أميركا والصهيونية .. تحالف سبق قيام دولة الاحتلال
لمن يخطر في أذهانهم التساؤل ، لماذا هذا الانحياز الاميركي المطلق للكيان الصهيوني منذ انشائه ، وتجلى ذلك واضحا بلا خجل خلال العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة منذ نحو شهر ونصف ، ولقضية الشعب الفلسطيني عامة ، ولماذا سارع الرئيسي الاميركي بايدن ووزير خارجيته بلينكن لزيارة دولة الاحتلال بعد" طوفان الاقصى" ، للتعبير عن الدعم الاميركي بلا حدود لدولة الاحتلال، وفتح مخازن السلاح الاميركية لتزويد الكيان بأحدث الاسلحة ، فضلا عن نشر حاملة طائرات عملاقة والبوارج الحربية والغواصات النووية في المنطقة ؟ وامعانا في التعبير عن الدعم الاميركي في مختلف المستويات حتى الايديولوجية ، قال الرئيس الاميركي خلال لقائه رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو : "لا اعتقد أنه يتعين عليك أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا .. وأنا صهيوني"! وسبق لبايدن أن كرر نفس الموقف عام 2014 عندما كان نائبا للرئيس الاسبق أوباما حيث قال في أحد تصريحاته :"انا صهيوني "، فيما قال وزير الخارجية بلينكن لحظة وصوله الى تل أبيب : انه جاء الى اسرائيل كيهودي وليس لكونه وزير خارجية أميركا فقط !
وهذه الأقوال تشكل عينة صغيرة من طيف واسع من الساسة الاميركيين، في الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري وفي الكونغرس ، فضلا عن النفوذ الصهيوني في مختلف المفاصل الحيوية الفاعلة في الولايات المتحدة الاميركية .. السياسية والمالية والاعلامية ! وما يتقدم على ذلك كله أن اسرائيل تعتبر بالنسبة للولايات المتحدة قاعدة برية متقدمة في الشرق الاوسط لرعاية المصالح الاميركية لا يمكن الاستغناء عنها ، من خلال الدور العسكري والأمني والاستخباري الذي تلعبه، خاصة على صعيد الامعان في شرذمة الصف العربي!
وللاجابة على التساؤلات السابقة من المهم العودة الى جلسة استماع استمرت عدة أيام ، عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الاميركي حول وعد بلفور و"الوطن القومي " المزعوم لليهود في فلسطين ، في شهر ابريل- نيسان عام 1922 ،أي قبل أكثر من 100 عام ، وبعد بضع سنوات من صدور" وعد بلفور" بتاريخ 2 نوفمبر – تشرين الثاني عام 1917 ، وقد زودني بنسخة مترجمة لمحضر الجلسة الصديق الكاتب والباحث عبد الله حمودة ، وجاء ضمن دراسة نشرها خالد الجندي - مؤسسة الدراسات الفلسطينية في مجلة الدراسات الفلسطينية باللغة إلانجليزية في خريف عام 2017 ، وترجمها الى العربية د. زياد الزبيدي.
وحسب الدراسة التي نشرها المترجم ، كان توقيت جلسة الاستماع مهًما للغاية، فقد سيطر البريطانيون على فلسطين في أواخر عام 1918 ، بعد وقت قصير من نهاية الحرب العالمية ألاولى، وبدأوا في تنفيذ سياسة "الوطن القومي اليهودي" بناء على "وعد الفور" ، وقبيل موافقة عصبة الأمم رسميا على الانتداب البريطاني على فلسطين في يوليو 1922 ، بعد أشهر قليلة من انتهاء المشرعين ألامريكيين من مناقشتهم ، وكانت نتيجة جلسة الاستماع أن الكونغرس أيد بالاجماع المشروع الصهيوني و"وعد بلفور ". في سبتمبر 1922 ، ووقعه الرئيس ويلسون الذي كان متعاطفًا بشدة مع" القضية الصهيونية " . وحتى اليوم لم يتغير الخطاب الاميركي السياسي والثقافي والاعلامي ، ولا يزال مؤيدا بقوة لدولة الاحتلال.
كانت جلسة الاستماع مليئة بالحديث عن المزاعم الصهيونية ، التي تقوم على نظرية زائفة مفادها " أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وهو الشعب اليهودي" و"أن المستعمرين اليهود الرواد يجعلون الأرض خصبة ويجلبون الحضارة إلى أرض قاحلة قليلة السكان ومقفرة ، لقد عاش العرب والسكان آلاخرون، الذين يشكلون الجزء الأكبر من السكان هناك، حياة فقيرة إلى أن بدأ مجيء المستعمرين اليهود بتغيير الأمور نحو الأفضل"، بالاضافة إلى أنه "لم تكن هناك حضارة " تستحق الذكر ! وأن فلسطين أصبحت " أرض مدمرة وقليلة السكان ، بسبب سياسة الخراب الوحشية المؤسفة التي كان ينفذها حكامها العثمانيون بشكل منهجي! لم يتغير شيء ، وها نحن بعد اكثر من قرن على جلسة الاستماع المشؤومة ، نشهد حرب ابادة لا مثيل لها بحق سكان قطاع غزة بدعم أميركي غير محدود.
Theban100@gmail.com