الحصار العربي على غزة اشد فتكا وايلاما
بعد حوالي شهر تجد أنّ السلاح الأقوى لدى الكيان الصهيوني على الأرض ليس منظومته السياسية المتناحرة، ولا جيشه المهزوز، ولا مقاتليه المرعوبين، ولا أسلحته وتكتيكاته التي يتم تطويرها وفق ثيمة الجبن والخوف من المواجهة، ولا الدعم الأمريكي والغربي غير المحدود في التغطية على جرائم الكيان قبل رفده بالمال والعتاد..
السلاح الصهيوني الوحيد الفعّال على أرض المعركة حاليا هو "إصرار" الدول العربية على إحكام الحصار الذي أعلنه الكيان الصهيوني على غزّة وأهلها حتى آخر رمق!
مع تطاول الوقت ينسى الناس مثل هذه المواقف الأولى والمفاصل الرئيسية التي ساهمت في تحديد شكل ورسم مسار كلّ ما حدث ويحدث تاليا!
الدول العربية تؤكّد كلّ يوم رفضها خروج أهل غزة من أرضهم، ولكن مواقفها لغاية الآن لم تؤدِ إلاّ إلى مزيد من استنزاف غزة وأهلها بحيث لا يبقى أمامهم خيار سوى الخروج، أو الاحتلال، أو الخروج والاحتلال معا!
الذي يريد لشعب معيّن أن يبقى في أرضه يمدّه بأبسط مقوّمات البقاء والاستمرار وفق متطلبات نمط الحياة والمعيشة الحالي: ماء، كهرباء، وقود، اتصالات.. لا "الميكروكروم" والأكفان!
أحد لم يراهن على قيام الدول العربية بتحريك جيوشها من أجل غزّة، ولا حتى التلويح بذلك من باب السياسة والدهاء وذرّ الرماد في العيون، هم يمكن أن أن يحاربوا بعضهم البعض فقط.. ولكن على الأقل عندما تريد أن تنصر أحدا بالدبلوماسية وجهود الإغاثة فقدّر أنّك تغيث شعبا وأرضا يتعرضان لإبادة ممنهجة وليس ضحايا حادث سير أو مشاجرة جماعية!
كلّ يوم على مدار شهر تقريبا كانت تلوح أمام الدول العربية فرصة لتراجع حساباتها وتتدارك مواقفها ولو بالحدّ الأدنى، وكلّ يوم كانت الدول العربية تُثبت كم أنّها قد "أُشربت في قلوبها" إسرائيل وأميركا!
يقول "مريد برغوثي" في قصيدته "طال الشتات":
وطلبنا جرعة الماء فقالوا... نحن شئنا لكن الماء أبى
وطلبنا الخبز قالوا قد عجنّا... وغفلنا فنسينا الحطبا
وطلبنا في انقطاع الضوء شمعا... نصحونا أن نضيء الكهربا
وطلبنا سيفهم قالوا اعذرونا... كلّ سيف بين أيدينا نبا!
ويقول في موضع آخر من نفس القصيدة:
أغاثوه بمرثية وندب... وبئست تلك من غوث وذاكا
ودمع الحاكمين له لغات... وأفصحها يريد لنا الهلاكا
(إذا اشتبهت دموع في خدود... تبيّن مَن بكى ممّن تباكى)!
استحضار هذه الأبيات ليس من قبيل "اجترار المراثي" أو إضفاء مسحة أدبية وعاطفية على النص.
هذه القصيدة الطويلة، أو "الملحمية" إذا جاز التعبير، كتبها "مريد" أواخر 82/ أوائل 83..
لاحظ التواريخ مرّة أخرى: أواخر 82/ أوائل 83..
مدهش كيف أنّه بعد حوالي 40 سنة ما يزال السيناريو متشابها، وما تزال ثيمة "الحصار" و"الطوق" حاضرة، وما تزال هذه الأبيات صالحة لوصف الواقع!
ومدهش كيف أنّه بعد حوالي 40 سنة ما يزال مسار ومآل الصراع والشتات "مفتوحا" كما ترك "مريد" قصيدته مفتوحة بلا خاتمة:
وطني حصارك لم يزل في أوجه... والطوق حولك كامل لم ينكسر
ما أكثر الأمراء حولك إنّما... مرني أطعك وليس غيرك من أمر
لا تنقذُ الموؤدةَ الكفُّ التي... ما أتقنت شيئا سوى حفر الحفر
والله إنّ حجارة الأطفال في... بلدي لتخجل من قصورهم الحجر
سأصيح صيحة مَن يعاند موته... لا بُدّ من بلدي وإنْ .............!
هل يُملأ فراغ الأبيات حتى يرتاح "مريد" وجميع الذين ماتوا ورحلوا واستشهدوا في قبورهم؟