الأردن يستطيع إذا ما أراد.. وليس مقبولا التوقف عند الموقف المتقدم الاول


كتب د. رامي عياصرة -

ثمة حالة غليان غير مسبوقة في الشارع الاردني تجاه جرائم الاحتلال الاسرائيلي في غزة وممارساته غير الانسانية بالذات تجاه المدنيين والآمنين من الاطفال والنساء والكبار والصغار.

وهذا في تقديري شئ طبيعي وتحرك عفوي يتناسب وطبيعة الأردنيين لأن الأردن توأم فلسطين، وعمان نبض القدس ، والاردني والفلسطيني هم اخوة المسار والمصير .

ولدور الاردن التاريخي تجاه القضية الفلسطينية يتساءل الجميع عن المطلوب من الرسمي الاردني تجاه ما يجري ، وهل الموقف الرسمي المتقدم قياساً بالمحيط العربي مقبول ويكتفى به ؟

أم أن الأردن عليه واجب أكبر ويستطيع أكثر مما قدم على قيمته وأهميته ؟

باعتقادي أن ما قدمه الملك من مضمون في خطابه في قمة القاهرة من رفض قاطع لمبدأ تهجير الفلسطينيين ومخالفة الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الانساني وما يرتكبه من جرائم حرب وعقاب جماعي وقتل ممنهج للمدنيين وحصار مطبق على اهل غزة لهو المطلوب اولا وقبل كل شئ حيال الازمة وتصاعدها والتي من الواضح أنها ستطول، وكذلك جولته الاوروبية في بداية الازمة وفي دول المنطقة، واخيرا استدعاء سفير الاردن من دولة الاحتلال ومنع سفير الكيان من العودة. وكذلك التحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية الصفدي في جلسة مجلس الأمن الاخيرة ونقده الحاد للممارسات الاسرائيلية، واستصدار قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة الداعي الى وقف اطلاق النار.

ولكن على أرض الواقع لم يتغير شئ، يستمر الحصار الشامل والعقاب الجماعي والتهجير القسري مع تصاعد القصف واتساع نطاقه ليشمل المستشفيات والمساجد والكنائس والبيوت الآمنة، وارتكاب أفضع المجازر التي تحصد المئات دفعة واحدة، بمعنى ان شيئا على ارض الواقع لم يتغير.

اذن ما المطلوب اردنياً للبناء على المواقف السابقة ؟ وهل يستطيع الاردن فعل شئ حقيقي على الأرض والتأثير في مجريات الاحداث ؟

في تقديري نعم، الأردن قادر ويستطيع، لكثيرٍ من الاعتبارات الجيوسياسية وقدرته على الحديث مع الامريكيين بالذات الذين دخلوا شركاء مع الاسرائيليين كطرف في المعركة ، فهم من يدير غرف العمليات والقرار على المستويين السياسي والعسكري، وبالتالي فان الأردن المتضرر من استمرار الحرب وطول أمدها وخاصة اذا ما توسعت لتشمل الإقليم ودخول ايران من خلال اذرعها وحزب الله في مسرح العمليات العسكرية.

الأردن يمتلك معاهدة وادي عربة يستطيع من خلالها الضغط على الجانب الاسرائيلي لفتح جسر جوي وايصال المساعدات الإنسانية الى القطاع المنكوب ومن جهة الضفة الغربية وليس من رفح المصرية.

هناك اتفاقات ماء وكهرباء وطاقة تبين بالواقع العملي أنها باتت اوراق ضغط تهدد الأردن اذا رفض الفرضية الاسرائيلية في تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية الى الاردن لتحقيق الرؤية الاسرائيلي التي كشفتها هذه المعركة بوضوح.

الاردن له علاقات واتفاقات وتحالف مع الولايات المتحدة صاحبة الكلمة العليا في المشهد واعتقد جازما انها - أي الولايات المتحدة- اليوم هي صاحبة القرار في استمرار الحرب او ايقافها وليس الاسرائيليون وحدهم .

معنى ذلك أن الأردن يستطيع ، وليس من المقبول التوقف عند الموقف الاول الذي وبشهادة الجميع كان موقفا متقدما على المحيط العربي.

فقدر الأردن أن يرتبط ارتباطا وثيقا بقضية فلسطين ولا يستطيع أن يتعامل معها كأي طرف عربي آخر اذا أراد.

ثم بعد أن تنجلي غبار المعركة يتوجب على عقل الدولة اعادة التفكير بالمشهد الاقليمي ومجريات الأحداث ، والإعداد لنهج جديد في التعاطي مع قادمات الأيام على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى رأسها كيفية التعامل مع هذا الكيان المحتل.