لا تستهينوا بالمقاطعة الاقتصادية

تاريخيا، كانت المقاطعة الاقتصادية أداة مؤثرة في سياق النضالات السلمية التي تمارسها الشعوب والمجتمعات الخاضعة للظلم والاستعمار والاحتلال ضد القوى الاستعمارية. وبينما كانت الدول تتصارع مع السيطرة الأجنبية، برزت المقاطعة وسيلة لممارسة الضغط على هذه القوى وعزلها من أجل وقف الظلم وإنهاء الاستعمار والاحتلال.

المقاطعة الاقتصادية ليست ظاهرة جديدة، وتضرب جذورها العميقة في التاريخ الحديث؛ حيث أظهرت فاعليتها في الهند ضد الاستعمار البريطاني من خلال مقاطعة البضائع البريطانية لصالح البضائع المحلية. وبالمثل، رفض الشعب الليبي الواقع تحت نير الاستعمار الإيطالي البضائع الإيطالية المستوردة والعملة الإيطالية المفروضة عليه. كذلك تحدى الجزائريون الاستعمار الفرنسي من خلال تفضيل استخدام المنتجات المحلية على الفرنسية. وخلال العقود الأولى من القرن الماضي، قاطع الفلسطينيون المستوطنات والمؤسسات والشركات التي أسسها المستوطنون الصهاينة من خلال رفض التعامل معها بأي شكل.

أصبحت آثار المقاطعة الاقتصادية على إسرائيل واضحة خلال العقود القليلة الماضية. وقد عملت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، منذ إنشائها العام 2005، على إدارة هذه الجهود. ووفقا لبعض التقارير الصادرة حديثا عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أدت أنشطة حركة المقاطعة هذه إلى انخفاض بنسبة 46 بالمائة في الاستثمار الأجنبي المباشر في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتضغط على الناتج المحلي الإجمالي بما يقارب 3 بالمائة حسب بعض التقديرات. وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد الشركات العالمية التي تعيد النظر في استثماراتها في دولة الاحتلال. واعترفت دولة الاحتلال بخطورة حملات المقاطعة التي يتعرض لها اقتصادها، وصرح مسؤولوها أن المقاطعة الاقتصادية تعد أكبر خطر يهدد اقتصاد دولتهم. لذلك، تم تخصيص مئات الملايين من الدولارات للتصدي لحملات المقاطعة هذه، وبخاصة عندما شملت جهود المقاطعة الشركات الأجنبية التي تتعامل مع دولة الاحتلال.
ومع ذلك، للحصول على تأثير أكثر عمقا، فمن الضروري توسيع النطاق. وينبغي مقاطعة شركات الدول التي تؤيد دولة الاحتلال الإسرائيلي وسياساتها العدوانية قدر الإمكان، فهذه المقاطعة متعددة الجوانب، تزيد من الضغوط وتعزز المطالبة بإنهاء الاحتلال، وتقرب تحقيق العدالة.
تتضاعف قوة المقاطعة من خلال حجم المشاركة فيها؛ إذ إن الموقف الجماعي يمكن أن يكون مؤثرا جدا، وبخاصة مع وفرة البدائل في السوق العالمية، حالات قليلة هي التي لا يوجد فيها بدائل للسلع التي تنتجها شركات منحازة لدولة الاحتلال.
يثير توسيع دائرة المقاطعة المخاوف المتعلقة بالأضرار التي يمكن أن تلحق باقتصاداتها، وبالعاملين في هذه الشركات. ومع ذلك، فإن ديناميكية السوق العالمية تسهم في إيجاد حلول للتحديات التي تنشأ عن ذلك، فإن الأسواق ستدفع باتجاه ظهور شركات ومؤسسات بديلة، ما يضمن بقاء فرص العمل في حال تغير مستمر، ولن تؤدي الى اختفاء الوظائف.
مقاومة الاحتلال بأدوات يمكن وصفها بـ"أضعف الإيمان" ولكن تأثيرها قوي، لو طبقت بشكل ممنهج ومستمر ودقيق، تسهم في تقليص عمر الظلم وتقرب من تحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال.
تطبيق المقاطعة بشكل ممنهج ودقيق يدعونا إلى التحقق من صحة المعلومات المتعلقة بالشركات التي تتعامل مع دولة الاحتلال، والحصول على المعلومات من المؤسسات المتخصصة بالموضوع، وعدم الالتفات إلى المعلومات العشوائية التي تضعف الجهود بهذا الاتجاه، لأن من شروط نجاح المقاطعة وفاعليتها "دقتها وإمكانية تطبيقها".
قوة المقاطعة الاقتصادية كبيرة جدا، وهي ليست مجرد لفتة رمزية، وإنما هي أداة ملموسة قادرة على إحداث التغيير، وهي واجب وطني وواجب سياسي وواجب أخلاقي.