وفق قانون شريعة الغاب ، ولا تطبق للحد من همجية الحروب والقائمين عليها فتستهدف المباني المدرسية وتدمر بنيتها التحتية ، ويقتل الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية وخاصة الطلبة، والمعلمين المدنيون, وعمال الصحة, والجرحى، والمرضى في المستشفيات، وأسرى الحروب والنزاعات، ويتم الاضرار بالمؤسسات التعليمية وبحق التعليم نتيجة استبداد القوة الغازية والمحتلة للبلدان .
وعليه فعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويتخذ خطوات ملموسة نحو تأمين حق التعليم وتوفير سلامة الطلاب والمعلمين والبني التحتية له وتوفير كل الدعم له من السياسات والتمويل والتخصيص وتقديم المساعدة، وحماية المدارس والجامعات وجميع المرافق التعليمية من الهجمات والاعتراف بطبيعتها المدنية، لضمان أن تظل دائما أماكن آمنة لتعزيز السلام والتنمية والاستقرار كآلية لاستمرارية التعليم من ناحية، إضافة إلى مواجهة الأزمات والتغلب عليها من ناحية أخرى. مع ضرورة إدراج تدابير مواجهة الأزمات والتصدي لها والتغلب عليها
وهنا لا بد من الإشارات إلى أثار الحروب والصراعات والنزاعات التي حدثت وأدت إلى اضطرابات سياسية، بل وحروباً أهلية وأزمات اقتصادية متلاحقة وفساداً كبيرا في عدد من دول المنطقة أفتك جميع مفاصلها ، وانهارت نظمها التعليمية ، و فقدت هذه الدول ممتلكاتها وموارد نهضتها التعليمية وأهدرت بناء مستقبل واعد لأجيالها، واضحت منظومتها التعليمية في الوراء، وألقت هذه الحروب والنزاعات في هذه الدول تبعات ذلك على الدولة المجاورة، وأثرت على نظمها التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية واستنزفت مواردها المائية والغذائية ، ولعل ما واجه الأردن من موجات متتالية من اللاجئين بسبب الصراعات في أنحاء مختلفة من المنطقة منذ النكبة ، وحتى اللجوء السوري في السنوات الأخيرة شكل تحديا كبيرا على مجالات الحياة كافة في الأردن نظرا لأن الأردن من أكثر الدول التي تحملت الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها بشكل مباشر وغير مباشر. ويعد قطاع التربية والتعليم من أكثر القطاعات التي تأثرت ولا زالت تتأثر بهذا اللجوء، وقد تجرع الأردن الآثار الكبيرة لهذه الأزمات ،ولكن وانطلاقا من إيمان القيادة السياسية ودورها الإنساني والقومي لتوفير الحياة الكريمة لكل من ينشد الأرض الأردنية، ويقوم الأردن بذلك على حساب مقدراته التي يعرفها الداني والقاصي ورغم ذلك تحمل الأردن انطلاقا من مسؤولياته الإنسانية والقومية والأخلاقية وتنفيذ لما ورد في الدستور الأردني تبعات هذا اللجوء خاصة في ما يتعلق بتوفير فرص تعليمية لكافة الطلبة الأردنيين ممن هم على الأرض الأردنية، وفي ظل ما حدث من تبعات وأثار أثقلت كاهل النظام التعليمي الأردني وقد تخلت كل الدول عن التزاماتها لتحمل أعباء هذه اللجوء، والذي أسهم في إنهاك البنى التحتية، وعدم تنفيذ الخطط التطويرية للنظام التعليمي، ووجهت مخصصات مالية في موازنة الدولة، أو المنح والقروض من الدول الشقيقة والصديقة والني كانت مخصصة لتطوير التعليم إلى التخفيف من تلك الآثار على المجتمعات المحلية والسوريين، على الرغم من أن الكلفة غير المباشرة لتراجع النظام التعليمي، نتيجة عدم تنفيذ الخطط التطويرية، فإن له تداعيات غير محسوبة على المدى البعيد، إذ أن التراجع في نوعية النظام التعليمي وفق الدراسات الدولية والوطنية، وتردي نتائج اختبارات الثانوية العامة أدى ذلك إلى بروز تداعيات ذلك في ضعف النتاجات والكفايات التعليمية المرجوة، ويحتاج لأعوام عديدة ليسترد عافيته نتيجة آثار هذه الأزمة، وفي ضوء ما يجري لا يمكن لأي دولة أن تتحمل أية تبعات هذه الحروب والنزاعات، وستبقى الدول والافراد يناضلون للحصول على حقوقهم المشروعة بالوسائل كافة .
إن المحلل لمؤشرات جودة التعليم في الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات يجد أن ضعف الكفاء الداخلية للأنظمة التعليمية وتدني نسب مؤشرات الانفاق على التعليم أو الاستثمار فيه نتيجة ما تعيشه من صرعات وتوجيه أموالها لكبح هذه النزاعات ، وفما بلك بالدول الفقيرة التي لا يوجد أصلا لديها مواد وتعيش هذه النزاعات ، كما أن هناك تدني في نسب الالتحاق من الطلبة في جميع المراحل وهناك تدني في نسبة المعلمين للطلبة وعدم توفرهم ، وضعف في إعدادهم وكفاياتهم ، وغياب مشاركاتهم عن التقييمات الوطنية والدولية ناهيك عن ارتفاع نسب الانقطاع والتسرب من التعليم المدرسي للملتحقين بالتعليم و عدم استكمالهم للانتقال من الصفوف والمراحل التعليمية، وانعدام الأمن في تحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم، وفي توفير البيئة التعليمية الأمنة للتعليم بسبب تدهور البنى التحتية التعليمية وتهالكها نتيجة ما تعرضت له من دمار بسبب النزوح الحروب هذا بالإضافة إلى الضعف التي تعاني منه الأنظمة التعليمية أصلا لأسباب أخرى تتعلق بالأنظمة التعليمية نفسها ، وبالتالي تأثر كفاءة النظام التعليمي الخارجية في حين أن نوعية التعليم الجيد تقلل من فرص حدوث أية نزاعات داخل الدول أو خارجها ، وتحد من العنف لآنها تركز على تمكين الافراد من المهارات وإعادة البناء والتنمية المستدامة داخل المجتمعات وتسهم في الاندماج المجتمعي العالمي والانساني وتعمل على تحقيق الرفاهية للناس وتأمين صحتهم واستقرارهم الاجتماعي من خلال هذا التعليم كما يعزز من مستو ى تمكين الطلبة الدراسي ويساعد في وضع خطط التعليم لمستقبل أفضل للتعليم بما يمكنه من الصمود أمام الأزمات والتعافي منها، وتحقيق الجودة والعدالة والشمول للجميع، وهذا ما أكدته أهداف التنمية المستدامة2030 في هدفها الرابع والمتعلق بضمان توفير التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع في أوقات الأزمات وما بعدها، وذلك عن طريق رسم مستقبل التعليم في أوقات الأزمات، وإدماج الإجراءات المُراعِية للأزمات ضمن خطط التعليم. وتنطلق الموجهات من كون التعليم حقًا إنسانيا أساسيا، بل أولوية، حتى في أوقات الأزمات، لذا لم يعد مقبولا من المنظمات الدولية الراعية لحقوق الانسان عامة والحق في التعليم واقرتها في مواثيقها الدولية ، وحتى المنظمات العاملة في التعليم مثل منظمة اليونسكو لتربية والعلم والثقافة ( UNESCO) التي نقدرها التي تسعى إلى إيجاد أدوات تعليمية لمساعدة الناس على العيش كمواطنين عالميين بمنأى عن الكراهية والتعصب، وتعمل على إرساء السلام من خلال التعاون الدولي في مجال التربية والعلوم والثقافة، وتضع السياسات و الأطر العامة والاستراتيجية لتحسين التعلم ولرصد التعلم في حلات الطوارئ ،وحتى والمدافعة عن الحق في التعليم، والمنظمات العامل مع الطفولة وصانعوا السياسات فيها أن يكتفوا بالاستنكار والشجب والتحذير والتذكير بما تضمنته القرارات، وأيضا الانتظار لحين وقوع المزيد من الحروب والنزاعات والكوارث والأزمات حتى ينهضوا لوضع أليات تنفيذ السياسات والقرارات ، وأن يكون لديهم القوة في كشف الممارسات التي تمارس بحق أفراد المجتمع المدرسي وما تتعرض له البنى التحتية من دمار وأن لا يستخدم معايير مزدوجة ترتبط بالعرق والجنس واللون، ويجب أن تنفصل عن الحكومات التي تمارس الكيل بمكيالين وتدعم الأطراف المحتلة والمغتصبة لحقوق الاخرين ، وأن يكون لها مواقف دولية معلنه من ذلك، فلا يكفي أن ينظر البنك الدولي ( THE WORLD BANK )الذي يضع لنفسه رؤية لإنهاء الفقر على كوكب صالح للعيش بموارد الدول التي يسيطر عليها بوسائله المختلفة والتي أثقلت ككواهلها الاقتصادية بأن ينظر للتعليم بانه حق من حقوق الإنسان ومحرك قوي للتنمية وأحد أقوى أدوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار دون أن يفعل شيء لحماية التعليم وهنا على الدول التي ترضخ لسياساته وسيات صندوق النقد الدولي ان تعكف عن التعامل معه او المقايضة على الحقوق في ظل ما يوقع من اتفاقيات ترهن موارد الدول بحوزته ، وتكشف كل الممارسات ضد التعليم في هذه الدول وأيضا لا يجوز منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسف UNICEF ) التي نقدر دورها في أن التعليم ليس مجرد حق، بل هو أيضاً شريان حياة، التي تعتبره هندسة مجتمعية تحضر أجيال الحاضر لاستحقاقات المستقبل، وجل عملها حماية حقوق كل طفل في كل مكان ، وتعتمد في مواردها على الدول وتمول برامجها من القروض والمنح المقدمة للدول دون أن يكون لها دور حقيقي هي وغيرها من المنظمات الدولية في حماية التعليم وافراد المجتمع المدرسي وحقوقه وتكشف الممارسات التي تتعرض لها الأنظمة التعليمية في بلدان الشرق الأوسط وغيرها من البلدان الفقيرة ، والغريب بالأمر أيضا أن الأمين العام للأمم المتحدة قد صرح بأن هناك أكثر من (78) مليون طفل حول العالم خارج المدارس بسبب النزاعات والحروب والتي أصبحت صبحت العملية التعليمية بكل مكوّناتها، المدارس والجامعات والمناهج والطلاب، ضحية لها من قبل من يقودون العالم ويسيطرون عليه والتي دفعت المجتمعات المسحوقة أثماناً باهظة على جميع المستويات، التربوية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية في كل مجالات الحياة والشواهد كثيرة على ما تم تدميره من مدارس وما استشهد من طلبة ومعلمين في المدارس والجامعات وحتى المدارس التي تديرها المنظمات التي تتبع للأمم المتحدة تم تدميرها .
ومن هنا علينا التذكير وكما هو معروف فالحروب تتولد في عقول البشر، وفي ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام" فالدول المنتسبة لليونسكو والموقعة على ميثاقها منذ التأسيس في سنة 1945، إلا أن نتائج الحروب والصراعات دفعت بها إلى وضع إشكالية التعليم والنزاعات في إطارها الحقيقي، ووجهت رسالتها للعالم كاملا ، وأكدت على أن تعزيز السلام وبالتالي تحقيق الاستقرار والتنمية، لا يتأتيان إلا من خلال التعليم، مما يؤكد أهميته القصوى في كل الأوقات، عند السلام وقبل وأثناء وبعد النزاعات والحروب أيضا، لتعزيز الوعي والتفاهم الدولي، ونشر التسامح والعمل والاعتراف بحقوق الإنسان ومنها التعليم، لأن من خلال التعليم يمكن التعافي وتجاوز كل المخاطر والتدمير والتهديدات التي تحدث في غيابه، لاسيما وأن الكثير من دول ومناطق العالم، تشهد اليوم حالات عدم استقرار ونزاعات وتحديات يتعين معها إدراك ضرورة حماية التعليم من الهجمات، والتي بسببها يتم إغلاق المدارس وتعليق الدراسة والاعتداء على الطلبة والمعلمين وتشريدهم، بل تجاوز الأمر كل ذلك بتدمير هذه المؤسسات وصيرورتها كذلك سكنا ومأوى للفارين من النزاعات وتوفي فيها الآلاف من الطلبة والمعلمين ، ناهيك عما يحدث من تفجير وإحراق المدارس والجامعات، وقتل وتشويه واغتصاب واختطاف واعتقال الطلاب والمعلمين من قبل القوات المسلحة أو الأطراف الغازية والمحتلة التابعة للدول ، وهذا ما حادث في منطقتنا العربية وفي بلدان العالم الأخرى، وعليه نتمنى أن لا يكون السعي للتعلم كحق أساسي في بلداننا ، بينما نجد أن حياة الطلاب والمعلمين معرضة للخطر لمجرد سعيهم للتعلم والتدريس كما يجب أن تكون المدارس والجامعات أماكن آمنة، لا مواقع للاستهداف لقتل الأبرياء وتخالف بذلك كل المواثيق الدولية والمشاريع التي اعتمدها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 74 في عام 2020 وقدمتها دولة قطر والتي ركزت على الحماية و الكرامة والعيش و التعليم و احترام المدنيين والأهداف المدنية وعدم مهاجمة المعلمين والطلاب ومرافق التعليم.وقضت باعتبار يوم 9 سبتمبر من كل عام يوما عالميا لحماية التعليم من الهجمات وحث المجتمع الدولي على تخفيف المحنة التي يتعرض لها الطلاب المتضررون من النزاعات المسلحة، وأيضا الإقرار بأهمية ضمان التعليم الجيد على جميع المستويات، وضمان بيئات التعلم الآمنة في حالات الطوارئ والنزاعات المسلح.
* الكاتب خبير تربوي / مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا