اذا كان تهجير الغزيين بمثابة "اعلان حرب".. فالاولى ان يكون قصفهم وتجويعهم كذلك ايضا
إذا كان قيام الكيان الصهيوني بتهجير أهالي غزة هو "خط أحمر" يمثّل للدول العربية المعنيّة "إعلان حرب"، فمن باب أولى أن يكون قصف وقتل وإبادة أهالي غزة، كلّ غزةّ، بشمالها وجنوبها، هو أيضا "خط أحمر" و"إعلان حرب".. وأن يكون تجويع وتعطيش أهالي غزة، كلّ غزّة، هو أيضا "خط أحمر" و"إعلان حرب"..
لماذا؟
لأنّ القتل والتنكيل والتجويع والتعطيش مؤداها "الطبيعي" ونتيجتها "المنطقية" على أرض الواقع هو "التهجير"، فهناك قاعدة شرعية تقول: "ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب". وهذه قاعدة تُدرّس في كليات الشريعة ولأئمة وزارات الأوقاف حتى لا يُقال فكر سلفي أو متطرّف.
وعليه، إذا كانت الحيلولة دون تهجير أهالي غزة، كلّ غزة، من أماكنهم ومناطقهم هي "الواجب"، فإنّ وقف القتل والدمار الذي يهدف إلى دفع الناس للنزوح والتهجير هو "واجب" أيضا، وبالمثل وقف التجويع والتعطيش المُمنهجين.
ولكن واجب على مَن؟
منذ بداية حرب الإبادة والتطهير العرقي تواطأ الجميع على خرافة "المجتمع الدولي"!
نطالب المجتمع الدولي..
نناشد المجتمع الدولي..
يجب على المجتمع الدولي..
مَن هو هذا المجتمع الدولي؟!
للحظات يتبادر للمرء أنّ هذا المجتمع الدولي هو شخص حقيقي، أطفأ منبهه وهاتفه، و"راحت عليه نومة"، وتريد أن تسأل عن عنوانه حتى تذهب إليه، وتدق عليه بابه حتى يستيقظ من سباته العميق!
أليست الدول التي تناشد وتطالب المجتمع الدولي هي نفسها جزء من هذا المجتمع الدولي؟
أم أنّ المقصود بالمجتمع الدولي هو منظومة الدول ذات "السيادة" التي تشكّل خريطة العالم السياسية، وتنضوي تحت مظلة ما تسمّى "الشرعية الدولية" ممثّلة بميثاق الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية المنبثقة عنها؟
جزء من المشكلة اختلال موازين القوى ضمن هذه المنظومة، والانحياز والدعم الكامل لبعض قواها الوازنة لصالح طرف دون طرف آخر، حيث إرادة (120) دولة مستقلة ذات سيادة من جميع قارات العالم تريد وقف الحرب والقتل والإبادة فورا، لا تكافئ "فيتو" أمريكي صغير يسمح باستمرار القتل، ويعطي الكيان الصهيوني ضوءا أخضر للاستمرار في مجازره وإبادته الجماعية دون حسيب أو رقيب.
ثمّ هناك مشكلة في طريقة مخاطبة المجتمع الدولي أساسا!
هناك فرق بين أن تذهب للمجتمع الدولي بكلام إنشائي معوّم مثل المطالبة بوقف الحرب ووقف قتل المدنيين، وعندها سيكون الرد ببساطة: ونحن نطالب بذلك أيضا.
حتى "إسرائيل" و"أميركا" وحلفائهما على مستوى "الخطاب" وعلى مستوى "الإنشاء" يطالبون بالمثل.
وبين أن تذهب للمجتمع الدولي بخطوات عملية واضحة محددة قابلة للتطبيق ومُلزمة ولا تفسح مجالا للتهرّب أو التملّص..
مثلا أن تعلن مصر تسيير قافلة ضخمة لإدخال الوقود والمساعدات الطبية والإغاثية إلى جميع مستشفيات غزة ومخابزها وسائر المرافق الحيوية التي تأوي وتخدم سكّانها، بحيث يرافق هذه القافلة ممثلو الوكالات الأممية المعنية، و"الصليب الأحمر"، وسفراء ومندوبو الدول التي تؤيد مثل هذا القرار، وناشطو وأحرار العالم منظمات وأفراد.. وعندها فإنّ أي اعتراض أو عدوان على هذه القافلة هو بمثابة عدوان على الشرعية الدولية وعلى كلّ دولة وجهة من الدول والجهات المشاركة.
وبالمثل، أن يعلن الأردن عن إنشاء "جسر جوّي" لإنزال المساعدات الطبية والمواد الإغاثية لأهالي غزة على غرار ما فعل في حالة "المستشفى الميداني الأردني"، وبحيث يكون على متن طائرات هذا الجسر الجوي ممثلو الوكالات الأممية والصليب الأحمر وسفراء ومندوبو الدول المؤيدة والداعمة.
مرّة أخرى، إذا كان التهجير "خط أحمر"، فإنّ كلّ ما يؤدي للتهجير ويدفع نحوه هو "خط أحمر" أيضا.
ثمّ ما الفائدة من الانتظار لأن يصبح النزوح والتهجير حقيقة ماثلة على أرض الواقع؟
حتى لو تم إعلان الحرب وقتها ما الفائدة؟
مَن خرج لن يعود ولن يُسمح له بالعودة، وأولا وأخيرا سيتم التدخّل لوقف القتال وإعلان الهدنة كما حدث في الـ 48 والـ 67، وسيتم الاحتكام مرّة أخرى للقانون الدولي والشرعية الدولية، والقانون الدولي والشرعية الدولية لا يعترفان إلا بسياسة "الأمر الواقع"، وينطلقان من النقطة التي وصل إليها الصراع على الأرض وليس أي نقطة سابقة.
وعندها سنجد أنفسنا مرة أخرى أمام قرارات أممية غير مُلزمة تعطي شىرعية ضمنية للاحتلال، وفي نفس الوقت منسية في الأدراج أو موضوعة على الأرفف ليعلوها الغبار مثل قرار (242) وقائمة القرارات الطويلة التي تسبقه وتليه.
حتى يكون الخط الأحمر أحمر فعلا، يجب أن يكون مصحوبا بشيء من "العين الحمراء"، وإلاّ فإنّ الحمرة الوحيدة التي ستكون ماثلة على الواقع هي حمرة دماء أهالي غزة وهي تصبغ الركام والتراب والاسمنت والاسفلت وأيدينا جميعا!