عجائب سويسرا السبعة ..!!



حقيقة الأمر أن عجائب هذا البلد الجميل والفريد من نوعه كثيرة ولا تقتصر على سبعة فقط وحسب, وإنما إخترت هذا الرقم كعنوان لما تعارفنا وتوافقنا عليه دوما فى تحديد وحصر العجائب فيه على مر الزمن !! كنت محظوظا جدا عندما اتيحت لي زيارة سويسرا قبل نحو عقدين وكانت زيارتي الاولى للقارة العجوز يومها , والحق يقال أن جمالها يفوق الوصف والتوقعات !! أول وجبة تناولتها عند وصولي كانت عبارة عن شطيرة من الجبن السويسري الشهي جالسا فى حديقة الفندق أستمتع بالاجواء والمناظر الخلابة , ولكن حدث أمر عجيب غير متوقع حينها...إقتربت العصافير مني لدرجة كبيرة جدا بحيث قاربت الوقوف على كتفى وأصابعي !! تعجبت وتساءلت فى نفسي ...كيف تأمن البشر وتخاطر بحياتها الى هذا الحد من اجل التقاط بعضا من فتات الخبز لتقتات به ؟!! وعرفت بعدها أنه أمر طبيعي ومألوف عندهم , فلم يسبق لهذه العصافير البريئة أن شاهدت آباءها وأجدادها بداخل سيخ شواء أو أحد الأطفال حين يربط قدم أحدها بحبل ويلهو به مع أولاد المدرسة والحارة ,!! كانت حالة من التسامح والتعايش الحقيقي بين مكونات هذا المجتمع كلها ...حسرتي عليكم يا عصافير بلادي !! على فكرة عندهم قانون يجرم قتل النحل والحشرات الأخرى أيضا !! العجائب مستمرة على الصعيد السياسي كذلك وهو الأهم بالطبع , فنظام الحكم عندهم فريد من نوعه ويسمى بالديمقراطية المباشرة وتعني أن للشعب الحق فى الرقابة على النواب وما يطرحونه من تشريعات وقوانين بحيث يملكون الحق فى إسقاط أي منها من خلال جمع عدد معين من التوقيعات وهو أمر يسير بطبيعة الحال , ورغم هذا ..فإن المرات التى تقدمت فيها طعون أو إعتراضات مماثلة فى حق النواب والممثلين تعد قليلة جدا على مر تاريخ تأسيس الاتحاد السويسري الحديث والذى يفوق القرن ونصف القرن , السبب وراء هذا فى تقديري الشخصي هو التقدير و المكانة التى يوليها النائب لمن إنتخبوه , بالإضافة إلى إحساسه بأن هناك جهة مراقبة وقادرة على الوقوف فى وجهه وردعه إن إحتاج الأمر, فتجده يضع باعتباره هذه المعادلة دائما ولا يحاول تجاوزها !! صحيح...من منكم يعرف إسم رئيس سويسرا الحالي؟؟ أو السابق..طيب الاسبق او أحدهم على الأقل ؟؟!!! لا تنزعجوا إذا لم تعرفوهم , حتى محرك البحث جوجل نفسه لم يعطنى إجابة مباشرة وسريعة كما هو الحال فى كل الإستفسارات والأسئلة الأخرى ...؟؟!! ببساطة الرئيس هم سبعة أشخاص يمثلون المجلس الاتحادي ومنتخبين من قبل مجلسي النواب والشيوخ , وتقريبا كل ستة أشهر يختارون أحدهم ليكون رئيسا للفترة أو الدورة لهذه المدة وهم أيضا أنفسهم عبارة عن سبعة وزراء ؟! الاتحاد السويسري التاريخي العريق يضم أقاليم مختلفة من البلاد يسمونها كنتونات ولها تمثيل بالنسبة فى المجالس المختلفة ويظل أجمل ما فى هذا البلد على الصعيد السياسي هو أن القرارات تأخذ فيه على أدنى مستوى...بحيث أن كل كانتون يملك سلطات وخيارات تمكنه من إدارة شؤونه وتحديد أولوياته حيث أنه يملك ميزانية خاصة من خلال جني الضرائب التى تخصه وتقع ضمن حدود إدارته ولذلك تجد كانتون أغنى من آخر,,,لا مركزية حقيقية وفعلية بإختصار !!!ولفت إنتباهي كذلك أثناء زيارتي أن العمل الإجتماعي والمساهمة فيه منتشر بكثرة , كنا بزيارة لحديقة الحيوانات وأخبرنا الدليل الذى رافقنا أن شركة أدوية ( روش ) الشهيرة تخصص ميزانية سنوية للحديقة وتؤمن كل إحتياجاتها ,إحساس بالمسؤولية من شركة تدفع الضرائب بملايين الفرنكات سنويا لحكومة بلدها الغنية أصلا , ثم تدعم وتؤسس أعمال مجانية لخدمة المجتمع ، ألم يسمعوا بمصطلح التهرب الضريبي يا ترى !! وكان أمام كل قفص صندوق حلزوني تضع فيه فرنك واحد ليدور بشكل مسارات عديدة ثم ينزل فى حصالة كنوع من التبرع لهذا الحيوان ...تركيز على الاهتمام والمسؤولية تجاه كل شيئ بالبلد بشكل رهيب ! تبرعنا يومها للفيل...أحسسنا إنه محتاج يأكل زيادة صراحة ؟!! ولا يفوتني هنا الحديث عن حقوق الانسان واولوياتها عندهم وأذكر لكم موقف صديق رافقنا فى رحلتنا هذه ولم يكن يملك حجزا مؤكدا للعودة معنا فاقترح عليه أحد الاصدقاء بأن يخبر موظفة الخطوط السويسرية بأن زوجته على وشك وضع مولود جديد وعليه العودة فورا ...فنفاجأ به بعدها وهو يجلس قبلنا داخل الطائرة حيث أخبرنا بأنهم أحضروه بسيارة خاصة ..مراعاة لظرفه وحالته !!! ربما لا يعرف معظمكم أن فى سويسرا خمسة لغات رسمية وثقافات متنوعة وتباينات ثقافية عديدة , وعلى الرغم من هذا إلا انهم متوحدون ومتلاحمون فى تحقيق شراكة ومنفعة مشتركة للجميع ، دعك إذن من أكذوبة وحدة المصير واللسان والدين !!
الحديث عن هذا البلد العريق وشعبه يطول ولا يمكن حصره فى مقالة كهذه بكل تأكيد.. النية كانت أن أكتب حول هذا الموضوع لأعقد مقارنة فى كل شيء بين أحوالنا وأحوالهم بكل صراحة وعلى جميع المستويات والصعد, لكني خجلت حقيقة الأمر ووجدت أنها لا تجوز أو تصح فى هذا المقام ..إبتداءا من عصافيرهم الأليفة إلى سياسييهم ومسؤوليهم ... !!