"قبضة الأحرار".. من مسلسل إلى وعد تم الوفاء به

 

يؤكد استدعاء جمهور مواقع التواصل الإجتماعي لمسلسل "قبضة الأحرار" حاليا، أنه أقرب إلى "وعد" منه إلى مسلسل درامي. فالعمل الذي أنتج وعرض في رمضان الماضي يكاد ينقل صورة طبق الأصل عن عملية "طوفان الأقصى"، بدءا من كشف جواسيس الاحتلال، إلى أسر عدد كبير من جنوده. وعرض المسسل على قناة الأقصى بالإضافة إلى أكثر من 32 قناة عربية أخرى.

ورغم الإمكانيات المتواضعة الواضحة على الشاشة، فإن الطموح الفني لمخرج العمل والصدق الذي بدا واضحا في سيناريو العمل، يشيران إلى إبداع مغاير لأغلب ما يطرح حاليا على الساحة الفنية العربية، ويظهران التناقض بين دراما لا تهدف إلا إلى الترفيه، في مقابل عمل يحمل رسالة وطنية وعقائدية في الوقت نفسه.


ولعل المصطلحات العسكرية التي انتشرت على لسان الناس مثل "المسافة صفر" والتي ظهرت في فيديوهات كتائب القسام عن الحرب الدائرة حاليا، قد ظهرت أولا في مسلسل "قبضة الأحرار"، وكأن المسلسل كان "بروفة" أخيرة للعملية التي زلزلت إسرائيل.

قبضة الأحرار
قبل تقديم القصة، يقدم المنشد عبد المجيد عريقات أغنية المقدمة التي تلامس القلب وتعدّ المشاهد لاستقبال ملحمة مشاعر وطنية، وخاصة حين يغني:

يا صفحة كتاب النصر وسطور عزتنا
بالدم.. بدموع النصر عطرتوا سيرتنا

ويتناول المسلسل المحاولات الصهيونية الحديثة لاختراق قطاع غزة عن طريق تسلل بعض المستعربين وعملاء وجواسيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" إلى القطاع لتنفيذ مهام متنوعة من اغتيالات وتعقب وتجسس. ويستعرض "قبضة الأحرار" جهود المقاومة المستمرة في مواجهة هذه المحاولات والتي تستند إلى إدارة علمية وهيكل قيادي متدرج يؤكد حرص المقاومة على حماية الشعب الفلسطيني، وتنجح في كشف عدد كبير من المخطّطات قبل تنفيذها في أماكن مختلفة، وأوقات مختلفة ايضا.

ويعكس العمل الذي أنتج وصُور في غزة حالة الغطرسة التي أعمت الاحتلال عن رصد خطة عملية "طوفان الأقصى" بملامحها الواضحة.

وإذا كانت رئيسة وزراء الاحتلال السابقة غولدا مائير قالت "إن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون وسرعان ما ينسون"، فإن صناع " قبضة الأحرار" قد يضحكون الآن بصوت عال مؤكدين أن "الإسرائيليين لا يشاهدون المسلسلات، وإذا شاهدوها سيمنعهم غرورهم من تصديقها".


المسلسل للكاتب فارس عبد الحميد بمعاونة الكاتبة تسنيم المحروق، ومن إخراج محمد خليفة بمشاركة حسام أبو دان، وإنتاج دائرة الإنتاج الفني بغزة. وهو من بطولة الفنان رشاد أبو سخيلة، وأحمد فياض، وغسان سالم، وحامد حسونة، ورائد قنديل، وجواد حرودة، وزهير البلبيسي، وحسن الخطيب، وصفاء حسني، ونيفين زيارة، ورائدة أبو دية، وميرفت محمود، وضياء بارود، وأحمد النجار.

المفارقة الأولى.. مسلسل احترافي لمجموعة هواة
إذا كان صمود أهل غزة معجزة حقيقية تدفع الأوروبيين والأميركيين العاديين إلى التساؤل والبحث عن أسبابه، فإن مفارقة "قبضة الأحرار" هي إنتاج مسلسل احترافي تم من خلال مجموعة هائلة من الهواة والمتطوعين الذين وصل أكبر أجر تقاضاه أحدهم -وهو بطل العمل- إلى ثلاثة آلاف دولار، وهو رقم يؤول إلى الصفر إذا قورن بأجر أي ممثل صف رابع في مسلسل مصري.

أما الإضاءة، فتقدم الشاشة معلومات واضحة عن استخدام إضاءة المصابيح العادية، حيث تكتفي مشاهد "الليل – خارجي" بنور مصابيح الشوارع، و"النهار – خارجي" بنور الشمس. لكن العمل يدور حول عمل عسكري وأمني سري متصل، وبالتالي فإن نور المصابيح بضعفها وعدم قدرتها على التعبير وتوجيه مشاعر المشاهد، كان هو الغالب على العمل.

ولم تكن الكاميرات المستخدمة بأفضل حال من الإضاءة، فقد جاءت متواضعة، فضلا عن زوايا التصوير ومدى ثبات الكادر، ولم يكن ذلك إلا بسبب الاستعانة بمصورين هواة أو كاميرات قديمة نسبيا في غزة المحاصرة منذ أكثر من 16 عاما، فلا كاميرا ولا قلم رصاص.

وكما جاء التصوير والإضاءة بمثابة إعادة اختراع لهذا العالم، جاء الأداء التمثيلي صادقا نقيا دون تقنيات أو ادعاء، رغم بطء الحركة الذي صنع في الكثير من الأحيان حاجزا بين المشاهد والعمل، وخاصة في مشاهد القتال والمطاردات التي كانت تتطلب إيقاعا مغايرا في حركة الممثل نفسه، وبالطبع تقنيات غير متوافرة لضبط الإيقاع مع قدرة المشاهد على المتابعة.

ورغم ذلك، فقد اجتهد أبطال العمل في محاولة ضبط الانفعال ليكون متسقا مع الموقف، فجاء الأداء نسخة منه في الواقع الاجتماعي -وخاصة في المشاهد الأسرية باستثناءات قليلة- ليقدم الممثلون والممثلات فيه ردود أفعال أعلى مما هو مطلوب، أو أقل كثيرا منه.

وما يميز الأداء بالفعل، هو تلك الألفة التي جعلت من المقاومين أشبه بأقارب للمشاهد وليسوا ممثلين، بل إن الصدق يدفع للتصديق بأنهم مقاومون بالفعل.

المفارقة الثانية.. دراما فنية من إنتاج مقاومة عسكرية
تبدو المفارقة الثانية بديهية للبعض، وهي أن تنتج حركة المقاومة الإسلامية "حماس" دراما فنية، لكن واقع الأمر أن ذلك الخيال الجامح إلى حد التطابق مع مستقبل لم يتخيله إلا أصحابه، لا يصنعه سوى خيال فنان، وهو طبيعي جدا لا مفارقة فيه، فدائما يبقى الحلم للفنان، وتحقيق الحلم للعالم، وتأمين الحلم للمقاتل الصامد.

ولعل ما يؤكد وجود هذا الاتجاه هو تلك المسؤولية التي تولاها القائد العسكري الفلسطيني الأبرز محمد الضيف عن اللجنة الفنية في الكتلة الإسلامية الإطار الطلابي لحركة حماس إبان نشاطه في مجلس طلاب الجامعة الإسلامية التي تخرج فيها عام 1988 بعد أن حصل على البكالوريوس في العلوم (علم الأحياء).

أما ما يؤكده الآن، فهو التكريم الذي حظي به صناع العمل وأبطاله في حضور القائد والسياسي الفلسطيني يحيى السنوار في مايو/أيار 2022.


ورغم ما قيل عن نشأة فكرة إنتاج العمل ردا على مسلسل فوضى وغيره من المسلسلات التي أنتجتها شبكة نتفليكس، والتي طرحت سردية الاحتلال وخاصة عن جواسيسه وأسست لها باعتبارها حقيقة، وبعيدا عن نفي رئيس دائرة الإنتاج الفني في حماس محمد الثريا لهذا الأمر، فإن المفارقة الحقيقية هي تحوّل "قبضة الأحرار" إلى فعل أصلي دخل من باب الدراما، واستدعاه المشاهد من التاريخ، ليؤكد ثوابت النضال الفلسطيني، ويوثق واقعا ينضح بالتضحية والفداء والعزم.

والأهم من كون العمل فعلا أم رد فعل، هو ذلك الاهتمام الذي توليه المقاومة لكشف السردية الزائفة للاحتلال، وإحلال السردية الفلسطينية للوقائع كما حدثت، وهو طموح يعد ضرورة خاصة في ظل انتشار السردية الزائفة للاحتلال في العالم.

المصدر : الجزيرة