عاجل - تسخين الجبهة الشمالية: من المستفيد؟
كتب كمال ميرزا -
مع ساعات الليل الأخيرة، طالعتنا وكالة "رويترز" للأنباء بخبر مفاده قيام طائرات سلاح الجو الملكي الأردني يوم أمس الاثنين بقصف أوكار لمهربي المخدرات والأسلحة في الجنوب السوري.
خبر "رويترز" تضمن اتهاما صريحا نقلا عن مسؤولين أردنيين لم يذكر اسمهم بوقوف "حزب الله" وجماعات مسلحة أخرى موالية لإيران وراء زيادة تهريب المخدرات والأسلحة إلى الداخل الأردني في الآونة الأخيرة.
الأردن من خلال الغارات التي نفّذتها طائراته الحربية أوصل رسالة قوية مفادها أنّه على استعداد للمضي قُدُما وقطع الشوط كاملا من أجل حماية وتأمين حدوده الشمالية ضد غولاء المخدرات والأسلحة.
والكرة الآن في ملعب إيران وحزب الله لإعلان موقف رسمي صريح تجاه المسألة، ونفي مسؤوليتهما المباشرة وغير المباشرة عن عمليات التهريب.
ونفس الكلام ينطبق على الدولة السورية التي يجب أن تضطلع بمسؤولياتها بهذا الخصوص، فإذا كانت الدولة السورية تطالب الآخرين باحترام سيادتها، فلا بدّ لها من ممارسة شيء من هذه السيادة حتى تُحترم!
وعندما نقول "نفي" و"تحمّل مسؤولة"، فالحديث هنا ليس عن مجرد كلام وتصريحات للاستهلاك الإعلامي، بل ترجمة هذه التصريحات عمليّا من خلال قيام سوريا وحلفائها بضبط الحدود من جانبهم، وإبداء الاستعداد للتنسيق الأمني وتبادل المعلومات الإستخباراتية، وحتى تنفيذ عمليات مشتركة من أجل تحقيق الهدف المُشترك بالقضاء على المهربين.
من جانبه فإنّ الأردن مطالب إلى جانب الدفاع عن جبهته الخارجية بالحفاظ على لُحمة وتماسك وتظافر جبهته الداخلية التي طالما كانت رأس ماله وعنوان أمنه وأمانه واستقراره، وذلك من خلال مطاردة أعوان هؤلاء المهربين في الداخل الأردني والقضاء عليهم، ومن خلال المزيد من المصارحة والمكاشفة والشفافية مع الرأي العام الأردني، طبعا في الحدود التي لا تمس باعتبارات الأمن الوطني وسرية المعطيات الأمنية والعسكرية.
فأول سؤال قد يتبادر إلى المواطن الأردني عندما يسمع مثل هذه الأنباء هو: تهريب المخدرات آفة قديمة جديدة يعاني منها الأردن وسائر دول الجوار، فلماذا زادت وتيرتها الآن؟
وما حاجة مهربي المخدرات بكلّ هذه الأسلحة المذكورة في التقارير الإخبارية، سواء من حيث الكم أو من حيث النوع؟
وهل هذه الأسلحة لغايات البيع والإتجار والتكسّب غير المشروع أم لغايات أخرى؟
وأين هي الوجهة النهائية لهذه الأسلحة؟ وهل الأردن كما في حالة المخدرات مجرد "دولة عبور" لهذه الأسلحة أم أنّ هذه الأسلحة يراد إدخالها لتبقى؟
وإذا كان هناك مؤامرة لزعزعة الأمن الداخلي في الأردن، فما هي الأهداف المحتملة لمثل هذه المؤامرة؟ وهل لاتفاقيات التعاون العسكري الموقّعة بين الأردن وبعض الدول الغربية، وإمكانية تواجد قوات لهذه الدول على التراب الأردني في إطار هذه الاتفاقيات.. علاقة بمثل هذه المؤامرة؟
بقاء مثل هذه الأسئلة معوّمة ومعلّقة وغائمة يُفسح المجال للتكهّنات والإشاعات والقيل والقال وترك الرواية والسردية للأطراف الأخرى وما قد يترتب على ذلك كلّه من آثار سلبية، لذا فإنّ المصارحة والشفافية وأخذ المبادرة مطلب لا بدّ منه، مرّة أخرى في حدود ما تسمح به المحددات والاعتبارات الأمنية والعملياتية.
من المبادئ الأساسية لإدارة أي صراع في عالم السياسة، قيام الأطراف المعنية بالبحث عن نقاط الالتقاء والاتفاق وتعظيمها والبناء عليها، وحصر نقاط الخلاف والنزاع ومحاولة عزلها وتحييدها.
وفي هذه المرحلة الحسّاسة، يُفترض أنّ الأردن وسوريا وإيران وكافة دول المنطقة بما في ذلك ما يسمّى دول "الاعتدال العربي" و"محور الممانعة".. جميع هذه الأطراف تجمعها غاية واحدة يتّفقون عليها وهي: رفض تصفية القضية الفلسطينية وسلب الشعب الفلسطيني حقّه بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وضرورة الوقف الفوري لحرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزّة والضفة الغربية، وربما على فلسطينيي الداخل في مرحلة لاحقة.
هذه الأولوية الوطنية والقومية والدينية والإنسانية يُفترض أن تطغى على أيّ خلافات أو نزاعات بينيّة بين دول المنطقة، بحكم أنّ إذكاء هذه الخلافات، والتجييش المتبادل، وزعزعة الأمن الداخلي لدول المنطقة، وإثارة القلاقل والبلابل ومحاولة إشاعة الفوضى داخل أيّ دولة من هذه الدول.. كلّ هذا يصبّ أولا وأخيرا في مصلحة "الكيان الصهيوني" ومخططاته المضمرة.
تحية إكبار لنشامى قواتنا المسلحة وسلاح الجو والأجهزة الأمنية، وبانتظار ردّ الفعل الرسمي للدولة السورية وإيران وسائر الأطراف المعنية إزاء التطوّرات الأخيرة.