الاحتلال يواصل حرب الإبادة والتهجير.. فماذا بعد يا أردن ويا مصر؟



منذ انتهاء ما تسمّى "الهدنة الإنسانية" والكيان الصهيوني يصعّد من ماكينة قتله وإبادته ومخططات تهجيره لأهالي غزّة.. فهل سيصعّد الأردن ومصر من طرفهما كردّ فعل على هذا التصعيد؟

موقف الأردن ومصر ما يزال معلنا وثابتا وصريحا ضد تهجير الفلسطينيين، واعتبار ذلك بمثابة "إعلان حرب".. ولكن بعد حوالي شهرين من إنطلاق المذبحة، ها هو الكيان الصهيوني ماضٍ في مخططات الإبادة والتهجير بزخم ووحشية أكبر، ومحاولة فرضهما كأمر واقع من خلال تحويل غزة (وبؤر المقاومة في الضفة) إلى خراب يفتقر إلى أبسط مقومات العيش والبقاء، وبضوء أخضر ودعم أمريكيين وغربيين يفوقان ما شهدناه قبل "الهدنة".

الخطاب الرسمي الأردني كان حتى الآن متقدما بأشواط قياسا بخطاب بقية ما تسمّى "دول الاعتدال" العربية.

وموقف الأردن اتخذ مع تفاقم الأحداث مسارا تصاعديا، وصولا إلى استدعاء السفير الأردني لدى الكيان الصهيوني والطلب من سفير الكيان عدم العودة إلى عمّان ما لم ينتهي العدوان، وتجميد السير قدما في إجراءات توقيع ما تسمّى "اتفاقية المياه مقابل الطاقة"، والتلويح بإعادة النظر في جميع الاتفاقيات والمعاهدات الموقّعة من الكيان الصهيوني بما في ذلك معاهدة "وادي عربة"، واعتبار ما يقترفه الكيان بحق الفلسطينيين "جرائم حرب" تجب محاكمة المسؤولين عنها وفق القانون الدولي.

وعلى الأرض، استطاع الأردن أن يحشد توافقا دوليا لاستصدار قرار من الجمعية العمومية للأمم المتحدة بوقف العدوان صادقت عليه (120) دولة حتى وإن كان هذا القرار غير ملزم.

كما قام الأردن عند نقطة معينة بتحريك قطاعات من قواته المسلحة وإعادة تموضعها في منطقة الأغوار لإيصال رسالة مفادها أنّه لن يتردد في التحرك عسكريا إذا اقتضت الضرورة.

كلّ هذه الخطوات مهمة ومحمودة وتتكامل مع نبض الشارعين الأردني والعربي اللذين يقفان قلبا وقالبا مع إشقائهم الفلسطينيين الواقعين تحت نير الاحتلال والإبادة الجماعية.

ولكن ماذا بعد؟!

كلّ الجهود الأردنية والعربية والدولية لم تؤتِ أكلها لغاية الآن، وها هو الكيان الصهيوني بعد "الهدنة" يصعّد أكثر، و"على المكشوف"، ولا يستثني شبرا من قطاع غزة أو زقاقا في الضفة الغربية، ولا يعبأ بحجم المجازر وأعداد الضحايا.. فهل سيستمر الموقف والتحرّك الاردني بنفس الوتيرة السابقة، أم أنّ الأردن سيصعّد من خطابه وإجراءاته استشعارا منه لخطورة الأوضاع ومآلاتها على الأرض؟

هل سيقطع الأردن علاقاته الدبلوماسية نهائيا مع الكيان الصهيوني عوضا عن الاكتفاء باستدعاء السفير؟ هل سيقطع الأردن العلاقات التجارية والتبادل التجاري مع الكيان؟ هل سيمضى الأردن قدما في وضع جميع الاتفاقيات والمعاهدات الموقّعة مع الكيان على طاولة المراجعة والنقاش أمام مجلس النواب؟ هل سيعيد الأردن مادة "القضية الفلسطينية" إلى المناهج المدرسية والجامعية؟ هل سيعيد الأردن العمل بـ "خدمة العلم"؟ هل سيبادر الأردن لاعتماد صيغة لتدريب وتسليح المواطنين كما طالبت الكثير من الشخصيات الوطنية كرد على قيام الكيان الصهيوني بتسليح قطعان مستوطنيه؟ هل سيعيد الأردن النظر في الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص استخدام القواعد العسكرية الأردنية كنوع من الضغط على الحليف الأمريكي؟هل سيفرض الأردن ضوابط ورقابة أكبر على المشاريع المموّلة التي تنفّذ عبر ما تسمّى "مؤسسات المجتمع المدني"؟ هل سيعلن الأردن حالة التأهب والاستنفار والتعبئة العامة إذا اقتضت الضرورة؟

وماذا عن "القوة الناعمة"؟!

نحن نعرف أن السلطات الأردنية استطاعت خلال العشرين سنة الماضية إحكام "نفوذها" على جميع القوى المدنية في الأردن مثل الأحزاب والنقابات والحِراكات واتحادات الطلبة والمدارس والجمعيات ووسائل الإعلام بشقيها الرسمية والمستقلة.

لماذا لا تأخذ السلطات الأردنية المبادرة، وتقوم هي بـ "تحفيز" هذه القوى المدنية التي بدأ اليأس والقنوط يدبّان في أوصالها من هول الجرائم المقترفة وانعدام الأفق، وحثّ هذه القوى على تصعيد حراكها وخطابها، وبما يكفل للسلطات ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد:

أولا، قدرة الأردن على إيصال ما يشاء من رسائل صارمة إلى الكيان وحلفائه والقوى الدولية دون أن تحتسب هذه الرسائل كمواقف رسمية على الدولة الأردنية.

ثانيا، إظهار اللحمة الوطنية والتكامل بين الموقفين الشعبي والرسمي في ضوء التصعيد الصهيوني الأخير.

ثالثا، عدم إفساح المجال أمام المشكّكين والمغرضين للتصيّد في الماء العكر، واتهام الموقف الأردني بالتراجع والتراخي، أو الرضوخ طوعا أو كرها لأي مخططات وتفاهمات وترتيبات أقرّها الكيان الصهيوني وحلفاؤه وداعموه خلال ما تسمّى "الهدنة".

ما ينطبق على الأردن ينطبق على مصر، بل إنّ قدم مصر "في الفَلَقَة" أكثر من الأردن بكثير لاعتبارات أساسية أهمها:

1- أنّ مصر وسيناء هي بؤرة مخطط تهجير أهالي قطاع غزة، وربما في المستقبل إنشاء دولة فلسطينية "بديلة" لا تضم فقط "الغزّاويين"، بل أيضا مبعدي الضفة الغربية وفلسطينيي الأراضي المحتلة (الـ 48) وفلسطينيي مخيمات الشتات.

2- أنّ مصالح مصر الإستراتيجية فيما يتعلّق بقناة السويس وسيناء والطاقة على المحك في ضوء مشاريع "السلام الاقتصادي" المزمعة، والتي تأتي الحرب على غزة كجزء من ترتيباتها.

3- أنّ مصر على المدى البعيد هي "الخطر" الذي لا بدّ من تصفيته والتخلص منه، باعتبار أنّ مصر هي القوة العربية الوازنة الوحيدة المتبقية (وإلى حدّ ما الجزائر) بعد تدمير العراق وسوريا. والجيش المصري بحجمه وعدّته وعتاده وتاريخه وعقيدته القتالية هو التهديد الوجودي لنظرية "الأمن القومي الصهيوني"، والتفوّق العسكري الصهيوني في المنطقة.

الأردن ومصر أكبر المتضررين من مخططات الإبادة والتهجير التي ينفّذها العدو الصهيوني، لذا هما مطالبان أكثر من غيرهما بتصعيد تحرّكمها في وجه التصعيد الصهيوني الحالي، حماية لأمنهما القومي ومصالحهما الوطنية العليا، والأهم، في حال نجاح المخططات الصهيونية لا سمح الله، تلافي ظهور حركات راديكالية أو متطرفة مشبوهة تتهمهما هما وبقية الدول العربية بالتقصير في نصرة غزة وفلسطين، أو التواطؤ والتماهي مع مخططات تصفية القضية الفلسطينية.