صنّاع أفلام يبحثون ضمن "كرامة/ فلسطين" سُبُل مقاطعة سرديّة الاحتلال
بحث صنّاع أفلام وحقوقيون وأكاديميون آلياتٍ من شأنها أن تُفضي إلى مقاطعة سردية الاحتلال الإسرائيلي في المحافل السينمائية الدولية. وخلال طاولة مستديرة الْتأمت في المركز الثقافي الملكي في العاصمة الأردنية عمّان، ضمن فعاليات الدورة 14 (دورة فلسطين) من مهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان"، تدارس مجتمعون تحت عنوان "لازمنا اجتماع"، جوهر المعضلة التي مسّت، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وعموم فلسطين المحتلة، أركان معادلة حقوق الإنسان، وهو مساس جاء كنتيجة حتمية لبروبوغاندا أوروبية، ونفاق غربي، يتغاضى بإصرارٍ عن جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم التطهير العرقيّ التي يرتكبها جيش العدوان بحق المدنيين وأنفاس وجودهم، ومساكن أمنهم، ومستشفيات جراحهم، ومدارس ملاذهم، ودور عبادتهم، وأسواق معيشتهم.
المشاركون في طاولة "لازمنا اجتماع"، ومنهم ممثلون عن مهرجانات سينما حقوق الإنسان، وعن السينما المستقلة عبْر العالم؛ من السودان، واليمن، وتونس، ولبنان، وإيطاليا، والصين، والنرويج، وسوريا، وفلسطين، والأردن، ناقشوا آليات التصدّي للرواية الإسرائيلية من خلال المنصات العالمية، ومهرجانات السينما بهدف "عزل البروباغندا الإسرائيلية". كما أكّدوا على ضرورة تعزيز الالتزام بمختلف سبل المقاطعة الثقافية لإسرائيل وممثليها في هذه المحافل، مع "ضرورة الحفاظ على وجود المجتمع السينمائيّ الداعم للقضية الفلسطينية وقضايا مجتمعات الجنوب وبلدانه، خلال انعقاد تلك المحافل، ومشاركته الفاعلة، سعيًا للتأثير، ونقض السرديّة المدّعاة، وتعزيزًا لسردية الحق والحقيقة".
المجتمعون ناقشوا بعمقٍ مقترح تشكيل تحالفات مع المهرجانات السينمائية على وجه العموم، ومهرجانات أفلام حقوق الإنسان على وجه الخصوص، لتعزيز "الوعي حول ضرورة التصدي لزيف البروباغندا الإسرائيلية وأضاليلها".
المحور الثاني الرئيسي الذي ناقشة اجتماع الطاولة المستديرة، هو كيفية الاستفادة من الأفلام التسجيلية كوثائق قانونية حقوقية يمكن استخدامها في مرحلة ملاحقة الجناة، وانعقاد محاكم جنائية دولية لتحقيق العدالة الإنسانية، والانتصار للضحايا والمظلومين.
المجتمعون تدارسوا، إلى ذلك، كيفية مواجهة المؤسسات والهيئات والجهات التي تقدم الدعم السياسي والغطاء الإعلامي و"الفكري" لارتكاب حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والجرائم في الضفة الغربية.
وأكّدوا، في سياق متّصل، على ضرورة استعادة شعوب الجنوب لأرشيفهم المصادر من دول الاستعمار القديم المتجدّد في أوروبا وعموم الغرب الاستعماري الكولونياليّ، وعلى ضرورة رَفْدِ أرشيف بلدان الجنوب بمحتوى مُتحرّرٍ من المنظوريْن الاستشراقيّ والاستعماري.
مجتمعوا الطاولة المستديرة خلصوا في ختام نقاشاتهم إلى ضرورة تكاثف الجهود في المرحلة المقبلة التي توقّعوا أنها سوف تشهد تصعيدًا على صعيد حرب السرديّات، وبما يشمل توسيع الشراكات، وتعزيز القائمة منها، ودعمها، ورفدها بالطاقات واللوجستيات عربيًا وعالميًا، وبما يُفضي إلى مزيد من العمل المنهجيّ والمؤسسيّ.
اجتماعٌ آخر شهدته فعاليات "كرامة 14" الاستثنائية الخاصة بفلسطين، هو الخاص بـ"الشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان- أنهار"، شارك فيه ممثلون عن مهرجانات كرامة الأردن، وكرامة اليمن، وكرامة بيروت، ومهرجان السودان للسينما المستقلة.
الاجتماع وضع على طاولة البحث الحالة الطارئة التي يرزح تحتها فريق مهرجان السجادة الحمراء- كرامة الفلسطينيّ في غزّة والشتات، وناقش آليات العمل على مختلف المستويات الإنسانية والحقوقية والتقنية، لتمكين الفريق خلال مرحلة العدوان والإبادة الجماعية الراهنة من الاستمرار والمواصَلة، والمسارات المتاحة في حال حدوث هدنة، أو وقفٍ للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أعضاء "شبكة أنهار" اتفقوا على مسودة خطة عمل من شأنها تدعيم العمل المشترك في ظل تداعيات القضية الفلسطينية على المشهد العالمي لصناعة الأفلام والسينما والشبكات والمهرجانات المعنية في الشؤون الحقوقية، وبما يشمل بنودًا تقترح التواصل مع مانحين عرب محتملين لحثّهم على تخصيص موارد تمويل للهيئات والجهات العاملة في مجال صناعة الأفلام، ليتسنّى لتلك الجهات والهيئات التحرّر من اشتراطات بعض الجهات الغربية المانحة وأجنداتها، وفي مقدمة تلك الأجندات، عدم دعم معظم مؤسسات المجتمع المدني الغربية، لأي حراك مجتمعي، أو نشاط سينمائي داعم للقضية الفلسطينية، ورافض لحرب الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزة.
في سياق آخر، وتحت عنوان "التدخل الفني في أوقات الحروب والأزمات"، وضمن برنامج "الهوية والمدينة" المنبثق من "كرامة لأفلام حقوق الإنسان"، يلتئم عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم الجمعة 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في قاعة مؤتمرات المركز الثقافي الملكي، "الملتقى الشبابي السنوي السابع" بوصفه منصةَ تعبيرٍ شبابية عن الآراء.
ومن عنوانها دورة هذا العام من الملتقى، فإنها تبحث فرص الفن في توجيه الرأي العام، وإحداث تأثيرٍ سياسيٍّ، اجتماعيٍّ، ثقافيٍّ واقتصاديٍّ في أوقات الأزمات.
إلى ذلك، تواصلت، وتتواصل فعاليات الدورة 14 (دورة فلسطين) من مهرجان "كرامة" بأفلام وثائقية وروائية وتحريكية، طويلة وقصيرة، غاصت عميقًا، وتغوص في جوهر فكرة حقوق الإنسان، تجلّت، وتتجلّى بوصفها صوت الناس، وأنّات المنسيين، وبقعة ضوء من أجل بائع كعك، أو لائذٍ بقارب نجاة أخير، أو باحث عن جرعة أمل داخل غرفة إنعاش الكرامة الإنسانية، أو رافضة لون البرقع الذي ينبغي أن ترتديه، أو معانقة شجرة زيتون تستمد من أغصانها العتيقة قوة تسندها وهي تواجه مدرّعة الاحتلال، أو صبية تحمل حلمها وتطير به نحوَ آفاق الاختلاف.