إلى أي مدى يمكن التعويل على مجلس الأمن؟


كتب: كمال ميرزا

لا توجد أمّة على وجه الأرض اكتوت بنيران الأمم المتحدة ومجلس الأمن مثل العرب والمسلمين.

وفكرة "الشجاعة" التي هبطت فجأة على الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" تبدو غير مقنعة.

وهناك ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن يمتلكون حق النقض (الفيتو) منخرطون فعليا في حرب الإبادة والتهجير التي تُشنّ على أهالي غزّة.

بريطانيا وفرنسا بطريقة غير مباشرة ومن تحت لتحت، والولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر وعلني ومفضوح.

بل إنّ الحرب على غزّة بعد ما تسمّى "الهدنة الإنسانية" قد أصبحت فعليّا حربا أمريكية خالصة تخوضها عصابة حرب الكيان الصهيوني بالوكالة عن أميركا!

لذا إلى أي مدى يمكن التعويل على قرار يصدر عن مجلس الأمن ويصبّ في مصلحة المقاومة وغزّة وفلسطين؟!

وفي المقابل، في حال صدور قرار بالفعل، أي "مصائد" و"ألغام" يمكن أن يتضمنها القرار ضد المقاومة وغزّة وفلسطين؟!

الكيان الصهيوني وأميركا قد "صعدا على الشجرة" بعد التصعيد الأخير، ولا يجدان طريقة للنزول تحفظ لهما ماء الوجه، ولا تظهرهما بمظهر العاجز والمُجبر والمهزوم أمام بطولات المقاومة وصمود أهل غزّة.. خاصة أنّ "نتنياهو" وزبانيته تنتظرهم المحاكمة، و"بايدن" وزبانيته تنتظرهم الانتخابات (وربما المحاكمة أيضا).

وأغلب الظنّ أنّ تحريك مجلس الأمن بهذه الطريقة يهدف إلى إخراج أمريكا والكيان من ورطتهما بذريعة وقف "الكارثة الإنسانية" في غزة، وهنا ينبغي الانتباه إلى عدد من المحاذير التي يمكن أن تتضمنها الديباجة والصيغة النهائية لأي قرار يمكن أن يصدر حتى مع وجود "روسيا" و"الصين" مثل:

- المساواة بين المجرم والقتيل، والجلاّد والضحية.

- المساواة بين العمل العسكري المشروع الذي أقدمت عليه المقاومة يوم (7) أكتوبر، وبين جميع جرائم الكيان الصهيوني قبل وبعد هذا التاريخ.

- إسباغ مصداقية وشرعية على أكاذيب الكيان الصهيوني وأميركا حول جرائم القتل والاغتصاب والعنف الجنسي المنسوبة للمقاومة يوم (7) أكتوبر.

- الاستمرار صراحة أو ضمنا باعتبار فصائل المقاومة الفلسطينية تنظيمات إرهابية، وعدم الاعتراف بها رسميا كحركات تحرّر وطني مشروعة.

- إعادة التأكيد على حقّ الكيان الصهيوني بالوجود والدفاع عن النفس، دون أن يقابل ذلك إقرار بحق جميع الفلسطينيين بالدفاع عن أنفسهم وتقرير مصيرهم بملء إرادتهم الحرّة.

- محاولة استغلال وتوظيف الانقسام الفلسطيني مرّة أخرى، من خلال نسبة أي أدوار متوقعة للفلسطينيين في منطوق القرار إلى السلطة الوطنية الفلسطينية (فاقدة الشرعية)، وليس للمقاومة وأذرعها السياسية المنتخبة.

- إرساء أرضية تحول دون محاكمة الكيان الصهيوني لاحقا على جميع "جرائم الحرب" و"جرائم الإبادة الجماعية" و"الجرائم ضد الإنسانية" و"الجرائم الجنائية" التي اقترفها بحق الفلسطينيين.

- مقابل وقف إطلاق النار، إلزام المقاومة بإطلاق سراح جميع أسرى الاحتلال لديها "دون شروط"، ودون حتى تبييض السجون الصهيونية، وفي حال امتنعت المقاومة أو ماطلت، اتهامها بمخالفة قرارات مجلس الأمن، وبأنّها هي التي لا تريد وقف الحرب، وبأنّها هي التي لا تلقي بالا بأرواح أهالي غزة والمعاناة الإنسانية التي يتعرضون لها.

- إرساء أرضية لإدخال قوات "ضامنة" إلى غزّة، لتقوم هي بإكمال المهمة القذرة التي عجز عنها الكيان الصهيوني، كإقامة منطقة عازلة دون أن يستطيع أحد القول رسميا أنّ هناك منطقة عازلة. أو تغيير الواقع السكاني لقطاع غزة، وإعادة موضعة سكانه، دون أن يستطيع أحد القول رسميا أنّ هناك نزوح وتهجير. أو تولّي مهمة التجسس على المقاومة، وحصارها، ومحاولة تفكيك قدراتها العسكرية، أو حتى إخراجها نهائيا من القطاع.. كلّ ذلك باسم "الشرعية الدولية" و"حفظ السلام".

خلاصة الكلام، ثلاثة وستون يوما لم يحرّك أحد خلالها ساكنا من أجل وقف حرب الإبادة والتهجير ضد أهالي غزّة، لذا، وفي ضوء التاريخ الطويل والتجارب السابقة، فإنّ الفلسطينيين والعرب والمسلمين هم أكثر أناس ينبغي عليهم الحذر من الشرف الذي يهبط على أصحابه فجأة، سواء مجلس الأمن والشرعية الدولية، أو دول عربية تحكمها على أرض الواقع نخب تلهث لهاثا للارتماء أكثر في حضن الكيان الصهيوني، ونيل رضاه واعترافه، وإقامة "البزنس" والاستثمارات والمشاريع العملاقة معه وباسمه!

أيّ قرارات تصدر عن مجلس الأمن والشرعية الدولية هي مزيفة وباطلة ومرفوضة ما لم تكن ممهورة بموافقة ومصادقة وشرعية المقاومة وأهالي غزّة أنفسهم!