معضلة التبعية الاقتصادية ؟!
فى مرة…وجه أحد الصحفيين سؤالا إلى السيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان حول مصادر تمويل حركته والمقومات الاقتصادية التي يملكونها كي يتمكنوا من مواجهة جيشا نظاميا كالجيش السوداني فى معارك طاحنة إمتدت لأعوام عديدة؟! صمت قليلا…ثم أجابه بعدها بأن جنوب السودان يملك ثروة هامة من الماشية وهي المصدر والشريان الاساسي الهام الذي يمدهم بكل ما يحتاجونه دوما !! كانت هذه هي السقطة السياسية الأكبر فى تاريخ هذا الرجل ، كيف لا وجميعنا يعلم أن الدبابات لا يمكن مقايضتها بالأبقار ؟؟ هو لا يستطيع الافصاح عن الدول التي تمده بالعتاد والسلاح وتحوله الى أداة فى خدمة أجنداتها بالطبع . هذا مجرد مدخل ومثال لأحدثكم عن هذه المعضلة والأزمة الحقيقية التي عانت وتعاني منها أمم ودول ، وليس أحزاب أو تنظيمات وحسب ، والسؤال الهام : ما هي تأثيرات التبعية الاقتصادية وآثارها على التابع هنا ؟! الإجابة البليغة فى تقديري ستكون بسؤال مضاد ومعاكس : ما هو حال أي حكومة أو جهة تنتظر معونة من القمح الرديئ او مبلغ من الدولارات كي تستطيع الايفاء بالتزاماتها وتوفير قوت شعبها ؟؟ أنا سمعت أن هناك دولة عربية يتم سداد جميع رواتب الجيش السنوية فيها بمعونة مالية أمريكية توجه مباشرة إلى وزارة الدفاع دون أن تمر على وزارة المالية من الأصل ؟! ليست الاردن للامانة …لك أن تتخيل حينها حجم الولاء والطاعة أو دعني اقول الانقياد بصورة أدق وأوضح الذي سيدينون به للممول والداعم فى مثل هذه الحالة !! هنا أنتهي وأستطيع القول والجزم بأن التبعية الاقتصادية هي تبعية فى كل شيء ، فالطفل الصغير يدين لأبيه بالطاعة والولاء عندما يغدق عليه بالمال ولن يكون بوسعه إلا أن يمتثل لأوامره وينفذ كل طلباته على أكمل وجه ، ولك أن تتخيل حال المسكين ومعاناته فى حال حرم من المصروف ؟! لكن …هل هي حاجتنا وقدرنا المحتوم ، فنحن الدول الفقيرة التي لا تملك الموارد الكافية ، ماذا بوسعها أن تفعل يا ترى للتخلص من هذه المعضلة الخطيرة المهددة لأمن شعوبنا واستمراريتها إذن ؟؟؟ أن نتوقف عن قبول دور الطفل المنصاع أولا وقبل أي شيء هي الخطوة الأولى والهامة بكل تأكيد ، ومن ثم الغوص فى ذاتنا والتعرف عليها بصورة أقرب ، صدقوني نحن نجهل أنفسنا و لا نملك تقييم حقيقي لامكانياتنا وقدراتنا ، إكتفينا بحجة ضعف الامكانات والموارد وكأنها حالة دائمة وقضاء من الله لا يمكن الاعتراض عليه أو رده !!! لم أسمع يوما وزير زراعة أردني يتحدث عن مشروع إكتفاء ذاتي من القمح الذي يشكل المادة الاساسية فى سلة غذاء المواطن الاردني وإن امتد حلم تحقيقه لسنوات طويلة ، لن نمانع …ألن يكون هذا أفضل وأكرم من انتظار معونة سنوية تأتينا ملوثة ببقايا الجرذان فى أحيان كثيرة ؟! بإختصار…نريد أن نكون رجالا فى نظر أقوى الأمم وأعظمها…لسنا أطفال !!
دمتم