الخذلان الأمريكي للحليف العربي، وما يتبع ذلك بعد انتهاء الحرب على غزة

 
 
تنطلق المواقف العربية من حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة من عدد من المبادئ وهذه المبادئ منسجمة مع تطلعاتها ومصالحها كقوى إقليمية تتمتع بتأثير كبير على المنطقة المشتعلة بالصراعات، وهو ما يفرض على القوى العظمى الإصغاء لها، " لم يظهر بعد أن اصغى لها أي من هذه القوى"، وأخذ ما تقوله بشكل جدي وهي تصوغ سياساتها تجاه المنطقة.

وبينما تتواصل المعارك في قطاع غزة، فإن الأنظار تتجه نحو "اليوم التالي" بعد الحرب، وعلى ضوء ذلك ذكرت مصادر اسرائيلية ان دولاً عربية مثلاً بعثت برسائل وصفت بأنها"غير عادية وواضحة".

تلك الرسالة حسب المصادر الصهيونية مفادها أن هناك أكثر من دولة عربية ترغب وبشدة أن تتولى السلطة الفلسطينية الحكم في غزة في أعقاب انتهاء الحرب بل أنها تعتقد بأن السلطة قادرة على ذلك.

من خلال هذه الرسالة التي أعلنت عن فحواها وسائل اعلام اسرائيلية، فإن هذه الأنظمة العربية تشير إلى إسرائيل بأنهم يراقبون عن كثب كل ما يحدث ويتوقعون منها أن تتحرك، في ضوء ما تريده.

وظهر جلياً من احاديث وزراء الخارجية العرب وبشكل علني، لما تشهده مواقفها من قبل منذ بداية الحرب في غزة، انها تريد ان تنقل للدولة العبرية بحزم مواقفها بشأن السيطرة المستقبلية على القطاع.

والسؤال الذي لم يجد بعد اجابه عليه إلا لدى حكومة الكيان الصهيوني، هو هل السلطة الفلسطينية قادرة على إدارة غزة؟، خصوصاً وأن الجميع يعرف قدرتها وقوتها على إدارة الضفة وانها أي "السلطة" قامت بكل شيء من أجل حماية الكيان الصهيوني من خلال ما يسمى بـ" التنسيق الامني ".

يبدو واضحاً أن بعض الدول العربيه وحليفتها الولايات المتحدة تضغطان من أجل أن تقوم السلطة الفلسطينية بالسيطرة من ناحية السيادة والأمن في غزة بعد الحرب، ولكن هل ستسمح اسرائيل بذلك؟.

في البداية علينا ان نعي تماماً أن عملية طوفان الأقصى قد أتت ولو بشكل مؤقت على اتفاق التطبيع الذي كان ليتم بوساطة أميركية بين إسرائيل والسعودية، وبالتالي فإن الموقف السعودي واضح في هذا السياق.

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تركت الحكومات العربية، "في موقف صعب، على الأقل على المدى القصير"، فهو موقف يتوق إلى الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي من شأنه أن يسهل عليها متابعة هدفها المتمثل في وقف الحرب على غزة.

من هنا برزت ضغوطات على الأردن ومصر في الداخل والخارج، إذ يدفع القادة الأميركيون والأوروبيون للقيام بدور قيادي في غزة ما بعد حماس، بينما تحث المجموعات الإقليمية والمحلية على دعم الفلسطينيين بشكل أكثر فعالية.

وبينما تشتد الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، برا وجوا وبحر، بالتزامن ترتفع أصوات تتحدث عن سيناريوهات غزة بعد تحقيق إسرائيل هدفها المعلن من الحرب وهو "القضاء على حركة حماس" التي تحكم القطاع، وهذا ما يرفضه الأردن وقطر اللذان عبرا وباستمرار عن ان حماس أمر واقع ولا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف من الظروف.

أحد السيناريوهات تشير إلى إدارة قطرية مصرية سعودية إماراتية للقطاع، لقطع الطريق على إيران التي تدعم حركة حماس، وتشكل تهديدا أساسيا لإسرائيل، إلى جانب تقليم أظافر روسيا التي تسعى لاستغلال ما يجري لتوسع نفوذها في المنطقة.

منذ بداية العدوان على غزة، نشطت الأردن ومصر عربيا ودوليا للضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها على الشعب الفلسطيني فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية له، والبدء بعملية سلام جادة تنهي الاحتلال وتؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل العام 1967، إلا ان الولايات المتحدة وإسرائيل لم تعد تصغي لهذه الدول ولا لغيرها من العرب.

واذا كانت الأردن ومصر هما من يقودان الحراك العربي لتحقيق ذلك، فإن هذا الطريق غير قابل لان يؤدي إلى وجود افق على الارض، فأسرائيل تضرب بعرض الحائط كل شيء لا يتوافق مع موقفها من المزيد من الحروب، إذا فإن ما تقوم به الدول العربية لا يتعدى كونه محاولات هي تعلم أنها لن تجدي ولكن عليها ان تقوم بها.

ولكن، ما هو سبب التعنت الأمريكي الاسرائيلي حيال الحلفاء من الدول العربية؟، ولماذا تصغيان للمطالبات العربية، رغم ما يصدر عن المسؤولين الامريكان حيال هذه المواقف.

منذ الساعات الأولى للعدوان على قطاع غزة وعقب بدء عملية "طوفان الأقصى"، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفا حادا وصارما في دعمها للاحتلال الإسرائيلي عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، في الوقت الذي امتنعت فيه -حتى الآن- عن المطالبة بوقف إطلاق النار بين الجانبين.

يرى مراقبون أن إدارة بايدن لا تملك ترف الإفصاح علنا عن مطالبتها للجانب الإسرائيلي بالحفاظ على حياة المدنيين الفلسطينيين، وأكدوا أن هذا يجري بلا شك خلف الأبواب المغلقة.

الولايات المتحدة من جانبها، تبرر موقفها الرافض لإنهاء الحرب الدائرة حاليا في غزة، بأنه لن يكون مفيدا، وأنه يجب إعطاء الوقت الكافي لإسرائيل، لإنهاء مهمتها في القضاء على حركة حماس، وهو نفس الخطاب الذي تصدره الحكومة الإسرائيلية، وترى الإدارة الأمريكية في نوع من التماهي مع هذه الخطاب الإسرائيلي، أن إنتهاء الحرب الآن قبل أن تحقق إسرائيل أهدافها، سيؤدي إلى استمرار وجود حماس، التي يمكن أن تعود لمقاومة إسرائيل من جديد في المستقبل.

اذاً، ماذا ينتظر العرب من الحليف الأمريكي؟، بعد أن بات واضحاً لهم تعامل إدارة بايدن المعيب مع الأزمة في غزة، الذي أسفر عن مقتل ما يزيد عن 19 ألف فلسطيني، وشجع اسرائيل، على تهديد أصدقاء واشنطن العرب وحلفاءها، وزادها جرأة.

ومصدر القلق الرئيسي للعرب هو أن الطريقة "المذلة” التي تتعامل بها اسرائيل مع واشنطن، وهي بذلك تكون قد أرسلت رسالة للعالم مفادها أن الأمريكيين ليسوا ضعفاء فقط، ولكن أيضا لا يمكن الوثوق بهم لدعم حلفائهم أو الدفاع عنهم.

هذا التعامل المتهاون المقصود من الولايات المتحدة، والغرب عموما، جعل اسرائيل تصدّر خطابا إعلاميا متصلّبا تجاه العالم يظهرهم كذبا بمظهر الطرف القوي، وهو الخطاب الذي تصاعد وأصبح أكثر مباشرة وفجاجة على وقع الأحداث المتسارعة التي شهدتها غزة والاراضي الفلسطينية المحتلة.

ولكن، الآن لدى الإدارة الأمريكية فرصة كي تُظهر أن فهمها للازمة جاء بشكل خاطئ، وتعلن أنّها لن تدع اسرائيل تفرض أمرا واقعا على غزة.

لا يوجد أحد في العالم فهم العقلية الصهيونية الإرهابية كما فهمتها الأردن ، التي حذرت وما زالت تحذر من خطرها، فإرهاب الأذرع المتطرفة واحد لا يتجزأ، والتخاذل والتعامي الغربي لم ولا يتغير حيال سلوك اسرائيل في فلسطين ولا واشنطن الداعم المباشر والمحرك لهذه الأذرع.

في النهاية فأن الولايات المتحدة لن تتمكن من فعل أي شيء ضد حرب الأبادة ما لم تأخذ في الاعتبار أن اسرائيل مصممة على استخدام غزة كورقة أساسية لفرض شروطها على إدارة بايدن، فإسرائيل ترى فرصة جديدة للتقدم في غزة وتعزيز وجودها هناك.