هل آن الأوان لدسترة فك الارتباط بين الأردن والضفة؟
لقد نجح "طوفان الأقصى" في إسقاط القناع عن الكيان الصهيوني.
وحرب الإبادة الجماعية والتهجير التي يشنّها على غزّة أثبت أنّه متى عقد العزم على تنفيذ مخططاته، فإنّه لا يقيم وزنا لا لقيم إنسانية، ولا لشرائع سماوية، ولا لشرعية دولية، وأنّه على استعداد ليضرب بعرض الحائط كلّ المعاهدات والمواثيق التي توافقت عليها جميع أمم وشعوب الأرض.
ونفس الكلام يسري بالضرورة على المعاهدات والاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الكيان ودول جواره، مثل اتفاقية "كامب ديفيد" مع مصر، و"أوسلو" مع منظمة التحرير الفلسطينية، و"وادي عربة" مع الأردن.
بل أنّه لا ينظر إلى هذه الاتفاقيات باعتبارها عهودا مُلزمة بين طرفين ندّين صاحبي سيادة يسعيان لتحقيق مصالح مشتركة أو متبادلة، بل يعتبرها "منيّة" و"فضل" يزجيهما لهذه الأطراف، وهذا ما تبدّى جليّا على سبيل المثال من خلال ردود أفعال مسؤولي الكيان على تصريحات وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" حول إحجام الأردن عن توقيع اتفاقية ما يسمّى "الطاقة مقابل المياه".
يعزّز من ذلك أنّ هذه الاتفاقيات المبرمة قد تمت برعاية "الضامن" الأمريكي، وهو الضامن الذي أظهر منذ اندلاع "طوفان الأقصى" انحيازا كاملا، سياسيا وعسكريا ولوجستيا وإعلاميا، للطرف الصهيوني وسرديته، ومنحه ضوءا أخضر وغطاء دوليا للقيام بما يحلو له إبادة وتنكيلا بأهالي غزّة وعموم الفلسطينيين.
لذا، في ضوء "ورطة" الكيان الصهيوني في غزّة، وإخفاقه في تحقيق أي إنجاز أو نصر موهوم على الأرض يسوّقه أمام جبهته الداخلية المتصدّعة أو حلفائه الذين بدأوا يُظهرون التبرّم..
وفي ضوء تصاعد وتيرة أعمال المقاومة في الضفة الغربية بصورة تهدد بانفجار الوضع، وخروجه عن سيطرة قوى "التنسيق الأمني" وقوات الكيان التي طالما احتفظت لنفسها بحق استباحة مدن الضفة وقراها متى شاءت وكيفما شاءت..
وفي ضوء محاولة حكومة حرب الكيان المأزومة توسيع رقعة الحرب والمواجهة، وإقحام أطراف إقليمية أخرى، وذلك من أجل إطالة عمرها أكثر، وتوريط حلفائها أكثر، والهروب من تحمّل تبعات ومسؤولية أفعالها وإخفاقاتها سواء ما قبل 7 أكتوبر أو ما بعد 7 أكتوبر..
وفي ضوء، وهو الأهم، المخطط المبيّت لحكومة الكيان واليمين المتطرّف الذي تمثلّه، والذي أصبح مخططا ظاهرا ومعروفا للقاصي والداني، بنسف حلّ الدولتين، وفرض حلّ الدولة الواحدة، وطرد الفلسطينيين عبر التهجير القسري (أو حتى الطوعي) وإعادة توطينهم، ليس فقط أهالي غزّة، بل وأهالي الضفة الغربية وما يسمّى "فلسطينيو الداخل" أو الـ (48)..
في ضوء ذلك كلّه، ليس مستبعدا أن يحاول الكيان إعادة احتلال الضفة الغربية كاملة كما يحاول إعادة احتلال قطاع غزّة.
يصاحب ذلك مزاعم صهيونية أنّ الضفة الغربية هي قانونيا أراضٍ أردنية بموجب قرار الهدنة لسنة 1967.
وأنّ منظمة التحرير الفلسطينية وبقية الفصائل الفلسطينية لا تمتلك أساسا حق التفاوض باسم الضفة أو التواجد فيها.
وأنّ اتفاقية "أوسلو" وأي تفاهمات والتزامات منبثقة عنها تعتبر بحكم الباطلة واللاغية.
ومن ثمّ محاولة فرض التهجير على سكان الضفة إلى الأردن، على غرار محاولة تهجير سكان شمال غزّة إلى جنوبها، دون أن يعتبر ذلك "نكبة" جديدة أو "ترانسفيرا" جديدا، باعتبار أنّ هذا نزوح داخل الدولة الواحدة من أراضٍ أردنية إلى أراضٍ أردنية وليس من دولة لأخرى.
أو محاولة ممارسة ابتزاز رخيص للأردن في الاتجاه المعاكس، ومحاولة توريطه من خلال مطالبته بلعب دور أمني في الضفة، وتحميله مسؤولية "التخلّص" من فصائل المقاومة المسلحة في الضفة باعتبارها تتواجد "قانونيا" ضمن نطاق سيادته، و"تنتهك" هذه السيادة، وتمارس عملياتها و"إرهابها" إنطلاقا من أراضٍ أردنية!
لقد كان "الخطاب" الأردني منذ انطلاق "طوفان الأقصى" خطابا متقدّما قياسا بخطاب بقية الدول العربية والإسلامية.
والموقف الأردني الرافض أخذ منحى تصاعديا بموازاة المطالب الشعبية للأردنيين بجميع مكوّناتهم، وتصاعد وتيرة الأحداث وخطورتها على الأرض، لدرجة أصبح معها تجميد وإلغاء الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة أو المزمعة خيارا مطروقا وممكنا.
وفي هذا السياق، قد تأتي دسترة قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية كورقة إضافية تعزز من قوة وصلابة الموقف الأردني، وتساهم في الحفاظ على الحقّين الأردني والفلسطيني في آن واحد، وتسد الذرائع أمام عصابة الحرب الصهيونية ويمينها المتطرّف الذي أصبح كم يبحث "تحت أظافره" كما يقول المثل الشعبي للخروج من مأزقه، والتنصّل من سلسلة جرائمه وإخفاقاته.