مادس غيلبرت.. طبيب نرويجي لن ينساه الشعب الفلسطيني
مادس غيلبرت طبيب وأكاديمي وسياسي وناشط عالمي في العمل التضامني، برز اسمه في مناطق الصراع وما بعد الصراع والحرب، وتركز نشاطه على دعم القضية الفلسطينية.
ينتمي غيلبرت للحزب الاشتراكي النرويجي المسمى بالحزب الأحمر، وشغل عدة فترات مستشارا في مقاطعة ترومز شمال النرويج.
المولد والنشأة
ولد مادس فريدريك غيلبرت يوم 2 يونيو/حزيران 1947 في مدينة بورسجرون جنوب العاصمة النرويجية أوسلو، كان والده متخصصا في الفنون، ووالدته ممرضة.
نشأ على الرواية الصهيونية، فقد كانت والدته متطرفة ولطالما أخبرته عن إسرائيل ونظام "الكيبوتس" (المستوطنات الزراعية في إسرائيل) الذي كان تجربة شبه اشتراكية، وأيضا عن مخططات الاحتلال في "جعل الصحراء تزهر".
وخلال حرب الأيام الستة عام 1967 بين إسرائيل والعرب، قدم طلب تطوع استجابة لنداء الشباب الأجانب للعمل في "الكيبوتسات" مع العسكريين الإسرائيليين، ولكنه أجرى محادثة مع إحدى صديقات أخته غيرت وجهة نظره للقضية، وعلى إثرها سحب طلب تطوعه وألغى رحلته لإسرائيل، بعدها أصبح عضوا في اللجنة النرويجية الفلسطينية.
الدراسة والتكوين العلمي
درس الطب العام وتخرج من جامعة أوسلو عام 1973، وفي عام 1991 نال شهادة الدكتوراه من جامعة ترومسو في النرويج عن رسالته بعنوان "الأيض والدورة الدموية خلال التخدير"، وقد أنجز البحث الخاص بها في جامعة "أيوا" الأميركية.
التجربة الطبية
يتمتع غيلبرت بالعديد من الخبرات العالمية، وتحديدا في الأماكن التي تكثر فيها المشكلات الطبية والسياسية معا. فمنذ السبعينات لعب دورا فعالا في الأعمال الخيرية المتعلقة بالفلسطينيين.
وشارك في أعمال التضامن الطبي في جميع أنحاء العالم، إذ نفذ برامج تدريبية وساعد مرضى وجرحى الحرب في ميانمار وأنغولا وأفغانستان وكمبوديا ولبنان.
وكان في بيروت خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ضمن فريق العمل الطبي بمستشفيات الهلال الأحمر.
تطوع للعمل في قطاع غزة لفترة تجاوزت 15 عاما، إذ عمل في مستشفى الشفاء خلال حرب 2008-2009 وحرب 2012 وحرب 2014، وأجرى آلاف العمليات الجراحية خلال فترات الحروب، وأنقذ حياة آلاف الفلسطينيين المتضررين من العدوان الإسرائيلي، وكان يزور القطاع في الفترة ما بين الحروب للاطمئنان على وضع الكوادر الطبية فيه، فأصبحوا يلقبونه بـ"الملاك" وكتبوا اسمه على إحدى غرف المستشفى تكريما له.
في يناير/كانون الثاني 2000 أنقذ غيلبرت وفريقه فتاة كانت قد حوصرت في مياه جليدية لأكثر من ساعة، وأُعلن عن وفاتها سريريا بعدما وصلت درجة حرارة جسمها 13.7 درجة مئوية، وهي أدنى درجة حرارة جسم مسجلة.
وعلى إثر هذا النجاح حصل الدكتور غيلبرت على جائزة مواطن العام في النرويج عام 2000، وسُجل نجاحه في كتاب "خداع الموت" لمؤلفه سانجاي غوبتا.
الوظائف والمسؤوليات
عمل غيلبرت منذ تخرجه أخصائيا في التخدير وطب الطوارئ، وشغل منصب المدير الطبي لعيادة خدمات الطوارئ الطبية في المستشفى الجامعي لشمال النرويج.
كما عمل في مستشفى ترومسو عام 1976، وبشكل أساسي في قسم التخدير، وشغل منصب رئيس قسم الطوارئ بجامعة تروم عام 1981.
وفي جامعة ترومسو عمل أستاذا في التخدير وطب الطوارئ وطب الكوارث وإدارة الأزمات النفسية والاجتماعية عام 1995.
قاد مجموعة من المشاريع في بلاد متعددة منها فلسطين وإيران وأفغانستان ولبنان وكمبوديا وغيرها. ويعتبر أحد مؤسسي مؤسسة رعاية الصدمات ومركز موارد ضحايا الألغام في ترومسو، وهو عضو في العديد من الجمعيات الدولية البارزة وعمل محكما للعديد من المجلات العلمية.
انتخب عضوا برلمانيا محليا في النرويج ثلاث مرات كل منها 4 سنوات بين عامي 1979 و1987، وبين عامي 1995 و1999.
المؤلفات
حرص غيلبرت على توثيق المجازر والحروب الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، فبعد عودته من قطاع غزة عقب حرب الفرقان عام 2009 ألف كتابا بعنوان "عيون في غزة" بالاشتراك مع الجراح النرويجي إريك فوس صدر عام 2010.
اعلان
وأصدر كتابا آخرا بعنوان "ليل غزة" عام 2014 وصف فيه الفترة التي قضاها في مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
الجوائز والأوسمة:
جائزة جامعة أوسلو الفخرية في طب الطوارئ 1999.
جائزة قوة الإنسانية لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني 2000.
جائزة مواطن العام في عامي 2000 و2009.
شهادة تقدير من رئيس بلدية غزة 2006.
جائزة إيريك باي التذكارية وجائزة تاهيتي 2009.
وسام القديس أولاف 2013 عن مساهماته في طب الطوارئ في النرويج وخارجها.
حصل على الجنسية الفخرية لفلسطين 2014.
دعم خارج المسيرة الطبية
لم يقتصر دعم غيلبرت لقطاع غزة في المسائل الطبية فقط، بل كان دعمه معنويا أيضا، فخلال حرب 2008-2009 كان على تواصل مع وسائل إعلام عالمية نظرا لمنع دخول الصحفيين للقطاع.
وخلال حرب "العصف المأكول" عام 2014 كتب رسالة للرئيس الأميركي حينها باراك أوباما، دعاه إلى قضاء ليلة في مستشفى الشفاء خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع.
عبر الدكتور غيلبرت باستمرار عن آرائه المؤيدة للشعب الفلسطيني، وندد بشدة بهجوم الاحتلال على المدنيين في غزة. ووقع مع زملائه نداء إلى الحكومة الإسرائيلية لوقف العمليات العسكرية ضد غزة عام 2014، وواصل التعبير عن رأيه ضد العدوان على المدنيين في القطاع.
وخلال عملية "طوفان الأقصى" عام 2023 نفى ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي حول وجود قاعدة عسكرية بمستشفى الشفاء.
وذكر أن إسرائيل سبق أن هاجمت المستشفيات وسيارات الإسعاف والعاملين في قطاع الصحة والعيادات الصحية الأساسية، مبينا أنه كان شاهدا على هجماتها للمرافق الصحية منذ أول مرة جاء فيها إلى غزة عام 2006.
كما أنه أدان الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بسبب تشجيعهما الاحتلال الإسرائيلي على العدوان.
وعلى الرغم من منع السلطات المصرية دخول الدكتور غيلبرت إلى قطاع غزة عبر معبر رفح في أول أيام حرب 2014، فإنه تمكن من الدخول عن طريق معبر بيت حانون (إيريز) الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي شمال القطاع.
وكالعادة كان مادس غيلبرت حاضرا في قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي ردا على عملية "طوفان الأقصى" عام 2023، وواصل ممارسة واجبه الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني.
المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية