د. الحسبان يكتب : حين يعلن بلينكن أنه جاء القدس كيهودي فيرفض الوزير جوده التعليق

كتب د.عبدالحكيم الحسبان - في مستهل الزيارة التي تلت سريعا الهجوم الكاسح الذي قامت به المقاومة الفلسطينية البطلة على الجيش الصهيوني في السابع من اكتوبر الماضي، نقلت وسائل الاعلام العالمية تصريحا بدا لافتا وغير معتاد في عالم السياسة والديبلوماسية لوزير الخارجية الامريكي أنتوني بلينكن قال فيه أنه لم يأت لفلسطين بصفته وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط، بل جاء بصفته يهوديا. وبعد أيام قليلة من زيارة الوزير بلينكن وتصريحاته عن يهوديته من داخل دولة اليهود الوحيدة في العالم، جاء الرئيس الامريكي جو بايدن الذي دأب على التأكيد على تدينه المسيحي العميق متضامنا مع الكيان الصهيوني وليعبر عن ذات الموقف الذي عبر الوزير بلينكن عنه قبله بأيام.

وفي التصريحات التي أطللقها بايدن من القدس متضامنا مع قيادات الكيان التي اصطفت حوله، كرر بايدن عبارة بلينكن ليقول أن إسرائيل هي دولة يهودية و"ديموقراطية". والحال، فإن عبارة بايدن عن يهودية الكيان، سبقتها سلسلة طويلة من التصريحات المشابهة التي سبق لبايدن أن أطلقها من داخل الولايات المتحدة على مدى سنوات طويلة سبقت حتى وصوله البيت الابيض. فبعد حرب الاحد عشر يوما بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في ايار من العام 2022، قال بايدن في مؤتمر صحفي وهو إلى جانب نظيره الكوري الجنوبي: "دعونا نتحدث بوضوح هنا، حتى تعترف المنطقة بأسرها وبشكل لا لبس فيه بالحق الوجودي لإٍسرائيل كدولة يهودية مستقلة لن يكون هناك سلام في المنطقة.

قبل أيام سجلت اطلالة طويلة لمعالي وزير الخارجية الأردني الاسبق السيد ناصر جوده وحيث طلب من معاليه خلال اللقاء أن يعلق على عبارة الوزير الامريكي بلينكن عن يهوديته، فما كان من معاليه إلا أن تجاهل التعليق على هذه العبارة، مفضلا أن يردد عبارات عامة عن محاورة الاردن لكافة الاطراف إيا كانت توجهاتهم، وان الاردن تربطه بالولايات المتحدة علاقات صداقة وتعاون عديدة.

أعترف أن رغبتي بالكتابة حول تصريحات بايدن وبلينكن عن يهودية الكيان تعود للحظة التي صدرت فيها هذه التصريحات أي لثلاثة أو أربعة أسابيع، وكان يمكن لهذه الرغبة أن لا تخرج لحيز التنفيذ لولا هروب معالي الوزير جوده من التعليق على هذه التصريحات. وأما الرغبة في الانتقال الى الكتابة، فقد يكون مبعثها الخوف من وجود غموض أو تشويش في العقل السياسي لدى النخب في فهم ما صدر عن بلينكن بداية وعن بايدن نهاية. وقد يكون مبعثها اعتقادي بعدم رغبة هذا العقل في تفكيك ما صدر عن هذين الرجلين وبما يؤدي إلى إدانة العقل السياسي الامريكي الذي يتعاطى مع المنطقة عموما ومع الاردن استطرادا وحيث عبارات الرجلين تشي بأن الامر لا يتعلق بعبارات انفعالية وعاطفية استلزمتها لحظة من ضرورات التضامن الانساني مع كيان بناه الغرب بالدم والمال والنار وعاش لحظة الانهيار، بل يتعلق بنهج وسياسات واستراتيجيات اختطها وابتدعها العقل السياسي الامريكي الممسك بناصية إدارة قضايا المنطقة العربية.

فتصريحات بلينكن لم تكن مجرد تعبير انفعالي لحظي تكونت تحت وقع الضربة الساحقة التي لحقت بالكيان الصهيوني عسكريا وأمنيا وسياسيا ومعنويا، بل إنها وفي السياق التاريخي الطويل للسياسة الامريكية المطبقة في كامل المنطقة العربية منذ عقود انما تمثل اعلانا من بلينكن عن نهج سياسي تعتمده بل وستعتمد المزيد منه الادارات الامريكية المتعاقبة والدولة العميقة المهيمنة فيها. فكلمات بلينكن التي تقول أنه لم يأت بصفته وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط، بل جاء بصفته يهوديا لم يرد منها مطلقا أن تظهر حجم التضامن العاطفي وعلى مستوى المشاعر الانساني من يهودي مع يهودي آخر، فهذا النمط من المشاعر كان يمكن أن يتم في الغرف المغلقة وبعيدا عن أعين وسائل الاعلام التي كانت في معظمها ترقب الوزير الامريكي لترصد موقفه وموقف بلاده مما يجري في فلسطين المحتلة، ولم تكن هناك كي تسجل اللحظات الخاصة في الحياة الخاصة له كما تفعل وسائل اعلام الباباريزي الذي يتخصص في تصيد اللحظات الخاصة، والحميمية، والشخصية لكبار القوم في الغرب، والعالم.

أتفهم أن يرفض الوزير جوده وفي حال كان وزيرا على رأس عمله أن يرفض التعليق على عبارات يقولها شخص عن دينه أو طائفته أو عائلته في الغرف المغلقة، فليس من قواعد المهنة ولا حتى الاخلاق الانسانية أن يتم تناول ما ينتمي للمكون الشخصي والانساني من حياة الانسان. وأما أن يكون الكلام قد صدر عن من يشغل موقع وزير خارجية الولايات المتحدة، وفي لحظة لقاء رسمي، وأمام وسائل اعلام تتسم بالرسمية، فإن الكلام حينها لا يعود مجرد كلام خاص، وشخصي تقتضي اللياقة عدم تناوله والتعليق عليه. وعليه، فإن كلام الوزير الامريكي لم يكن مجرد عبارات عاطفية وبنت لحظتها، بل هي في العمق تعبير عن نهج أمريكي في التعاطي مع قضايا المنطقة، بل لا أبالغ مطلقا إذا قلت أن عبارة أنا يهودي التي اطلقها بلينكن، وعبارة "إسرائيل دولة يهودية وديموقراطية" التي اطلقها بايدن الهرم من ذات المكان، هي أكثر من مجرد عبارات لحظية، بل هي ملخص للسياسة الامريكية، إن لم يكن أم السياسات الامريكية التي يتم انتهاجها منذ اكثر من اربعين عاما.

لعل واحدة من المقارقات الكثيرة التي تثيرها في النفس عبارة اسرائيل دولة يهودية التي يتبناها بايدن وقبله ترامب، أنه وفي الوقت الذي يبدو أن العقل السياسي الغربي كما الخطاب السياسي الغربي قد تجاوزا ومنذ قرون الدولة الدينية بحيث لم يعد يتحدث أحد في الغرب عن الدولة الدينية كنموذج رشيد وعصري في الحكم في المجتمعات الحديثة، وفي الوقت الذي يتجذر فيه الطابع العلماني للدولة والمجتمع في كيانات الغرب، بل إن الغرب يحاول بكل قوة فرض نموذج الدولة الحديثة المدنية على المجتمعات في مغارب الارض ومشارقها، فإن الاصرار الامريكي على الطابع اليهودي للكيان يبدو وأنه خارج السياق التاريخي بل يبدو وكانه دعوة للعودة لعصور ما قبل الدولة الحديثة وحتى عصر ما قبل السياسة، وهو ما ينبغي أن يثير الشكوك العميقة. فالتبشير بالدولة الدينية هو تبشير ودعوة إلى العودة إلى مجتمعات ما قبل الدولة حتى الجنينية منها، بل مجتمعات ما قبل السياسة، وحيث ظهرت لفظة السياسة وكل مشتقاتها حين انتقل الإنسان في صياغة اجتماعه وشبكة تفاعلاته الاقتصادية والاجتماعية والحضرية من أساس التشارك في المعتقد الديني وقبله القرابي في الدم، إلى مبدأ التشارك في الانتماء للارض أو الاقليم الجغرافي.

أجزم أن كثيرا مما جرى ويجري في منطقتنا يندرج ضمن "أم السياسات الامريكية" هذه أي إسرائيل دولة يهودية. فكي تكون اسرائيل يهودية كان على الامريكي أن ينتج كما من الممارسات والسياسات في فلسطين كما العراق كما سوريا والخليج والاردن تصب كلها في قناة أم السياسات هذه أي إسرائيل دولة يهودية. ويكفي النظر إلى سلسلة طويلة من الممارسات والافعال الامريكية في المنطقة التي يريد لنا الامريكي واعلامه ان نراها مجرد احداث منفصلة عن بعضها البعض، ولا رابط بينها غير التزامن العرضي وغير المقصود كي نرى أن كل ما جرى ويجري في المنطقة كان ترجمة لفكرة اسرائيل دولة يهودية.

فكي تكون اسرائيل يهودية كان لا بد من استفزار الهويات الدينية والمذهبية والقومية في المنطقة من السودان حتى الخليج وصولا للمشرق العربي. وكي تكون اسرائيل يهودية كان لا بد من رؤية المنطقة وتمثلها على أنها رقع من المجموعات الدينية والعرقية والطائفية والتي لا تمثل مجتمعات بقدر ما تمثل جماعات وحيث العالم العربي تعيش فيه جماعات وليس مجتمعات. ففي العقل الاستشراقي الغربي الذي يحكم ساسة الغرب وشعوبه، يتم تصوير الاجتماع في الشرق العربي على انه اجتماع لاثنيات وطوائف وقبائل وليس لمجتمعات، ويتم تصوير المدينة العربية على أنها احياء معزولة عن بعضها البعض لقوميات واثنيات وطوائف، كما يتم تصوير السياسة على انها صراعات تاريخية داخل القصر بين زعيم طامح في السلطة يقتل زعيما اخر يجلس على السلطة في قصره، بحيث تبقى السياسة محصورة ضمن نطاق القصر وصراعاته ومؤامراته.

فكي تكون اسرائيل دولة دينية يهودية كان لا بد من النفخ في الواقع الديني المتعدد في السودان وصولا إلى فصل مسيحييه عن مسلميه وانشاء دولة مسيحية في جنوبه. وقبله وكي تكون اسرائيل يهودية كان لا بد أن يتم تهجير المسيحيين من فلسطين كي تتناقص أعدادهم وكي يستحيل الوجود المسيحي التاريخي والمؤسس في هذه المنطقة إلى مجرد ذكرى لوجود وحضور. فالاحصائيات الموثقة في العام 1948 عشية انشاء الكيان أكدت على حضور مسيحي أصيل في فلسطين تجاوز نسبة ال 12 بالمئة من اجمالي عدد السكان المتسم بالتنوع الشديد.
المفارقة أنه وحينما كانت السلطة رومانية، وبيزنطية، واسلامية، واموية، وعباسية، وعثمانية، بقيت هذه الارض اسمها فلسطين ولم تكن يوما دولة دينية لجماعة بعينها، ولم يتم طرد المسيحيين منها وتهجيرهم، بل بقي المسيحيون حالة اصيلة ومؤسسة فيها، فلا الروماني، ولا الاموي ولا العثماني هجر أو طرد المسيحيين، فقط وفي الزمن الامريكي أريد لفلسطين أن تكون يهودية وأن تكون دولة دينية يهودية ليتم طرد المسيحيين منها وتهجيرهم بحيث تقلصت نسبة حضورهم من 12 بالمئة عشية انشاء الكيان إلى اقل من واحد بالمئة وفق الاحصائيات المسجلة قبل عام أي في العام 2022.

وكي تكون اسرائيل دولة دينية يهودية كان لا بد من النفخ في كير الطائفية والمذهبية العفن، فلازمة صدام حسين السني الذي يضطهد الشيعة التي لطالمها كررها اعلام الغرب، ثم مشهد اعدام الرئيس صدام حسين السني على أيدي حكومة شيعية في بغداد، هي في الاصل حكومة شكلها بول بريمر الامريكي. وكي تكون اسرائيل دولة يهودية كان لا بد من اغتيال رمز سني كبير بحجم رفيق الحريري ويتم النفخ الاعلامي مباشرة في بوق الفتنة السنية الشيعية. وكي تكون اسرائيل يهودية ابتدع الاميركيون لازمة الهلال الشيعي وهم واعلامهم من ينفخ في هذه اللازمة.

وكي تكون اسرائيل دولة يهودية دينية كان لا بد من انتاج داعش التي تحمل تسمية الدولة الاسلامية في الشام والعراق، كي يتم انتاج أعلى درجات التوحش والبربرية على أرض سوريا والعراق ولبنان وحيث كان لافتا ازدهار داعش في ظل الاحتلال الامريكي للعراق بل إن داعش سيطر على ابار النفط العراقية والسورية وبقي على مدى سنوات يوظف اسطولا من الاف الشاحنات التي تنقل النفط عبر حدود عدة دول دون ان تتعرض له طائرات التحالف الامريكي الغربي التي لم تحرك ساكنا إلى أن قام الطيران الروسي في العام 2017 بتدمير اسطول شاحنات الدواعش في سوريا والعراق. بل إن داعش كان بامكانه أن بيبع النفط ويقبض ثمنه ويشتري باموال النفط اسطولا من الاف سيارات النقل اليابانية الانيقة ويتم تحويل الاموال الى الشركة اليابانية المصنعة عبر نظام التحويل المالي السويفت الذي يمسك به الامريكيون وحيث يعجز ملايين الفلسطينيين مثلا أن يحولوا دولارا واحدا لاهلهم في غزة بسبب السيطرة الامريكية على نظام التحويل المالي السويفت.

وكي تكون اسرائيل دولة دينية يهودية كان لا بد من انتاج صورة تستبدل الصراع على أرض فلسطين باعتباره صراعا لشعب يقاوم كي يستعيد ارضه وحريته، بصراع لمجتمع اسرائيلي حداثي وعصري ومدني وحضاري يواجه قوى دينية رجعية متطرفة, وعليه فقد كان لافتا تركيز الرئيس جو بايدن في اللحظة الاولى لهجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر على تسمية المقاومة باعتبارها داعش. فقد ردد بايدن كثيرا عبارة جرائم حماس الداعشية، كما هو يردد دائما اننا موجودون في سوريا لمحاربة داعش، وليأتي الرئيس الفرنسي بعده بأيام ليقترح انشاء تحالف دولي عربي يقوم بمحاربة حماس على غرار التحالف الدولي الذي قام لمحاربة داعش.

ومن مفارقات داعش والمتلاعبين بورقته في الغرب، ان داعش الذي يحمل تسمية الدولة الاسلامية في الشام والعراق وأسس لينشأ امارته في الشام والعراق، وقام ولهذا الغرض بارتكاب الفظائع ضد عشرات الاف الجنود السوريين والعراقيين بل والاردنيين، قام باستثناء فلسطين المحتلة من خريطة بلاد الشام. ومن يبحث على النت سوف يجد أن الدواعش وزملائهم من جبهة النصرة المتطرفة التي هي فرع من القاعدة قيض لهم أن يسيطروا على جنوب سوريا والجولان وسوف يجد تصريحات لوزير حرب الكيان الصهيوني يقول أنه لا يخاف مطلقا من وجود الجماعات المتطرفة من داعش والنصرة في الجولان، وانه مطمئن تماما إلى هذه الجماعات. بل إن الكيان قدم العلاج الطبي في مشافيه لالاف مؤلفة من الدواعش والنصرة في جنوب سوريا. ومن يحلل عمليات داعش وفظاعاته في العراق في سهل نينوى حيث المسيحيين، وفي وادي النصاري في حمص حيث الوجود التاريخي الاصيل للمسحيين المشرقيين يدرك أن المطلوب كان مزيد من التهجير للمسيحيين من المشرق وبما يجعل دولا مثل سوريا والعراق بمثابة دول ذات لون ديني واحد كي يتم تبرير يهودية الكيان وعلى قاعدة أنه وطالما أن الدول المحيطة بالكيان هي دول ذات لون ديني واحد فأن من حق الكيان أن يكون دولة يهودية ذات لون واحد لا مكان فيها لغير اليهود وبما يتيح ويشرعن تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة ومناطق العام 1948.

وفي التدليل على النهج الامريكي المتواصل والمحموم والعابر للادارات سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية القائم على خلق دولة يهودية في فلسطين تستلزم في المقابل خلقا وتحريضا للشعور الديني الطائفي والمذهبي في المنطقة بطولها وعرضها، من المهم الالتفات إلى تصريحات هيلاري كلينتون التي اعترفت باستخدامها وكل ادارة اوباما لورقة الجماعات الاسلامية في المنطقة، بل إن ذهاب الرئيس اوباما إلى استانبول مع بداية توليه فترته الرئاسية الاولى كي يوجه خطابا للعالم الاسلامي من استنبول التي كان هناك في مراكز البحث الغربية من نظر (بتشديد الظاء) أن تركيا وبموقعها السني وتحت حكم الرئيس اردوغان القريب من احدى الجماعات الدينية المتنفذة في المنطقة بامكانها أن تقود مشروعا سنيا يمكنه أن يواجه أيران الشيعية في المنطقة. ولم تكن من باب المصادفة أن فترات الازهار غير المسبوق في الاقتصاد التركي كانت تلك الفترة التي تزامنت فيها مع المشروع الامريكي المشار اليه، ومع السنوات الاولى فيما سمي بالربيع العربي. وعلى الارض، فمن قاد مشروع انشاء الدولة الكردية في العراق، وها هو يقود انشاء دولة كردية اخرى في شرق سوريا تمهيدا لخلق الدول الكردية الكبرى في تركيا هم الاميركيون. وعلى مقربة كيلومترات قليلة يقود الاميركيون والبريطانيون جهدا متواصلا للنفخ في حالة انفصالية ومذهبية في جنوب سوريا لقيادة مشروع دولة درزية انفصالية في السويداء.

في الاستراتيجية الامريكية فان مبدأ يهودية الدولة لا يمثل هدفا نهائيا لذاته، بل هو هدف يحقق الوصول إليه مجموعة من الاهداف، وهو ليس الهدف الحقيقي وإن كان يشكل أم السياسات الامريكية، فمبدأ يهودية الدولة يخدم الهدف الامريكي الكبير وهو ابقاء السيطرة والهيمنة والسطوة الامريكية على المنطقة وشعوبها ومواردها وأرضها، ففي الاستراتيجية الامريكية فان اضفاء الطابع اليهودي للكيان يعني ابقاء المنطقة ضمن دائرة الصراعات الدينية والمذهبية وبالتالي إمكانية الابقاء على الشقوق الدينية والمذهبية والعرقية في هذه المجتمعات وبما يتيح للامريكي الدخول من خلال هذه الشقوق المذهبية والطائفية والتحكم في مسارات الامور فيها. فالتجربة بينت أن الطائفية والمذهبية والعشائرية كانت تخلق شقوقا وتشققات في الجسم العربي تتيح للامريكي والغربي أن يدخل من خلالها ليتلاعب، وينهب، ويسيطر. ففي الاستراتيجية الامريكية العميقة، فان يهودية الكيان سوف تستفز الهويات الطائفية والدينية في المنطقة من سنية، وشيعية، وعلوية، ودرزية، ومسيحية ما يبقي المنطقة كلها في حال من التشرذم والتجزئة. فالمطلوب امريكيا وغربيا أن تبقى هذه المنطقة تحت السيطرة، وأما ما يبقيها تحت السيطرة فهو سلوك اهلها وفق هوياتهم الدينية والطائفية والمذهبية المتناحرة، وعليه فينبغي أن تكون اسرائيل يهودية كي تستفز الهويات الدينية والطائفية والمذهبية في المنطقة، وأما كي تكون اسرائيل يهودية فينبغي تصوير كل ما يجري في المنطقة على انه صراعات مذهبية وطائفية ما يبرر لاسرائيل أن تكون دولة دينية يهودية طالما أن الاخرين لا يتصرفون الا باعتبارهم اعضاء في جماعات ودول دينية ومذهبية وطائفية.