بين الصدمة والمقاومة: المشاركة الشعبية ومآلات الحرب على غزة


نضال العضايلة -

يبدو السؤال عن أثر الحرب التي تشنها اسرائيل على الشعوب العربية في هذه الأيام مثيرا للسخرية وغير ذا صلة، اذ ان المآلات الدموية والوحشية لهذه الحرب في والانتكاسات المتتالية للمواقف العربية لا تترك مجالا للشك بأن الاحلام الكبيرة التي رفعها ملايين المتظاهرون في مختلف أنحاء العالم عبر شعار "انقذوا غزة"، وشعارات المتظاهرين في الأردن ومصر ولبنان وسوريا والكويت والعراق "افتحوا الحدود" ، تحولت الى أصوات في الهواء، وان الشعوب العربية تعيش صدمة وتشهد نكوصا نحو قضايا الأمة التي ظنت انها تجاوزتها.

لا يقتصر الأثر السلبي على أهل غزة والفلسطينيين بشكل عام ولا على قضاياهم الحقوقية فقط ، فبراميل المتفجرات التي يلقي بها الطيران الصهيوني على غزة لا تفرق بين المستهدفين على أساس الجنس او العمر او الانتماء، كذلك الحال لا يطال التدهور المعيشي الأطفال والنساء دون غيرهم بل يؤثر سلبا على الجميع، وبطبيعة الحال فان قنابل وصواريح اسرائيل تساوي بين جميع المستهدفين.

المقتلة التي تجري في غزة والضفة الغربية، تظلل حياة الجميع في المناطق المشتعلة، دون تمييز، على أساس طبقة او جنس او جيل، ويبدو ان المساواة الوحيدة التي تحققت اليوم هي مساواة الجميع امام فوهة البندقية.

كان سقوط الأنظمة العربية من حلم "اجتثاث اسرائيل" الى كابوس التقتيل والمعارك، يذهب يدا بيد مع تدهور وضع الفلسطينيون فعليا ورمزيا، ويتوازى مع نكوص في الخطاب السياسي العام تجاه قضية فلسطين بشكل كبير.

فيما يمكن القول ان بشاعة الممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني شكلت صدمة للشعوب العربية وللخطاب الشعبوي الذي كان يحلق بعيدا في نظريات ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة ويدافع عن النسبوية السياسية.

عشية الحرب على غزة كان الخطاب الشعبوي العربي يتطور الى حد بعيد عبر حواره مع النظريات الحديثة ونظريات ما بعد الحرب والتي وجهت الخطاب الامريكي الصهيوني، يناكف النظرات الاستشراقية من جهة والاسلاموية من جهة أخرى ويحاول طرح قراءات بديلة للديناميكيات المجتمعية خاصة فيما يتعلق في حقوق الشعب الفلسطيني، وينحو نحو استخلاص نقاط القوة والمقاومة للمنظومة الحاكمة.

غير ان العمل العربي الذي كان يبحر وسط قضايا الكيل بمكيالين ويحارب من اجل تطبيق المواثيق الدولية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وجد نفسه وهو يصحو على وقع ممارسات وانتهاكات إجرامية متقدمة بحق غزة واهلها تنتهكها قيادات صهيونية إرهابية، تعيد غزة الى عصور مظلمة غابرة.

حركة السابع من اكتوبر التي شكلت رافعة عظيمة لبداية تعيد للعرب جزء من مكانتهم، كشفت القناع عن الكثير من الأنظمة العربية والغربية التي تواطأت مع الكيان الصهيوني في وجه الطفل والمرأة والشيخ، في ظل جرائم مروعة في حق الشعب الفلسطيني في وقت يحيي فيه العالم اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد احتلال بدا للوهلة الأولى هشاً.

ولكن الأكيد ان هذه الاعتداءات الوحشية التي تتم تحت انظار أكثر من ملياري عربي ومسلم وفي مقدمتهم انظمة آيلة للسقوط الشعبي كانت ممنهجة ولها اهداف سياسية لترهيب العرب قبل الفلسطينيين، وبث مشاعر انعدام الأمان والفوضى في المنطقة.

تشير ادبيات المقاومة الاسلامية في غزة والضفة الى ان احد الاثار المحمودة لحركة السابع من اكتوبر هو ردة الفعل للانظمة العربية وتلك"التغريبية"، مما يعني ان هذه الأنظمة كانت اكبر خاسر في الحرب الدائرة بين المقاومة الاسلامية ودولة الكيان الصهيوني.

يمكن القول ان انتكاس الأنظمة العربية أصاب الشارع العربي بصدمة بفعل انهياراتها والانحدار نحو الأسفل تجاه ما يحدث في غزة.

المقاومة التي قطعت شوطا كبيرا في لجم الالة العسكرية والسياسية الصهيونية تجاوزت مسائل حقوق الشعب الفلسطيني والعربي ليناقش من جديد قضايا مصيرية كقضية الوجود الصهيوني الذي ناضلت ضده منذ اكثر من عقود، او قضايا الحق العربي في طرد الصهيونية من واقع الأمة العربية.

إننا اليوم أمام قضية أمن قومي، وأهم القضايا التي يجب التصدي لها عبر الشارع العربي هي الضغط المستمر على الأنظمة العربية للتحول من مبدأ القول إلى مبدأ الفعل، لان قضية "فلسطين" تحولت الى مادة متفجرة للاستخدام للاستقطاب من قبل القوى الظلامية من اجل تهديم الامن والأمان في المجتمعات العربية ككل.

وعلى هذه الأنظمة أن تعلم وهي تعلم أن الوضع في غزة كارثة فاجعة ومروعة، تحولت فيها الى مدينة أشباح خاوية على عروشها، القصف دمر البنية التحتية عن بكرة ابيها، والبيوت تحولت الى انقاض وسقطت على رؤوس ساكنيها، مات الالاف منهم والاخرون تحولوا الى نازحين ومشردين يفترشون الأرض والركام.

هذه الصدمة المفرطة، ولّدت نتيجة متوقعة، وهي تعزيز عزيمة الناس على المقاومة، والبقاء في ارضهم غير آبيين لتهديدات الصهاينة بالقتل والتهجير.