عبوات القسام الناسفة.. كابوس الاحتلال الذي قتل 11 من جنوده
في تصريح صدر يوم 31 أكتوبر/ تشرين الأول عبر تطبيق تلغرام عن الناطق العسكري باسم كتائب القسام (أبو عبيدة)، جاء أن المقاومة تمكنت من تدمير 22 آلية عسكرية حتى الآن، بقذائف الياسين من عيار 105 شديدة التفجير والمضادة للدروع، وعبوات العمل الفدائي المدمرة من خلال الالتحام مع آليات العدو عند المسافة صفر وتفجيرها بوضع العبوات عليها. وفي هذ السياق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى عن وفاة 11 من جنوده في المعركة البرية الدائرة حاليا.
العبوات الناسفة(1) أو "الأجهزة المتفجرة المرتجلة" (IED) هي قنابل محلية الصنع تحتوي على مكونات عسكرية وغير عسكرية، تُستخدم هذه العبوات عادة من قِبَل القوات العسكرية غير النظامية، وتُعد فعالة للغاية ضد قوة عسكرية تقليدية، قد تُستخدم في الكمائن على جانب الطريق بحيث تعترض القوات المهاجمة أو خطوط إمدادها، ويكون تركيبها في المداخل أو المباني لضرب فرق الجنود، أو قد يكون تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها.
وبغض النظر عن مدى تعقيد الجهاز، فإنه يتكون من خمسة أجزاء تتموضع بشكل مختلف في النسخ المختلفة للعبوات الناسفة: مصدر طاقة، ومفتاح تشغيل، وبادئ تفجير، وشحنة رئيسية متفجرة، وحاوية، والأخيرة عادة ما تحتوي على مجموعة من المقذوفات مثل الكرات أو المسامير، التي تنتج شظايا قاتلة عند التفجير.
أما الشحنة المتفجرة نفسها، فيمكن الحصول عليها من أي مكون عسكري، بما في ذلك المدفعية أو قذائف الهاون أو القنابل الجوية أو أنواع معينة من الأسمدة المحلية مع مادة "تي إن تي" المتفجرة، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك فهي مرنة وسهلة التصنيع بالنسبة للمقاومة، كما أن هناك طرقا لا حصر له لبنائها، ويمكن تطويعها لأي غرض بحسب المهمة، فتتمكن من اختراق الدروع وهدم المباني وضرب الجنود إن كانوا في فرق حرة.
وإلى جانب ذلك، تُظهِر العبوات الناسفة درجة كبيرة من التباين(2) في طريقة التفجير، فإما أن تكون عبوة ناسفة بدائية الصنع ويكون تفعيلها بواسطة مفتاح ضغط لتشبه اللغم الأرضي، أو قد يكون المشغل معقدا للغاية، فيعمل عن طريق إشارة الترددات الراديوية التي يتم توقيتها وإطلاقها بواسطة فرد يراقب الهدف، أو ربما يقوم أحد الأفراد بإلصاقها على المدرعة أو الدبابة مباشرة، كما حدث في حالة المقاومة الفلسطينية.
خلال محاولات الاحتلال الإسرائيلي التوغل بريا في قطاع غزة عام 2014، نظمت حماس ساحة المعركة الدفاعية بدقة، فقامت بنشر العبوات الناسفة وتحويل المناطق المدنية إلى مناطق دفاعية، فجرّت جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى "كمائن" معدة مسبقا، ورغم أن عدد قتلى جنود الاحتلال آنذاك لم يكن كبيرا، فإن هذا التكتيك أبطأ تقدم قوات الاحتلال، وفي النهاية اضطرت للتراجع إلى الخلف.
لكن ما تحدث عنه أبو عبيدة هو إضافة جديدة لنطاق العبوات الناسفة التي تقوم المقاومة بتصنيعها وقد دخلت إلى الخدمة بحسب تصريحه في عملية "طوفان الأقصى"، وهي العبوات النافذة(3) أو العبوات الناسفة الخارقة للدروع (Explosively formed penetrator)، وهي صورة أكثر تعقيدا وتركيبا من العبوات الناسفة تمثل تطورا هاما في هذا النطاق.
عادة ما يكون غطاء هذه العبوة المعدني مقعرا ويتكون من الفولاذ أو النحاس، يؤدي هذا التقعر فيزيائيا إلى تركيز طاقة الانفجار في اتجاه معين دقيق يخلق تيارا من المعدن المنصهر الذي يمكنه أن يخترق الدروع بسرعة تصل إلى آلاف الأمتار في الثانية الواحدة، الأمر الذي يساعد في اختراق أقوى الدروع في العالم حاليا، وفي العراق مثلا أثناء غزو قوات التحالف، تمكنت هذه العبوات الناسفة من اختراق المركبات المدرعة الثقيلة ودبابات أبرامز، التي تُعد دبابات القتال الرئيسية في جيش الولايات المتحدة.
في الواقع، اختراع مفهوم العبوات الناسفة الخارقة للدروع كان عام 1910 في ألمانيا، ولكن الأمر تطلب قرنا كاملا حتى نصل إلى غزو قوات التحالف في عام 2003 للعراق، حيث كان استخدام العبوات الناسفة بمنزلة مفاجأة خطيرة لهذه القوات، بل مَثَّل بحسب بعض الباحثين في هذا النطاق(4) "السلاح الأكثر فعالية ضد القوات النظامية" في العراق، الأمر الذي جعل العبوات الناسفة عموما (والعبوات النافذة خصوصا) جزءا رئيسيا من شكل الحرب المعاصرة.
القوات التي واجهت التحالف في العراق تفاجأت هي الأخرى بمدى فاعلية تلك العبوات، فعملت على تحسينها لتصبح عملية التشظي أسهل، وتكون العبوات أكثر مقاومة للتدهور البيئي مما يوفر لها فترة صلاحية طويلة، إلى جانب ذلك فقد صمموا عددا من الطرق الذكية لإخفاء المتفجرات من أجل استخدامها ضد القوات المهاجمة.
لكن الأهم من ذلك كان أن تلك الفاعلية تسببت في بناء منظومة عسكرية تتمحور حول العبوات الناسفة، فتحول استخدامها من عمليات عشوائية إلى تنظيم شبه عسكري يتكون من مدير للعمليات وفريق تخطيط وفريق تنفيذ مختص فقط بالعبوات الناسفة، بل وصدرت كتيبات إرشادية حول كيفية تنفيذ الكمائن على جانب الطريق باستخدام العبوات الناسفة، وكيفية تصنيع العبوات الناسفة من المتفجرات التقليدية شديدة الانفجار والذخائر العسكرية، وكيفية القضاء على القوافل المهاجمة بالكامل. (5)
أدى ذلك إلى تنوع استخدامات تلك العبوات بحسب الوظيفة، فظهرت عبوات ناسفة مخصصة للأفراد تمتلك تصميما وآلية عمل وشحنة متفجرة تختلف عن العبوات الناسفة المخصصة للمباني، وتلك المخصصة للمدرعات، والمخصصة للطائرات، والمخصصة لخلق عوائق أمام القوات المتقدمة التي تُستخدم مرحلة أولى قبل تشغيل عبوات ناسفة أخرى على الطريق لتدمير القوات كلها، إلخ.
أدى كل ما سبق إلى زيادة استخدام العبوات الناسفة بشكل كبير، حيث استُخدمت في أكثر من 100 هجوم شهريا بحلول نهاية عام 2003، وبحلول أبريل/نيسان 2005 ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 1000 هجوم، وارتفع الرقم إلى أكثر من 2500 هجوم بالعبوات الناسفة بدءا من صيف عام 2006، وبحلول نهاية عام 2007، كانت العبوات الناسفة مسؤولة عن نحو 63% من وفيات قوات التحالف في العراق (وتسببت في أكثر من 66% من وفيات قوات التحالف في حرب أفغانستان).
في تقرير سابق بعنوان "قوة الياسين الجديدة.. كيف قصمت ظهر المدرعات والدبابات الإسرائيلية؟"، تحدثنا بدرجة من التفصيل عن آلية مواجهة المقاومة للانتشار البري للمدرعات والدبابات الإسرائيلية من خلال الأسلحة المضادة للدبابات، لكن ما قاله أبو عبيدة يوضح أن العبوات الناسفة إلى جانب قذائف الياسين ساهمت مساهمة فعالة في الانتصار الذي تحقق في المعارك الأولى التي جرت بين 29 و31 أكتوبر/تشرين الأول.
في عملية 2014، نشرت حماس بذكاء آلاف المقاتلين في صورة فرق هجومية صغيرة نسبيا مدججة بالسلاح؛ وبحسب مصادر إسرائيلية(6) فقد كان مقاتلو المقاومة أكثر فعالية وشراسة مما كانوا عليه في الصراعات السابقة، حيث فاجأوا القوات الإسرائيلية وقاموا بتنسيق إطلاق النار، وأوقعوا إصابات حتى في أفضل تشكيلات المشاة والمدرعات الإسرائيلية.
ومع ما يظهر لنا من تطور في قدرات المقاومة، وخاصة بعد النجاح العملياتي والاستخباراتي في عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/تشرين الأول، وانضمام أسلحة جديدة إلى قوات المقاومة، مثل قذائف الياسين والعبوات الناسفة الأحدث (ولم نتحدث بعد عن المسيرات والصواريخ الجديدة)، فإن ذلك يعني أن المقاومة قد تتمكن في هذه المعركة الجديدة من توقيع قدر أكبر -وبفارق كبير- من الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية المهاجمة.
المصدر : الجزيرة