القنبلة، والسيارة، والنفق.. والحرب الدعائية!

 

فجأة تطالعنا وسائل الإعلام بخبر إخلاء مبنى في إحدى مطارات "ميامي" في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ورود معلومات عن وجود قنبلة.

وبعدها بساعات تطالعنا الأخبار باصطدام سيارة بإحدى سيارات موكب الرئيس الأميركي "جو بايدن"، الأمر الذي اضطر الحرس الخاص لإخلاء الرئيس والمكان.

وطبعا يكفي فقط إيراد مثل هذه الأخبار دون حتى الحاجة للإسهاب في تفاصيلها، وعندها سيتولّى المخيال الهوليوودي للأمريكان ومن لفّ لفيفهم تضخيمها وتهويلها تلقائيا، مستحضرين في أذهانهم عشرات الأفلام التي سبق لهم مشاهدتها، وتشرّبها، وتدور حبكتها حول وجود قنبلة أو استهداف السيد الرئيس.

وليس مستبعدا أن نسمع في الأيام القادمة المزيد من الأخبار على هذه الشاكلة، أو أن نشهد "أحداثا أمنية" فعليّة كبُر حجمها أم صغُر.

ما هو السر وراء ذلك؟

لا توجد أسرار، هو نفس الأسلوب الابتزازي الرخيص من أجل افتعال الإثارة و(الصصبنس)، وإحياء حالة الخوف والتوجّس و"فوبيا الإرهاب" لدى الأمريكان، وبما يسهم في ضرب أربعة عصافير بحجر واحد:

الأول، لفت الإنظار وتشتيت التركيز عمّا يحدث في فلسطين، وجرائم الإبادة والتهجير التي يقترفها الكيان الصهيوني هناك بشراكة ودعم وضوء أخضر مفتوح من الولايات المتحدة.

الثاني، تطويق وتحجيم وإضعاف حالة الوعي المتنامية لدى الشعب الأمريكي، خاصة فئة الشباب، تجاه شرور ومخاطر الصهيونية، وتجاه مثالب النموذج الرأسمالي الأمريكي نفسه الذي يمتص جهد وعرق الناس ودافعي الضرائب، ويصبّ في جيوب الأثرياء والبنوك والشركات العملاقة و"كارتيلات" النفط والسلاح وجماعات المصالح الخاصة.

الثالث، خلق جو عام يسوّغ عودة أميركا للحرب مرّة أخرى من خلال "المهمة الرسولية" الجديدة التي ستنفّذها الأساطيل الأمريكية وراء البحار ضد اليمن، وبالتعاون مع "التحالف الدولي"، وذلك من أجل حراسة "الازدهار" الذي هو جزء لا يتجزأ من "الحلم الأمريكي" و(our way of life)!

رابعا، تبرير ميزانية الدفاع الفلكية التي تم إقرارها مسبقا ضمن مشروع موازنة السنة القادمة، والتي ستصبّ طبعا في جيوب مصانع وشركات الأسلحة الكبرى، والمقاولين، والمورّدين، والوسطاء، والسماسرة، ومزوّدي خدمات الأمن والحماية و"المرتزقة" المستنسخين عن نموذج (بلاك ووتر) والشركات المشابهة.

بل مِن خلال التجارب السابقة، وقذارة السلطات الأمريكية التي لا تتوانى عن فعل أي شيء عندما تحسم قرارها بالشروع في تنفيذ أحد مخططاتها، لا يُستبعد أن يتم فبركة "حدث أمني" ما يستهدف إحدى المرافق اليهودية، أو إحدى الفعاليات والمظاهرات المؤيدة للكيان الصهيوني، أو حتى تلك المناصرة لفلسطين وأهالي غزّة أنفسهم.. وإلصاق التهمة بمتطرّفين فلسطينيين، أو عرب، أو "ذوي ملامح شرق أوسطية"!

وعلى الجبهة الأخرى ها هو الكيان الصهيوني يعلن مع شيء من "الطنطنة" عن اكتشافه نفقا كبيرا للمقاومة عند معبر "إيريز" قريبا من السياج الفاصل بين الأراضي المحتلة وقطاع غزّة.

السؤال: ما هو ردّ الفعل المُفترض من الإعلان عن اكتشاف النفق بهذه الطريقة؟ هل يُفترض أن يفرح سكّان الكيان أم يخافوا؟ وهل يُفترض أن يُعتبر هذا إنجازا أم فشلا؟

قبل حتى "طوفان الأقصى" وحرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين، أين كانت أجهزة استخبارات الكيان وحلفائه، وتكنولوجيتهم الفائقة، وأقمارهم الصناعية.. والمقاومة تحفر مثل هذا النفق "تحت أنف" الاحتلال؟

ومن أين تأتّى للمقاومة أساسا المعارف والخبرات والموارد والمعدّات لشق وتشييد مثل هذا النفق؟

ولماذا تأخّر اكتشاف هذا النفق كلّ هذا الوقت وهو في حضن الكيان؟

وهل ينتهي هذا النفق حقا عند معبر "إيريز" أم يمتدّ لأبعد من ذلك؟

طول النفق حسب المزاعم الصهيونية أربعة كيلو مترات، حسنا هذه (4) كم من أصل (500) كم، ماذا عن الـ (496) كم المتبقية؟ متى سيكتشفها الكيان؟ وكم من الوقت يحتاج؟ وما هي مواصفات هذه الأنفاق؟ وأين تبدأ وأين تنتهي؟

لو كنتُ "مواطنا صهيونيا" ورأيتُ الفيديوهات التي تبثّها السلطات الصهيونية لشعرتُ بالفشل والخوف أكثر مما أشعر بالإنجاز والاطمئنان!

مرّة أخرى، سنشهد غالبا في الأيام المقبلة المزيد من الأخبار على غرار الأخبار أعلاه، سواء فيما يتعلق بالداخل الأمريكي أو الكيان الصهيوني. ما يهم في مثل هذه الأخبار ليس الحيثيات والوقائع الحقيقية، ولكن المهم هو التوظيف "الإعلامي" و"الدعائي" لها، والغايات الظاهرة والباطنة من وراء هذا التوظيف!