ما دون ذلك من نقاشات هو انجراف وراء "سرديّة" العدو ومخططاته وتصوّراته..
مع الحديث عن انعقاد قمتين إسلامية وعربية تأخرتا كثيرا لمناقشة حرب الإبادة والتطهير العرقي المُمنهجة التي يشنها الكيان الصهيوني ضد أهالي غزّة بدعم أمريكي وغربي مفتوح.. يُتوقّع من الزعماء المجتمعين، كأضعف الإيمان، إعادة التأكيد على "ثوابت الصراع" و"القضية الفلسطينية".
هاتان القمّتان هما الأخطر من نوعهما على الإطلاق بالأخذ بعين الاعتبار العوامل التالية:
- المنعطف الحالي الذي تمرّ به "القضية الفلسطينية" ومخططات تصفيتها هو الأخطر عبر تاريخها الطويل، وأخطر حتى مما حدث في نكبة سنة 1948.
- أنّ القمتين تنعقدان وفكرتا "التضامن" الإسلامي والعربي و"القيادة العربية الموحّدة" هما في وجدان وعقل الزعماء المجتمعين فكرتان تعودان لأزمان بائدة وضرب من الخيال.
- غياب القيادات التاريخية التي يعوّل عليها في اتخاذ مواقف صارمة ترقي لخطورة الوضع، أو على الأقل لجم الآخرين ومنعهم من تمرير مواقف متخاذلة ومخزية.
لا أحد يتوقّع ويعوّل على الدول والأنظمة الإسلامية والعربية التي وقفت عمليا موقف المتفرج طوال الأيام الماضية (باستثناء الشجب والندب ومساعدات لا تصل) أن تهبّ لإعلان الحرب أو التعبئة العامة، ولكن مرّة أخرى يُتوقع منها على الأقل إعادة التأكيد على "ثوابت الصراع" ومن جملة هذا الثوابت:
- ما تُسمّى "دولة إسرائيل" هي كيان صهيوني عنصري إحلالي مُحتل.
- أي حقوق يدّعيها لنفسه أيّ كيان احتلال في العالم، هي حقوق باطلة ومعطّلة ومعلّقة حتى يتم رفع حالة الاحتلال والعدوان القائمة بالكامل.
- الكيان الصهيوني لا يمتلك "حق الوجود" طالما أنّ هذا الحق المزعوم يقوم على سلب الشعب الفلسطيني حقّه بالوجود وتقرير المصير.
- الكيان الصهيوني لا يمتلك "حق الدفاع عن النفس" طالما أنّه الطرف المحتل، وطالما أنّه الطرف الذي يمارس الاستيطان والحصار والتضييق والتنكيل و"الإرهاب" بشكل يومي مُمنهج، وطالما أنّه يريد أن يسلب الفلسطينيين نفس الحق الذي يدّعيه لنفسه: حقهم المشروع بالدفاع عن أنفسهم وأرضهم ومقدّساتهم.
- ما يقوم به الكيان الصهيوني ليس "دفاعا عن النفس"، بل هو حرب إبادة وتطهير عرقي مُخططة ومُمنهجة هدفها القضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وإجبار من تبقى منهم على النزوح والتهجير من أجل تصفية القضية الفلسطينية، ومن أجل إعادة احتلال قطاع غزة بموقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، وإخضاع القطاع مرّة أخرى لتصرّف الاحتلال وسلطته الأمنيّة.
- مايقوم به الكيان الصهيوني ليس حربا على الإرهاب، بكونه هو الكيان "الإرهابي" الذي يتبنّى القتل الجماعي والعقاب الجماعي والاستهداف المتعمّد والمُمنهج للمدنيين والمرافق العامّة كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة كجزء من سياسة وأساليب وتكتيكات حربه، كلّ ذلك مدعوما بعقائد دموية عنصرية منسوجة من أساطير دينية ونصوص محرّفة تبيح استباحة الآخرين، والتعامل معهم كـ "حيوانات بشرية" ينبغي قتلها والتخلّص منها بشتّى الطرق حتى لو استدعى الأمر استخدام "السلاح النووي"، وذلك في سبيل إقامة "الهيكل" المزعوم وتأكيد تفوّق "شعب الله المختار".
- ما يقترفه الكيان الصهيوني في غزة هي "جرائم حرب"، و"جرائم ضد الإنسانية"، وجرائم "إبادة جماعية"، تستوجب جميعها الملاحقة الجنائية الدولية، وإنزال العقوبات الرادعة بأصحابها على غرار محاكمات النازيّة.
- "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وجميع فصائل "المقاومة الفلسطينية" هي حركات تحرّر وطني مشروعة شأنها في ذلك شأن جميع حركات التحرر الوطني المشابهة في العالم.
- ما قامت وتقوم به "المقاومة الفلسطينية" هو رد فعل طبيعي ومنطقي على سياسة الاحتلال، والاستيطان، والحصار، والتضيق، والانتهاك اليومي للمقدّسات، والإرهاب المُمنهج الذي يمارسه الكيان الصهيوني وعصابات مستوطنيه على السكّان والمدنيين والأسرى والسجناء.
- ما قامت وتقوم به المقاومة الفلسطينية هو جزء من حق الشعب الفلسطيني المشروع في الوطن والشتات بالدفاع عن النفس والأرض والمقدّسات وفي مقدمتها "المسجد الأقصى".
- الجهاد، باعتباره المصطلح الإسلامي الذي يشير للقتال والحرب، هو بأحكامه وأخلاقياته ليس إرهابا، بل هو ضد الإرهاب، ونقيض الإرهاب، بكونه يسعى إلى نشر الحق لا فرض الباطل، ودفع الظلم لا تكريس الطغيان. وهو نقيض مفهوم "الحرب الإلهية" التوراتية التي يتبناها الكيان الصهيوني، و"الحرب المقدّسة" القروسطية التي يتبناها حلفاؤه الغربيين. وهو أيضا نقيض القتال بحكم الوظيفة وشراء الخدمات، أو القتال بهدف التكسّب والارتزاق.
- ما قامت وتقوم به المقاومة الفلسطينية هو جزء من حق الشعب الفلسطيني الثابت بالوجود، والعودة، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على كامل ترابه الوطني، وتحديد مصيره بنفسه، واختيار القيادة التي تمثله بملء حريته وإرادته.
هذه هي حقائق الصراع وثوابته التي يُتوقع من الزعماء المسلمين والعرب إعادة التأكيد عليها ولو من قبيل "الخطاب" وتحبير "البيانات".
وما دون ذلك من نقاشات تنجرف وراء "سرديّة" العدو ومخططاته وتصوّراته لما ينبغي أن يحدث تاليا، ستكون بمثابة محاولة للتحايل على التاريخ والأخلاق، والتلاعب بالوعي والعقول، و"شرعنة" و"تبرير" و"تسويغ" إجرام العدو، ومنحه المزيد من الوقت على حساب دماء الفلسطينيين كي يتمكّن من فرض التهجير كـ "خيار أوحد" و"أمر واقع" على الأرض.
وهذا التهجير بدوره هو المدخل لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وتهيئة الأرضية لمشاريع ما يسمّى "السلام الاقتصادي" الموعود، والذي يخدم مصالح استعمارية غربية، ويعيد إنتاج حالة الاستلاب والهيمنة والتبعية، ويصبّ في مصلحة قوى ونخب وشبكات مال وأعمال ومصارف وصناديق سياديّة عالمية ووكلائهم المحليين.