قطاعات اقتصادية أردنية تضررت بالعدوان على غزة



يعتمد الاقتصاد الأردني بشكل رئيس على عدة قطاعات، منها الخدمات والتجارة والسياحة والمطاعم والنقل. ومنذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة تأثرت قطاعات واسعة، وكان قطاعا السياحة والخدمات الأكثر تأثرا، وكان لذلك تداعيات على الاقتصاد الأردني وسوق العمل.

ولأن الأردن من الدول التي تعتمد على الاستيراد زادت التأثيرات، حيث أن 70 بالمئة من مجمل الاستهلاك الأردني هو من المنتجات والبضائع المستوردة، والعديد منها تأتي من شركات أجنبية منحازة إلى الكيان الصهيوني.

ويعتقد خبراء اقتصاديون في حديثهم إلى مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أن الخسارات التقديرية والمتوقعة للاقتصاد الأردني ستكون على الربع الأخير من العام الحالي 2023، وأن هناك قطاعات عديدة تأثرت بالعدوان على غزّة، وأن القطاع السياحي وقطاع الخدمات هما الأكثر تأثرا.

ويوضح الخبراء أن سلاسل الإمداد تأثرت، وتراجعت الاستثمارات والنشاط التجاري أكان من الاستيراد أو التصدير، ومؤشرات أخرى تتعلق بتراجع إنفاق المواطنين لأسباب نفسية، وبالتالي تراجع الإيرادات الضريبية الحكومية.

وتؤكد نقابات عمّالية ونقابات لأصحاب العمل أن بعض القطاعات تأثرت بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، وكنتيجة حتمية تأثر العاملون في تلك القطاعات وبخاصة العمّال الذين يعملون بنظام المياومة.

ويقترح الخبراء والنقابيون تقديم الدعم للقطاعات المتأثرة وبخاصة القطاع السياحي، ودعم الصناعات الوطنية التي بدورها يمكن أن تُحسن من أداء الاقتصاد الأردني، والبحث عن مصادر جديدة لمواجهة ارتفاع كلفة النفط والغاز.

تراجع النمو الاقتصادي بالربع الأخير من العام الحالي

يقول الخبير والباحث في الاقتصادي السياسي حسام عايش، إن من الصعب تقدير خسارة الاقتصاد الأردني جراء تأثره بالعدوان على غزة، ولكن هناك قطاعات تأثرت منها قطاع السياحة فهناك مجموعات سياحية ألغت حجوزاتها وأوقفت نشاطاتها السياحية.

ويعتقد عايش أن تأثر النمو الاقتصادي في الربع الأخير من العام وارد، "بالنظر إلى أن النشاط السياحي وغيره من النشاطات، وربما تؤثر على الحصيلة النهائية للأداء الاقتصادي، وبالتالي تؤثر على المعدل العام للنمو الاقتصادي".

ويوضح أن الأوضاع بفلسطين لها تأثير مباشر على الأردن، فالأردنيون يتوافقون مع المشاعر ذاتها التي لدى الفلسطينيين، ويتصرفون وفق معطيات اقتصاد الحرب الذي يفرض عليهم مقاطعة سلع ومنتجات أميركية وغربية من جهة، وتقليل الإنفاق على سلع لا حاجة ماسة إليها من جهة أخرى، الأمر الذي يؤثر على الضرائب الحكومية.

ويشير إلى أن الأحداث أثرت على سلاسل الإمداد والتبادل التجاري وبخاصة بين الأردن وفلسطين، وانعكس ذلك على توافر سلع معينة يستوردها الأردن أو حتى يصدرها، واحتمالية دخول أطراف إقليمية في الحرب يؤدي إلى ارتفاع كلفة النفط والغاز وهو ما يؤثر على مجمل النشاطات الاقتصادية ومجمل القطاعات ويعيدنا إلى منطق التضخم.

ويلفت عايش إلى أن هناك تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأردني، الذي يعتمد 40 بالمئة منه على الطاقة التوليدية للكهرباء من اتفاقية الغاز مع الاحتلال في الوقت الذي تعاني فيه شركة الكهرباء الأردنية من مديونية منذ 12 عاما وعدم الالتزام بشروط الاتفاقية التي تفرض شرطا جزائيا لمن لا ينفذ البنود مقداره مليار ونصف المليار دولار، ما يستدعي البحث بشكل عاجل عن مصادر جديدة للطاقة.

ويرى أن الأوضاع في غزة جاءت لتعطينا رسائل اقتصادية وسياسية ومعيشية وتنموية على صعيد العلاقات مع دولة الاحتلال، بالإضافة إلى أن الأوضاع تتطلب التعلم من الدروس والتجارب في الأزمة المالية العالمية في بداية هذا العقد، ناهيك عن جائحة كورونا التي يمكن الاستفادة من دروسها من حيث سلاسل الإمداد وتوقف النشاط الاقتصادي.

 

قطاعا السياحة والخدمات الأكثر تأثرا

ويقول الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لنقابة تجار الألبسة منير ديّة إن هناك انعكاسات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني لتأثره بمجريات العدوان، لجهة الحالة النفسية التي يمر بها الشعب الأردني التي أثرت على سلوكه الاستهلاكي وانتظار ما سيحدث وما إذا سيتوسع نطاق الحرب.

ويوضح ديّة أن هناك تخوفات لدى قطاعات عديدة من استمرار الحرب وتأثر مصادر دخلها، وبالتالي انعكاسها على سلوك المستهلك في عملية الشراء، وأصبح المواطن حذرا ومتخوفا على السيولة التي يمتلكها في هذه الأوقات، ما أثر على جميع القطاعات الاقتصادية.

ويشير إلى أن هناك قطاعات تأثرت بصورة مباشرة مثل قطاعي الخدمات والسياحة بسبب إلغاء الحجوزات ورحلات سياحية لسياح أجانب لاعتبارات أمنية وتحذير كثير من الدول رعاياها من السفر إلى المنطقة.

ويلفت إلى أن كثيرا من الصناعات تعتمد على التصدير إلى السوق الفلسطيني وبالتالي توقفت وتراجعت صناعات كثيرة بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، ناهيك عن أن السفر عبر جسر الملك حسين الذي كانوا يعتمدون عليه في عملية التصدير ليس بمأمن.

 

مطالب بدعم قطاع السياحة

يقول رئيس النقابة العامة للعاملين في قطاع السياحة خالد أبو مرجوب إن قطاع السياحة عبارة عن سلسلة متعددة من المنشآت والخدمات من أماكن سياحية مطاعم ومقاهي وفنادق والنقل والتسوق، وهذه السلسلة تأثرت سلبا من العدوان.

ويوضح أن الحجوزات السياحية بالفنادق والمجموعات السياحية للأماكن السياحية ألغيت والمطاعم السياحية انخفضت مبيعاتها، وهو ما أثر على القطاع بأكمله بشكل كبير. ويطالب أبو مرجوب بتقديم الدعم وأن تدرك الجهات الحكومية تأثر القطاع السياحي بشكل كبير وبخاصة أنه يؤثر على آلاف العاملين في القطاع.

وكانت جمعية الفنادق الأردنية حذرت، في بيان صحافي أصدرته أخيرا، من أن قطاع الفنادق تأثر منذ بدء العدوان الصهيوني وأدى ذلك إلى ارتفاع نسب إلغاء الحجوزات، حيث كانت نسبة إشغال الفنادق بالفترة ما بين (7- 31) من تشرين الأول الماضي تُشكل نسبة 55 بالمئة وألغيت الحجوزات بنسبة 43 بالمئة، فيما كانت نسبة الإشغال مطلع تشرين الثاني 35 بالمئة وإلغيت الحجوزات بنسبة 50 بالمئة.

ودعت الجمعية في بيانها الحكومة إلى تقديم الدعم اللازم للقطاع الفندقي من خلال توفير حوافز اقتصادية أو تخفيض الرسوم والضرائب للمساهمة في خفض الخسائر التي يتكبدها القطاع، وأكدت أهمية التضامن الوطني والدعم المستمر للقطاع الفندقي، الذي يعتبر جزءا حيويا من اقتصاد المملكة، وأن التعاون المشترك سيسهم في تخطي الأزمة واستعادة استقرار القطاع الفندقي.

قطاعات تأثرت بنسبة تُجاوز 60 بالمئة

في حين، يقول نقيب أصحاب قاعات صالات الأفراح (تحت التأسيس) مأمون المناصير إن القطاع تأثر بشكل ملحوظ، من خلال إلغاء حجوزات قاعات الأفراح وإيقاف الحفلات، وقد وصلت نسبة إلغاء الحجوزات 15 بالمئة في حين توقفت الحفلات بشكل كامل.

ويلفت إلى أن العاملين في الصالات وقاعات الأفراح بنظام المياومة يجاوز عددهم 30 ألف عامل، وهم توقفوا عن العمل بشكل شبه كامل ووضعهم ازداد سوءا.

ويوضح أن هذه الفترة تعتبر موسم تعافٍ للقطاع بعد أن كانت المَزارع تُشكل عائقا أمام القطاع والعاملين فيه، في حين قد تحول الأحداث في غزّة دون تعافي القطاع، وأنه لا يوجد حلول أو بدائل عن الواقع الذي يعيشه القطاع والعاملون فيه سوى تخفيض الأسعار.

بينما يقول نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر العوّاد إن القطاع تأثر بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، بالمقابل لم يتأثر العاملون في القطاع؛ "فأجورهم يأخذونها عملوا أم لم يعملوا".

ويشير إلى أن المطاعم تدفع كلفا تشغيلية مرتفعة فيما المبيعات قليلة ولا تغطي تلك الكلف، وأن العاملين توقفوا عن العمل بسبب قلة المبيعات، ولا بديل عنهم.

بدوره، يقول نقيب تجار الألبسة والأقمشة والأحذية سلطان علان إن قطاع الألبسة من القطاعات التي تأثرت في الأحداث، وأصبح هناك تراجع واضح في الطلب بنسبة تجاوزت 60 بالمئة نتيجة عدة أسباب منها ما يتعلق بالحالة النفسية للناس.

ومن أجل تحصين الاقتصاد الأردني من أي انعكاسات سلبية قد تنجم عن الأوضاع في قطاع غزة وحالة التصعيد في المنطقة العربية، يتوقع القائمون على هذه القطاعات والعاملون فيها من الحكومة أن تضع خططا تضمن عدم خسارة المزيد وتخفيض الفاقد في القطاعات الاقتصادية كافة وبخاصة قطاعي السياحة والخدمات الأكثر تأثرا، إضافة إلى أهمية العمل على تنويع سلاسل الإمداد ومصادر النفط والغاز، وزيادات الكميات المخزنة منهما.