خيفة وحذر.. لماذا أثيرت الإشاعات حول المستشفى الميداني الأردني بنابلس؟
- لم تكن المدة بين الإعلان عنه وبين تشييده على أرض الواقع سوى بضعة أيام فقط، ثم أصبح المستشفى الميداني الأردني موجودا في مدينة نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية، فجُهز المكان المناسب له ووصلت المعدات، ليبدأ العمل على تشييده وتجهيزه، لاستقبال الحالات المرضية كما هو مخطط له خلال الفترة القريبة القادمة.
ولعل عامل السرعة في إقامة المشفى الميداني الأردني، وتزامن ذلك مع ظروف الحرب على غزة، مع ما يعيشه الفلسطينيون بالضفة الغربية من انتهاكات يمارسها جنود الاحتلال والمستوطنون على حد سواء، وحصار يفرضه الاحتلال على كل القرى والمدن الفلسطينية، أثارت جميعها حفيظة الأهالي في محافظة نابلس تحديدا، وجعلهم يتساءلون عن سر عمل هذا المشفى اليوم، وماذا بعده؟
وبينما سادت حالة من اللغط حول مآلات إنشاء المشفى، لم يتعدّ السبب الرئيس لذلك ووفقا لمسؤولين تحدثوا للجزيرة نت غير كونه "مكرمة ملكية أردنية" تحمل بين طياتها أبعادا إنسانية وإغاثية فقط، وتتزامن مع مشافٍ أخرى مقامة منذ أكثر من عقدين بمدن جنين ونابلس، وحديثا واحدة أخرى في قطاع غزة.
مكرمة حولها شائعات
ومما زاد من توسع اللغط في تأويلات المواطنين وربما تخوفاتهم، ما جرى الحديث عنه حول مكان المستشفى، إذ كان يطمح كثيرون أن يشيّد المشفى في المنطقة الجنوبية أو الشرقية لمدينة نابلس، حيث تضمان أكثر من 25 قرية ومخيما، وتشهد مواجهات واقتحامات إسرائيلية مكثفة وعنيفة، مما يفي باحتياجات السكان الصحية، في ظل ما تفرضه إسرائيل من معيقات كثيرة.
ويقول القائم بأعمال محافظ نابلس غسان دغلس مُطمئنا المواطنين، إن "المشفى الميداني مكرمة أردنية، تدخل في إطار الدعم الصحي للفلسطينيين، مثلما يقدم آخرون دعما ماديا وغذائيا".
ونفى غسان للجزيرة نت أن يكون للمشفى أي أبعاد أو أهداف أخرى، موضحا أن ما أُثير حوله "يدخل في سياق الشائعات ليس أكثر، التي أُثيرت بظرف غير طبيعي كالحرب على غزة واعتداءات الاحتلال والمستوطنين بالضفة الغربية"، مضيفا "الحرب ليست صواريخ ورصاص فحسب، وأن 50% منها إشاعات، وهذا ما يخوف الناس ويضعف معنوياتهم".
ظروف إقامة المشفى
واستبعد غسان كل الأحاديث التي تُروج حول أن نابلس تنتظر اجتياحا كبيرا أو تهجيرا للأردن كما ينتظر بقية مدن الضفة الغربية، وأن هذا المشفى أقيم ليكون مساندا، منبها إلى أن "الضفة بكل مدنها تعيش أصلا توغلا واقتحاما بشكل يومي قبل الحرب وخلالها، كما أن المشفى الميداني أقيم -في الأساس- بنابلس قبل عقدين، وهو الآن موجود في جنين ورام الله وتطلبه مدن أخرى كالخليل".
وحول المكان ذكر غسان أن "الداعمين الأردنيين طلبوا مكانا في منطقة "ألف"، أي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية الأمنية والإدارية، وبمساحات كبيرة تصل لسبعة دونمات (الدونم = 1000 متر مربع)، وبعد بحث كبير استقر الأمر على جانب من متنزهات البلدية العامة وسط المدينة، لكن الخدمة الطبية ستغطي المحافظة بأكملها، خاصة المناطق الشرقية والجنوبية.
ويضم المشفى الميداني المقسم بين عربات "كرفانات" متنقلة وخيم طاقما مكونا من 120عنصرا، بينهم إداريون و18 طبيبا مختصا في مجالات مختلفة، لا سيما الجراحة العامة والأعصاب والشرايين والأورام، إضافة لغرفتي عمليات، ومثلها للعناية المكثفة، ومختبرا للأشعة والتعقيم، وأطباء تخدير، وعيادة للأسنان.
ويعمل في مدينة نابلس 9 مستشفيات حكومية وخاصة، إضافة للعديد من المراكز الطبية والعيادات التخصصية والعامة، التي تقدم خدماتها لآلاف المواطنين.
تضامن وتثبيت للفلسطينيين
أكد السفير الأردني في فلسطين عصام البدور أن القوات المسلحة الأردنية تشرف على المشافي الميدانية، وتقدم خدماتها للمجتمع المحلي في الضفة وغزة، بتنسيق مع الخدمات الطبية العسكرية ووزارة الصحة الفلسطينية، كما يجري التنسيق بشكل كامل وعلى جميع المستويات، لا سيما القيادية بين الملك الأردني والرئيس الفلسطيني.
وقال البدور في مؤتمر صحفي عقده خلال زيارته التفقدية للمشفى الميداني، إن المشفى هو "رسالة تضامنية ومستمرة لدعم ونصرة أهلنا في فلسطين، وهو لن يكون إلا بداية لتنسيق أكبر للمرحلة المقبلة، في حال اقتضى الأمر، وبناء على التنسيق مع إخواننا الفلسطينيين".
وأضاف البدور أن المستشفى الميداني بنابلس امتداد لنظيريه في رام الله وجنين، مذكرا أنه أُقيم بنابلس قبل ذلك خلال اجتياح المدينة مطلع انتفاضة الأقصى في 2000، ولذا فإنه يهدف "لخدمة الناس وتثبيتهم على الأرض ومساندتهم".
وأشار المسؤول الدبلوماسي إلى أن "الأردن يصبو لنصرة الشعب الفلسطيني ودعم صموده على أرضهم، من أجل تثبيت حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره في المسار السياسي، بإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني بين الضفة وغزة وعاصمتها القدس".
مسؤولية عربية
ذكر مدير الإغاثة الطبية وعضو لجنة الطوارئ الصحية بمحافظة نابلس الدكتور غسان حمدان، أن لقاء جرى أول أمس بين المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة مع المسؤولين بالمشفى الميداني الأردني، وجرى العمل على تنسيق تقديم الخدمات الصحية فيما بينهم.
وأوضح غسان أن الحديث جرى عن الحالات التي سيستقبلها المشفى، التي لها علاقة بإصابات نارية، وتلك المتعلقة بإجراء العمليات الجراحية التي يحتاجها المواطنون، وذلك في إطار التنسيق مع المستشفيات الموجودة بنابلس.
وأكد المتحدث نفسه أن المشفى يأتي في إطار الإسناد المعنوي والصحي والسياسي الأردني للفلسطينيين، واصفا إياه بالجهد الإيجابي المرحب به فلسطينيا، الذي يأتي ضمن تحمل جزء من المسؤوليات التي من المفترض أن يتحملها العرب وحكوماتهم تجاه الفلسطينيين.
وقال غسان في حديثه للجزيرة نت أن ما أُثير من لغط حول دور المشفى، تزامن وحرب الإبادة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، والحصار المفروض على نابلس، وأنه "لا يتعدى الاشاعات التي لا أساس لها"، وأشار إلى أن الحديث كان يجري عن المكان، وأن المنطقة الشرقية لنابلس بحاجته بشكل أكبر، لكن وإن تعذَّرت الظروف "اللوجستية" فإن الخدمات الطبية ستصل الجميع.
واستهجن غسان موضوع التهجير إلى الأردن والاجتياح للضفة الغربية قائلا، إن "الاحتلال أصلا لا يبلغ أحدا بأي اجتياح أو عمليات عدوانية ضد الفلسطينيين، فهو يشن اعتداءاته ضدهم باستمرار"، وقال، إن "الشعب الفلسطيني ثابت بأرضه، ولديه النية والوعي والثقافة التي تمنع هجرته، ولا يثبته مشفى ميداني أو غيره".
المصدر : الجزيرة