وعاد عداد الدم
لم تكن هدنة بالمفهوم العسكري، كانت إجازة من الموت، تأجيل الترحيل والتهجير والتدمير، توقف عن ضخ الحقد والكراهية من أجل توفير المخزون لها.
عمليات جزّ العشب، مصطلح صديق للبيئة لكنه تحول لمفهومٍ عنصريٍ وحشي صهيوني، فهو يعني شنّ الحرب العبثية العشوائية على غزّة والضفة الغربية بين فترةٍ وأخرى، من أجل ضمان عدم استقرار الفلسطينيين، والعمل على تدمير أية بوادر للمقاومة المسلحة.
حتى في أيام ما سميت بالهدنة، كانت آلة الحقد العنصرية تتحول إلى مخيم جنين وطولكرم ورام الله، ولم يتوقف عداد الشهداء والجرحى والمعتقلين.
حتى أن عديد من تم اعتقالهم في الفترة القريبة، يعادل أو يفوق عديد الذين أطلق سراحهم من معتقلي الفلسطينيين ضمن عمليات تبادل الأسرى بين المقاومة في غزة وبين الاحتلال.
إنها أبداً لم تكن هدنة، بل هي إعادة التقاط الأنفاس وتجميع الجهود وترتيب الخطط ومراجعتها، فهذا الكيان قائم على مغالطات تاريخية مأزومة تجعله حبيساً لأفكار وعقيدة مشوهة بأنهم شعب الله المختار وأنهم مرفوع عنهم المساءلة فيما يقترفونه من جرائم ونقائص، وأنهم منذورون لقتل الغوييم « الأغيار» والأغيار لا تقتصر علينا فقط، فهي تعتمد على البراغماتية الصهيونية التييمكن لها أن تعيد تجيير المصطلح ليشمل أية أعراق وأية أديان وأية مجتمعات.
ليس هذا فقط، فهناك الترّهات الصهيونية من قبيل ترداد مصطلح صهيوني تم فرضه بليلٍ على العالم بأسره ومفاده « معاداة السامية أو اللاسامية» والسامية تستخدم كانتساب لسام ابن نوح، وعلى هذا فالعالم كله يعود بهذا النسب إلى سام، لكن صهيون يقصر النسب عليهم في مفارقة فاضحةٍ عندما يرى ويعتبر أي يهودي بغضّ النظر عن منبته وعرقه، فهو سامي، ولو أردنا تتبّع منبت مواطني كيان صهيون لوجدناهم ينتمون لكافة الأعراق والأطياف والألوان البشرية الممتدة من اليابان إلى الأرجنتين.
أما العرب أبناء هذه البلاد من آلاف السنين، والذين هم فعلاً امتداد وانتساب إلى سام ابن نوح، فهؤلاء في التعريف الصهيوني التوراتي التلمودي « أغيار» وهم الذين يمكن بقتلهم وتعذيبهم ونفيهم التقرّب إلى إله الصهيونيين بهم.
يتحدثون عن كراهيتنا لهم وأننا نريد رميهم في البحر، لكنهم لا يتحدثون عن مناهجهم وكتبهم التي يدرسونها لأطفالهم ويرضعونهم ياها كما الحليب والمكتظة بكل الحقد والكراهية للعرب وعقدة الهولوكوست وحائط المبكى الذي اخترعوه ليبقى العالم المزيف يركع أو يسجد عند الحائط بكاءً على ضحايا المذابح النازية لتتحول إلى دعم بأموال وأسلحة وبنية تحتية وتقنيات حديثة، على أمل الحصول على صكوك غفران ومسح الخطيئة المزعومة. فيما يتم احتلال أرض وتاريخ الفلسطيني العربي الذي لا علاقة له البتّة بتلك المذابح المزعومة، وتحميله وزر ما لم يرتكبه.
إنها ليست هدنة، كيف تكون الهدنة بين القاتل والقتيل. بين السجين والسجان، بين القاهر والمقهور، بين الظالم والمظلوم، المفتري والمفترى عليه، الغاصب والمغتصب، الناهب والمنهوب.
أما آن لهذا العالم متعدد الأوجه أن يقول كفى، كفى تزويراً، وتزييفاً، وتحويرا، وتحريفاً. فهذا الأساطير الصهيونية أثقلت العالم بأشكالٍ من القبح والإزدواجية في الروايات والخطابات والقرارات.
لكل شعب من شعوب الأرض هولوكوست وربما أكثر، ولها عذاباتها وتطلعاتها. إنه عالم ظالم متعسف ذاك الذي يرضى بمنح شذّاذ الأرض حقوقاً وهوية وتاريخاً وأرضاً على حساب أصحاب الحق في الأرض والتاريخ والهوية.