في كل تحدّ فرصة
في كل عام يكون هناك حدث استثنائي احيانا تأثيره يكون محصورا، وكثيرا ما يكون مؤثرا على العالم خاصة على الاقتصاد، وهذا الشيء الاكثر وضوحا في ظل التقلبات التي نشهدها منذ نحو ثلاث سنوات، مع ظهور تكتلات وقوى اقتصادية من مناطق مختلفة في العالم، تشي عن تغيير في المنظومة الاقتصادية العالمية.
عادة تعمل الدول على اختلافها ليكون اقتصادها قادرا على التكيف مع التقلبات الخارجية والمعطيات الداخلية، وتنظر في حجم امكاناتها وكيفية إدارة التحديات المختلفة، وتحويل الفرص الى حقيقي بهدف تخفيف التأثير السلبي لتداعيات الحدث على اقتصادها بشكل خاص من جانب، وتستغل المرونة الاقتصادية لتتحول معها هذه التحديات الى فرص واقعية.
هذا الامر بدأ يحدث في الاردن بشكل حقيقي، وهو بالمناسبة أمر مفرح بالرغم من كل الظروف السلبية التي تحيط بنا وتأثيرات الحرب الهمجية التي تشنها آلة العدو الصهيوني على قطاع غزة والقمع في الضفة الغربية، فعندما قرر أناس من الشعب كغيرهم من شعوب العالم غض النظر عن منتجات او شركات «فرنشايز» لشركات غربية تدعم العدو الصهيوني، تخوف الكثير من أن هذا الامر قد يزيد من الصعوبات على الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلق بخسارة الوظائف والتأثير على حجم الاستهلاك وانعكاساته على حركة دوران الاقتصاد، لكن هناك وجه آخر للعملة، هذا الامر دفع عددا من الشركات والمصانع المحلية لتفعيل خطوط إنتاجها بما يضمن تدفق السلع المرغوبة لدى شريحة واسعة من الناس واستبدالها بمنتج محلي، كما اتاح الفرصة امام تلك الشركات المستوردة للنظر في مصادر قريبة في دول الجوار لتوفير بدائل بنفس الكفاءة والسعر واحيانا اسعار اقل.
هذا الامر، حصل في اقل من شهرين، وله دلالات ايجابية يجب الاهتمام بها، فهي تشي بأن القطاعات التجارية والصناعية المحلية قادرة على توفير منتج او سلعة للمستهلك النهائي باسرع وقت، مع كفاءة مناسبة تضمن استمرارية الطلب عليه في حال تغير الظروف القائمة حاليا، كما انه يؤشر الى ثقة الجميع بالامكانات الخارجة من رحم الظروف الصعبة، فالمستحيل مجرد رأي وليس حقيقة، بل كل شيء ممكن فعله مع توافر الارادة.
هذا النجاح الذي نتمنى أن يستمر خاصة وانه حافظ بالقدر المستطاع على عدم زيادة البطالة في السوق المحلي، يمكننا سحبه على العديد من القطاعات ويمكننا البحث لتدعيمها ببدائل اقل كلفة واعلى كفاءة، فمثلا هناك فرصة حقيقية الآن للبحث عن شركات عالمية تعمل في قطاع التكنولوحيا تكون محايدة وتقدم كافة الخدمات بالسرعة والكفاءة والجودة المطلوبة، وبعيدة كل البُعد عن اي تجاذبات او تغيرات على الصعيد العالمي، وتوفر كل ما نريده بكلف قد تكون اقل وبجودة من المحتمل أن توازي او توافق ما نتعامل معه الآن في هذا الفضاء المفتوح.
كما أن هذا الامر، يُعتبر احد اهم الحوافز الداعمة للمبدعين والمبتكرين الاردنيين، فالمملكة تولي هذا القطاع وهذه الفئة اهمية خاصة، كونه يعتبر كقطاع التكنولوجيا احد روافع الاقتصاد الوطني، ليدعم احدهما الاخر ويخرج بمشاريع تتحق على ارض الواقع، بل ويمكن تصديرها للخارج، ومعه الوصول لهدف أن نكون مركزا للريادة في قطاع التكنولوجيا من خلال تنوع معرفتنا واطلاعنا بل وعملنا مع شركات مختلفة في هذا القطاع الدينامكي الهام، وبالتالي تزداد معه فرص الانتقاء امامنا وتتنوع الخيارات وتزيد معه القدرة على الابتكار.
الحياة اوسع بكثير من أن نبقى معتمدين على غيرنا في توفير احتياجاتنا، ونحن الآن برغم صعوبة ما يحدث حولنا وجدانيا بالدرجة الاولى، فإن الحياة لا تسير باتجاه واحد والظروف تدفع نحو التغيير احيانا كثيرة فيزيد معها اطلاعنا وتتوفر لدينا البدائل التي قد تمثل الفرص الحقيقية امامنا لنعتمد على ذاتنا.