انفاق غزة.. هكذا ستتغلب المقاومة على خطط الاحتلال



يعود تاريخ بناء الأنفاق تحت الأرض إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما قاوم الفيتناميون الشماليون الاستعمار الفرنسي، ومن ثم الأمريكي في أواسط القرن الماضي. كانت تلك الأنفاق التي بنيت في مدينة كوتشي شمال غرب سايغون، وصولا إلى حدود كمبوديا، تكتيكا ناجحا اشتهرت به المقاومة الفيتنامية ضد فرنسا وأمريكا.

فقد تمكن المقاومون الفيتناميون في أوائل الستينات الماضية، من بناء شبكة أنفاق وممرات وخنادق، تصل أطوالها إلى 200 ميل بوسائل حفر بدائية. وهذا العمل احتاج تنفيذه إلى الصبر والقدرة على التحمل. وقد اشتهرت قاعدة كوتشي عالميا، بعد فشل القيادة الأمريكية في محاولة مسحها عن وجه الأرض، وتحويلها إلى منطقة جرداء.

اعتمد الفيتناميون في نظام بناء الأنفاق العلوية، على ربط كل خمسة منازل في مجموعة واحدة، ليكون تحت كل قرية عادية قرية سرية مقاتلة تحت الأرض، تحتوي على مواقع وخنادق حلزونية تصلح للقتال دفاعا وهجوما. كما تحتوي على أماكن للنوم والطبخ والعلاج ومخازن للتموين، وبعضها يوفر أمكانية استقبال العشرات من سكان القرى العلوية، كبار السن والعاجزين والأطفال والنساء عند وقوع الاشتباكات والقصف الجوي.

ولمواجهة آثار القنابل الثقيلة وقاذفات القنابل B 52، بنيت الأنفاق على عمق 12 مترا تحت سطح الأرض، ولها مداخل ومنافذ وفتحات تهوية، ثم تمتد تحت مواقع ومراكز تابعة للقيادة الأمريكية أو السايغونية لتجنب عمليات القصف الجوي. ويراعى في أنظمة ومخططات وكذلك مداخل ومنافذ تلك الأنفاق بحيث تكوم مخفية، ويختلف كل واحد عن الآخر وكل منطقة عن الأخرى، لكي يصعب على العدو الاستفادة منها والسيطرة على غيرها.

اعتمدت قوات الفيتكونغ على استخدام تلك الأنفاق، لشن هجمات خاطفة على القوات الأمريكية، التي كانت تمر في المنطقة قريبا من الأنفاق، ونصبوا الأفخاخ والمصائد والألغام حولها. وفي محاولة للتغلب على هذه الأنفاق، حاول الأمريكان إنشاء فرق فيتنامية جنوبية يتميز أفرادها بصغر أجسامهم ليتمكنوا من الدخول إلى الأنفاق، أطلقوا عليها اسم " جرذان الأنفاق ".

عندما اكتشفت قيادة الفيتكونغ وجود وحدة متخصصة تتصدي للأنفاق، قامت بتغيير تكتيكاتها الدفاعية، ومارست ضدها أبشع أنواع حرب العصابات، وإغراق بعض أجزاء الأنفاق بالمياه والمصائد، والذي أدى بدوره إلى إصابة معظم أفرادها بالهلع، ورهبة الدخول إلى تلك الأنفاق.

ورغم اعتماد القوات الأمريكية القصف الجوي المكثف لإيقاع أكبر الخسائر في الفيتكونغ، إلاّ أن هذه الاستراتيجية منيت بالفشل. فمع بدء القصف لم يتردد الفيتناميون الشماليون في الاختباء داخل الأنفاق، التي تحولت في وقت لاحق إلى نوع من المدن تحت الأرض، احتوت بعد توسيعها إلى : غرف نوم، مطابخ، حمامات، قاعات للترفيه، ومستشفيات لعلاج الجرحى والمرضى.

حاولتْ القوات الأمريكية تدمير تلك الأنفاق وقتل عناصر الفيتكونغ، باللجوء إلى غمر الأنفاق بالمياه، أو استعمال الغاز والمواد الكيماوية. إلاّ أن كلا الأسلوبين فشلا بسبب طريقة بناء شبكة الأنفاق الطبقي، ووجود بوابات مُحكمة بين الممرات، ونظام التهوية المخفي، مما منع الماء والغاز من الوصول إلى الغرف والممرات في الطبقات الدنيا.

أما بالنسبة لأنفاق المقاومة الفلسطينية، فلا أعلم عنها إلا القليل، حتى وأن عرفت أنا أو غيري شيئا عنها، فمن المفضّل عدم البوح به حفاظا على سريتها، مع ثقتي بأن من خطط "لعملية طوفان الأقصى"، كان قد أخذ في اعتباره مختلف الاحتمالات التي يمكن مواجهتها، بما في ذلك استخدام كمامات الغاز داخل الأنفاق.

ومن الملاحظ أن العدو الإسرائيلي، يطبق في حربه على غزة، الأسلوب الأمريكي الإجرامي، في القصف الجوي المكثف على أهداف مدنية، في هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، والتسبب في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، خلافا لكل قوانين الحرب متبعا سياسة " الأرض المحروقة ".

ولا شك بأن العدو الإسرائيلي ومن يسانده من دول العالم ماديا وإعلاميا وتزويرا للحقائق، لم يستطع – والحمد لله - أن يصيب بنية المقاومين وإرادتهم بأي ضرر. وها هم أبطال المقاومة، بانتظار قواته المترددة والمهزومة نفسيا ومعنويا، لمواجهتها بحرب برية، توقهم في محرقة غزة الصامدة.

وختاما أقول أن نصر المقاومة على العدو قادم بإذن الله، حتى لو خذلهم الأقربون، إيمانا بقوله تعالى: ( إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ). صدق الله العظيم.

رحم الله الشهداء . . والشفاء للجرحى والمصابين.

التاريخ : 26 / 10 / 2023