"بنك الأهداف" يختتم (دورة فلسطين) من "كرامة لأفلام حقوق الإنسان"
بِعْرضِ الفيلم التسجيليِّ القصير "بنك الأهداف" (2021، 25 دقيقة) للمخرج الفلسطينيّ الشهيد رشدي السرّاج (1993-2023)، الذي قُتل على يدِ جيش الاحتلال الصهيوني في ٢٢ تشرين الأول/أكتوبر 2023، ضحيةً من ضحايا حرب الإبادة المتواصلة على الشعب الفلسطيني في غزّة، اختتمت في العاصمة الأردنية عمّان، برعاية وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار، الدورة الرابعة عشرة (دورة فلسطين) من "كرامة لأفلام حقوق الإنسان".
يوم الختام انتقل من يوم 11 كانون الأول/ديسمبر 2023، إلى يوم 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، بسبب تعليق الدورة لفعالياتها يوم 11 الشهر التزامًا بالدعوة للإضراب الشامل على مستوى العالم، لدعم أهلنا في قطاع غزّة الذين "يتعرّضون لحرب إبادة مُمنهجة تنفّذها الآلة العسكرية الإسرائيلية"، ولتؤكّد الدورة الاستثنائية رسالتها، وتعزّز انحيازها لِعنوان المهرجان في كل الأعوام: أفلام حقوق الإنسان.
ومما جاء في بيان تعليق فعاليات يوم الإضراب العالمي: "قلنا منذ انطلاقة هذه الدورة إننا لن نعتاد المشهد. وقلنا إن السينما فعل مقاوم". إدارة "كرامة" ختمت بيان التعليق بالقول: "المجد والإجلال للأرواح التي أُبيدت في قطاع غزّة والضفة الغربية. المجد للشعب الفلسطيني والشعوب المقهورة والمستضعفة في جنوب الأرض كافّة".
الكاتب نضال منصور مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين (CDFJ) وعضو مجلس إدارته، ألقى في ختام الدورة كلمة عرّى خلالها شعارات الغرب حول حقوق الإنسان، ومرّ على أرقام الشهداء من الصحافيين الذين تجاوز عددهم في اليوم الـ 67 للعدوان الصهيونيّ على قطاع غزّة الثمانين شهيدًا، من دون التطرّق لمن فقد من الصحافيين زوجته، أو أبناءه، أو أباه، أو أمّه، أو حفيده، أو، حتّى، كلَّ أسرته. منصور ختم كلمته بالقول إن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله.
صيحة مديرة "كرامة" المخرجة سوسن دروزة "لن أعتاد المشهد.. لن نعتاد المشهد" التي ردّدها معها جمهور يوم الختام، شكّلت لحظةً وجدانيةً معبّرةً وَفارِقة.
وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار أكّدت أن جهود أصدقاء وزارة الثقافة من الهيئات الأهلية، تشكّل رافدًا لعمل وزارة الثقافة وأجنداتها، مُثنيةً على ما قدّمه ويقدّمه "المعمل 612" حاضن "كرامة"، خصوصًا تظاهرته السنوية المتعلّقة بأفلام حقوق الإنسان. النجار تحدّثت عن الانسجام الهارمونيّ بين الموقفيْن الرسمي والشعبي الأردنييْن الرافضيْن لِما يجري في فلسطين (غزّة والضّفة الغربية) من جرائم ينْدى لها جبين الإنسانية.
المدير الفني لـ"كرامة" المخرج إيهاب الخطيب أعلن قبل عرض فيلم الختام، اسم الفيلم الفائز بجائزة "أنهار: الشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان"، والفيلم الفائز بجائزة الجمهور؛ حيث أعلن عن فوز الفيلم التسجيليّ الطويل "صارورَة.. المستقبل غير معروف" (2023، 72 دقيقة) للمخرج الإيطاليّ نيكولا زامبيلي بجائزة "أنهار"، وعن فوز الفيلم التسجيليّ الطويل "يلّا غزّة" (2023، 101 دقيقة) من إخراج الفرنسي رولاند نوريير بجائزة الجمهور. وكان أُعيد في يوم الختام الجزء من رسالة نوريير لجمهور (دورة فلسطين)، الخاص بإدانتهِ موقف حكومته الداعم للجرائم الصهيونية، وعن شعوره بِالعار من هذا الدعم المرفوض.
الخطيب، وبعد إعلانِه، أسماء الفيلميْن الفائزيْن، وفي سياق كلمته في نهاية دورة فلسطين، وحديثه عن فيلم الختام، قال: "الليلة نحن في حضرةِ مُخرِجٍ شهيد، قتلته (إسرائيل) في مدينة غزّة وهو يحمل الكاميرا. الليلة نحن في حضرةِ عملٍ توثيقيٍّ أصبح صانعُه جزءًا من الوثيقة. هُمْ لم يَكِلوا من تعبئةِ بنوكِ الأهداف لقتلِ كل ما ينبض بالحرية في غزّة، ونحن لن نكتفي في أن نكون شاهدين على الجريمة. سنقفُ جاحظينَ في وجهِ صَليِّ فولاذِ الكراهِية. السينما فِعْلٌ مقاوِم".
سبق فيلم "بنك الأهداف" رسالةٌ بالصوت والصورة وجّهها الإعلامي الفلسطينيّ الغزيّ وائل الدحدوح (أحد شهود الفيلم) لجمهور "كرامة"، عبّر فيها عن امتنانه لتخصيصِ هذه الدورة من "كرامة" لِفلسطين ومصابِ غزّة وأهلِها، كما استعاد في رسالته بعضَ دوره كمراسل صحفيّ ملقيًا الضوء على أوضاع خان يونس حيث استقرّ به مقام الانتقال من مكان إلى آخر داخل القطاع المستهدف كلّه، وقال إن الإعلاميين والصحافيين يعانون ما يعانيه الناس في غزّة؛ يجوعون كما يجوعون، وينزحون من مكان إلى آخر داخل القطاع كما ينزّح الناس، ويتعرّضون للمخاطر كما يتعرّض الناس، وإن أكبر دليل على تعرضهم لِلمخاطر هو العدد المهول من الشهداء الصحافيين، وبما يفوق مجموع عددهم في سنوات بالنسبة لصراعاتٍ وحروبٍ أُخرى.
"بنك الأهداف" كشف في دقائق قليلة لا-معقولية الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق فلسطين وأهلها. ولعلَّ القيمة الأولى للفيلم الذي استشهد مخرجه في الحرب التي تلت الحرب التي وثّقها في فيلمه، أنه يقول لنا إن العدوان المُفرط وجرائم الإبادة لم تحدث بسبب ما جرى في السابع من أكتوبر 2023، بل هي نهجٌ صهيونيٌّ منذ 100 عامٍ، وإلا فما هو تفسير تدمير أبراجٍ سكنيّةٍ بكلِّ طوابقِها وعلوّ وجودِها، كما وثّق "بنك الأهداف"، سوى أنه تدميرٌ منهجيٌّ مُدبّرٌ لمختلفِ أركانِ وجود الشعب الفلسطيني في غزّة، وَمسعى إبادة جماعية للناس والأنفاس والأحلام؟
يقدم الفيلم شهادات حيّة حول ما يعيشه الفلسطينيون الأبرياء تحت أيدي الاحتلال، ويسرد قصص المدنيين والصحفيين والمحامين، ويفضح إجرام الاحتلال خلال عدوان عام 2021، على غزّة.
أما أهم رسالة داخل ثنايا الفيلم، فهي أنْ لا بنك أهداف محدد يمكن أن يدّعي المُعتدي أنّه اعتمده، أو يعتمده حتى يومنا هذا، عندما يَشرع بالقصف الأعمى القاتل الجبان لِمساكن المدنيين والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، مما أدّى، وَما يزال يؤدّي، إلى مقتل مئات آلاف المدنيين الأبرياء، أو تهجيرِهم.
يطلعنا الفيلم بكثير من الأسى والألم، أنهم استهدفوا كل شيء، وكل شخص، وبجرميةٍ لم/ ولا يملك الفلسطينيون أمامها، إلا أن يواصلوا إسماعَ أصواتِهم، مطالبين بمحاسبةِ الاحتلال الصهيونيّ على المستوى الدوليّ.
يوم ختام الدورة الاستثنائية، شهِد، إلى ذلك، عَرْضَ الفيلم الوثائقيّ "تحت سماء دمشق" (2023، 88 دقيقة) للمنتج السوريّ طلال ديركي من إخراج هبة خالد وعلي وجيه. واحتشد للفيلم الذي يعرض لأوّل مرّة في الأردن والوطن العربيّ، جمهورٌ كبيرٌ غصّت به جنبات صالة فخر النساء زيد في المركز الثقافي الملكي، ولم تستوعب عددهم المقاعد التي أضيفت للمكان.
على مختلف الأصعدة حملت هذه الدورة الاستثنائية خصوصيّتها، وطرحت خياراتها، وجلبت للعرض أكثر الأفلام تقاطعًا مع مفردات قضية الشعب الفلسطيني، كيف لا وهي تحمل اسم (دورة فلسطين)، وأكثرها تعبيرًا عن آلام هذا الشعب، وعن سعيه لاسترداد كراماتِهِ وحقوقِهِ بالحرية والأرض والمستقبل البسّام.
وما بين فيلم الافتتاح "يلّا غزّة" (2023، 101 دقيقة) من إخراج الفرنسي رولاند نوريير، وفيلم الختام "بنك الأهداف" (2021، 25 دقيقة) للمخرج الشهيد رشدي السرّاج وكتابة شروق العيلة، وكلاهما دارا في فلك الموضوع الفلسطيني وتفاصيلهِ وحيثياتِه، عَرضت الدورة الرابعة عشرة زهاء 30 فيلمًا عن فلسطين، أو من فلسطين، بعضها من أرشيف "كرامة" الزاخر بالأفلام الفلسطينية، أو الخاصة بقضية فلسطين وأهلها.
مهرجان كرامة هو أوّل مهرجان دولي لأفلام حقوق الإنسان يُؤسَّس في الأردن. ومنذ انطلاق الدورة الأولى من "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" في عام 2010، وهو قريبٌ من قلب الحدث، وقريبٌ من نبض الإبداع الفكريّ والأخلاقيّ والفنيّ داخل العالم العربي وخارِجَه.