خطر المبالغة بقوة المقاومة.

 حققت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة انتصارات وانجازات على الصعيد العسكري ،خلال عدة ساعات ،عجزت عن تحقيقه دول مجتمعة ومنفردة خلال عقود من الصراع المستمر،وفاق ما انجزته المقاومة حدود الخيال والوصف والمعجزات ،ولم ولن يصل اي نوع من الكائنات البشرية حدود شجاعتها وصمودها.
تفاجأ الجميع بهذا الانجاز على المستويات كافة،وتدفقت التحليلات والتوقعات والتفسيرات لما حصل في ذلك الصباح، يوم السابع من اكتوبر.
تركزت التحليلات حول العمل العسكري،لأن العمل كان عسكريا خالصا استهدف الفرقة العسكرية الاسرائيلية المكلفة بالتصدي لقطاع غزة وحصاره ومهاجمته ،والتي حملت اسم فرقة غزة،ولا علاقة للعملية بالمدنيين ولم تستهدفهم.
اخذت التحليلات العسكرية تأخذ طابع المقارنة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،وجيش الاحتلال الاسرائيلي ،من حيث القدرات العسكرية ،وقدرة المقاومة على الصمود والمواجهة ،وحجم الخسائر التي تلحقها بالعدو،والبنية التحتية اللوجستية للمقاومة وامكاناتها العسكرية وغير ذلك.
وقد ركبت تلك التحليلات موجة المبالغة،في قدرات المقاومة العسكرية ،والاستعدادات التي اتخذتها والانفاق التي تتحرك فيها تحت الارض،وانها اكبر شبكة انفاق في العالم ،ومقارنتها بأنفاق كوريا الشمالية،ونسي المحللون مدينة باخموت تحت باخموت الاوكرانية،ومدينة موسكو تحت مدينة موسكو الروسية،وغيرها الكثير من التحصينات العسكرية في العديد من الدول تحت الارض وفوق الارض.
لا يمكن لأحد ان يشكك بصمود وشجاعة وتضحية وشجاعة وايمان المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية،لكن المبالغة في وصف القدرات العسكرية للمقاومة ،يشكل خطورة على المقاومة نفسها وعلى الشعب الذي يحتضنها،فيما يوفر للعدو وحلفائه واعوانه ومؤيديه مساحة كبيرة،للتأثير على المقاومة والحاق الضرر بها وشعبها وارضها ،عسكريا وسياسيا وقانونيا ،ويمنح الحليف المتخاذل والشقيق الصامت ،والصديق الذي يدير الظهر للجرائم الاسرائيلية الامريكية ،المبرر والحجة لمواقفهم الضعيفة جدا،وفي ذات الوقت يعطي العدو وحلفائه الذرائع لمواصلة عدوانهم وزيادة حدة بطشهم ووحشيتهم وجرائمهم ضد المدنيين الفلسطينيين والبنى التحتية والمباني والمنشآت المدنية في قطاع غزة.
بتنا نلاحظ دوام المحللين العسكريين في استوديوهات بعض القنوات الفضائية،ينشغلون بقدرات المقاومة العسكرية ،التي لا تقارن ابدا بقدرات الكيان الهائلة والضخمة ،الذي تفتح له امريكا واوروبا مصانعها ومخازنها ومستودعاتها العسكرية ،وتزوده باحدث ما توصلت اليه تكنلوجيا الصناعات العسكرية في تلك الدول خلال ساعات معدودة،من هنا لا تجوز المقارنة ولا المبالغة،لأن كل ما يصدر عن المحللين العسكريين في الفضائيات العربية بخصوص قدرات المقاومة وبنيتها التحتية ،سوف يوضع على الطاولة في نهاية المطاف ،ويدخل ضمن الشروط التي سيحاول العدو وحلفائه ومؤيديه واعوانه فرضها على المقاومة،كما سيجد العدو في تلك المبالغة فرصة لتشديد عمليات القصف والقتل والتدمير بحجة ضرب القدرات العسكرية للمقاومة،واطالة امد الحرب.
المبالغة بامتلاك المقاومة قدرات عسكرية كبيرة،مؤذية بغض النظر عن مصدر المبالغة،فاذا كانت من الاصدقاء سوف يستغلها الاعداء،واذا كانت من الاعداء فهي مبرر لجرائمهم.
علينا ان لا ننسى ابدا، مبالغة امريكا واوروبا بقدرات العراق العسكرية 1990،عندما اتهموه بامتلاك برامج نووية واسلحة دمار شامل ،وكثيرون انجروا خلف تلك الدعايات الوهمية ،والنتيجة كانت كما تعرفونها.
لا يمكن للمقاومة الفلسطينية ان تواجه لوحدها الحرب العالمية التي تشن عليها الان بقيادة امريكية،ولا يمكن ان يستمر الصمت العربي والاسلامي والعالمي على قتل اسرائيل اربعمائة فلسطيني يوميا ،وعداد الشهداء والجرحى والنازحيم ما يزال سريعا جدا ،وجلهم من الاطفال والنساء وكبار السن من الرجال، انها حرب ابادة جماعية تهجيرية ،ممنهجة ومنظمة بتوافق امريكي اسرائيلي اوروبي.