مقاطعتان تضربان العدو الصهيوني وحلفائه الغربيين في مقتل

 

العدو يضربنا في أكثر شيء يؤلمنا: الإنسان!

أحبتنا، أهلنا، إخوتنا، الكهول، الشباب، الأطفال، حتى الخدّج في الحضّانات!

والردّ المنطقي والمنصف أن نضربه في أكثر شيء يؤلمه، وهو لا يؤلمه البشر، ولا يمانع إذا استدعى الأمر أن تُراق الدماء وتُبعثر الأشلاء، دماء وأشلاء شعبه قبل الآخرين!

أكبر شيء يؤلم هذا العدو هو النقود، الاستثمارات، "البزنس"، المصالح التجارية، الذهب والفضة، النفط والغاز، الأسهم والسندات، سعر الصرف وسعر الفائدة!

النقود هي دينه ومعتقده وعبادته، النقود هي غايته ومراده من الحياة، النقود هي بالنسبة إليه مصدر قوته وسلطته وتحكّمه بالآخرين!

لذا لا تستهينوا بالمقاطعة، فالمقاطعة تضربه في مقتل، هو ووكلائه والمتقممين على موائده والطامحين بفتاته!

ولكن المقاطعة ليست مجرد استبدال سلعة معيّنة بسلعة أخرى، أو ماركة معينة بماركة أخرى.. وما قد يصاحب ذلك أحيانا من جدالات سمجة وسخيفة حول توفّر البدائل من عدمه، أو حول جودة بديل ما قياسا بالسلعة أو الماركة "الأصلية"!

هذا فقط المستوى الأول والسطحي من المقاطعة.

ولكن المستوى الثاني والأعمق هو مقاطعة نمط الحياة الاستهلاكي الذي يأتي التعلّق بهذه السلع والماركات تجسيدا له وتأكيدا عليه (كلمة سلعة تشير إلى مُنتَج أو خدمة).

هذا هو مكمن الخطر، "نمط الحياة"، وهذا أكثر ما يُذلّ الناس ويستعبدهم هذه الأيام، ويجعلهم يهدرون حياتهم في لهاث محموم!

يستعبدهم منذ لحظة الولادة حتى الممات..

يستعبدهم في محاولتهم مواكبته أولا..

ويستعبدهم في محاولتهم الحفاظ عليه ثانيا..

ويستعبدهم في محاولتهم تحصيل المزيد من مغرياته ووعوده التي لا تنتهي ثالثا!

وفي ظل نمط الحياة الاستهلاكي يغدو كلّ شيء "أساسيا" و"ضروريا" ولا يمكن الاستغناء عنه، ويستحق من الشخص أن يهدر نقوده من أجله، وأن يستدين ويقترض من أجله، وأن يرضى بشروط عمل مجحفة أو ظروف عمل قاسية من أجله، وأن يلجأ للفهلوة والشطارة والتدليس والغش من أجله، وأن يفني عمره كلّه من أجله!

تخيّلوا لو أنّ أبطال المقاومة الذين نريد أن نقاطع من أجلهم كان أكبر همهم في الحياة موبايل وبلاي ستيشن وملابس وأحذية وعطور ونظارات وساعات وإكسسوارات ومكياجات وسيارات ودراجات وشقة وبيت ومزرعة وأطيان ومطاعم ورحلات وطشّات وشمّات هوا وسفرات.. هل كان سيكون هناك شيء اسمه مقاومة أساسا؟!

ينبّه الدكتور عبد الوهاب المسيري من أن "المنتجات الحضارية" التي من ضمنها السلع والماركات وأنماط الاستهلاك ليست بريئة ولا محايدة، بل هي تختزل في طياتها رؤية الحضارة التي أنتجتها للإنسان والكون والحياة.

والرؤية المادية البحتة للكون والحياة التي ينضوي عليها نمط الحياة الاستهلاكي الذي استوردناه من الغرب.. هي نفسها الرؤية المادية التي تجعل البعض يستمرؤون الخيانة والتواطؤ أملا بتحقيق مكتسبات مادية.. وهي نفسها الرؤية المادية التي تجعل العدو ينظر إلى شعب كامل باعتباره "حيوانات بشرية" يجوز قتلها بكون البشر أولا وأخيرا هم "مادة استعمالية"!

حتى لا نذهب بعيدا في التنظير، نعم، يجب علينا أن نستمر في مقاطعة السلع والماركات التي أعلنت دعمها للكيان الصهيوني، ونقاطع السلع الغربية عموما لصالح السلع الوطنية والشقيقة.

هذا هو المستوى الأول للمقاطعة، ولكن علينا أيضا أن نحاول قدر الإمكان مقاطعة نمط الحياة الاستهلاكي، وأبرز ملامح هذا النمط في ضوء واقعنا الحالي هي: الاقتراض من البنوك لاقتناء شقق وسيارات، القروض الشخصية والبطاقات الإئتمانية، الدفع الإلكتروني، التسوّق الإلكتروني، التطبيقات، ثقافة الوجبات السريعة والدلفري، مظاهر الاحتفال المفرطة، طقوس قضاء وقت الفراغ، التسوّق كتسلية والمولات كأماكن للترفيه.

أكبر عامل ضغط يمكن أن يواجهه الأهالي في معرض محاولتهم الحدّ من نمط الحياة الاستهلاكي هو الأطفال، فكل شيء حول الأطفال واليافعين، وسيل الإعلانات الذي يتعرضون له يوميا، يغريهم بالإستهلاك والمزيد من الاستهلاك، يعزز من ذلك عدم رغبة الكثير من الأهالي بمكابدة "وجع الراس" وتحمّل عبء "التربية".

أكلَ.. شربَ.. نامَ.. الطفلُ، هذه اسمها "الرعاية". أمّا "التربية" فهي أن تبني شخصيته وتغرس فيه القيم والمبادئ والأفكار.

تحدّثوا لأبنائكم، قولوا لهم لن نشتري الغرض الفلاني بعد الآن من أجل إخواننا في فلسطين، لن نمارس النشاط الفلاني بعد الآن من أجل إخواننا في فلسطين، سنتبرع بالمبلغ الفلاني بدلا من إنفاقه أو إدّخاره من أجل إخواننا في فلسطين.. وسيفهمون، وإذا لم يفهموا الآن سيفهمون عندما يكبرون، وستندهشون عندها من حجم الوعي الذي زرعتموه داخلهم وأنتم لا تشعرون!

عامل الضغط الثاني ضد المقاطعة هو الغيرة والتحاسد والتنافس المَرَضي، وهذا للأسف نجده أكثر ما نجده بين الأهل والأقارب والأسر والعائلات والسلفات وبنات الإحمى والصهورة والعدايل.. الخ.

وعامل الضغط الثالث هو "ضغط الأقران"، وهذا نجده أكثر ما نجده بين مراهقي المدارس وشباب الجامعات، حيث مكانة الفرد و"برستيجه" وجاذبيته تتحدد بفعل الخواء الفكري الحاصل والنمط الاستهلاكي السائد بمقدار مواكبته للموضة، وما يحوزه من مقتنيات، وبقدرته الشرائية، وبقدرته على الصرف والاستهلاك!

نعم سلاح المقاطعة أساسي وخطير ومؤثّر، ولكنّه صعب ويحتاج إلى وعي وصبر وجَلَد ومثابرة و"جهاد للنفس" شأنه شأن أي فعل يندرج تحت "أفعال المقاومة"!