74 يوما.. الصمت العربي على مشهد الموت في غزة - انها دفن الكرامة العربية
كتب أحمد عبدالباسط الرجوب *
تدخل الحرب على غزة يومها الرابع والسبعين، لتدخل أنفاق التفاوض من جديد وتشتدّ معها آلة النار على خط واحد، فعملية التفاوض على تبادل الاسرى ظهرت من جديد والتفاوض بشانها من خلال الثالوث الامريكي القطري المصري مع طرفي الحرب المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال العنصري الصهيوني. ما يتقدم على هذه المفاوضات مشهد الموت في غزة، فالموتى لا يحلمون بمواراة جثامينهم الثرى على وقع اجتياح بربري صهيوني، فلا المقابر الوادعة أصبحت تتسع للشهداء، ولا الجثث أصبحت تجد التراب الذي تنشده. وعلى هذا المشهد المفتوع على مرآى ومسمع من المجتمع الدولي الذي سقط في حفرة عميقة، جاء الضمير العربي ليكتب بالانشاء العربي الوحشية الصهيونية وما يفعله الارهابي نيتنياهو المأزوم نفسيا بالفلسطينين العزّل من اهل غزة من فتك وترويع ومجازر، ويمحي العائلات من سجلات القيود في انتهاكات ضد العرب الفلسطينين في غزة لم تحصل من قبل ولا حتى إبان الحرب العالمية الثانية..
على مدار 74 يوما، يُمارس الكيان العنصري انتقامًا من المجتمع الفلسطيني بأسره في قطاع غزة برا وجوا وبحرا، فهو لا يتجرأ على مواجهة المقاومة تحت الأرض، فتستعيض عن ذلك بتدمير المجتمع الفلسطيني فوق الارض في مسعى محموم منها لاستعادة هيبة الردع بعد الضربة التي تعرضت لها يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهذا السلوك الصهيوني الحالي يشمل بُعدًا ثأريًا بدائيًا متعطشًا للدم وتلقين الدروس من الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للمستشفيات في قطاع غزة، وهو غير مسبوق لناحية "الوحشية في قصف المستشفيات"، ليس في الواقع سوى تدمير انتقامي قبلي بدائي ضدّ المجتمع الفلسطيني، والمدنيين، والأطفال، والنساء وهو ما يشكّل فضيحة للمجتمع الدولي وللمنظمات الدولية وليس فقط لدولة الاحتلال العنصري وفي راينا انها إستراتيجية جبانة في المعارك طالما مارستها هذه الدولة المارقة من صناعة بريطانيا ام الكبائر .
الأنظمة الرسمية العربية ليس مطلوبا منها إرسال جيوش لتحارب في قطاع غزة، بل المطلوب منهم اتخاذ موقف عربي موحد لإنقاذ السكان من المأساة الإنسانية المتعلقة بحصار وقتل شعب أعزل والذي يظهر تخاذل الموقف الرسمي العربي في نصرة الفلسطينيين الذين يقتلهم الاحتلال في القطاع المحاصر لأن النظام العربي تفسخ وانتهى منذ 30 عاما، وبالتالي لا يمكن الحديث عن موقف عربي موحد وهذا راجع إلى ارتباط معظم الأنظمة الحاكمة بالقوى المهيمنة وخاصة الولايات المتحدة وحليفتها دولة الكيان العنصري الاستيطاني وهو أحد الأسباب التي جعلت دولة الاحتلال تستبيح الدماء الفلسطينية في غزة مرتبط بقناعتها إلى حد بعيد بعدم وجود رد فعل عربي مناسب للفعل الإسرائيلي وفي هذا الاطار فقد تباينت المواقف العربية ازاء معركة طوفان الاقصى إلى ما يلي: مواقف تتماهى مع الموقف الإسرائيلي في إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية، ومواقف تحاول الضغط باتجاه تحقيق هدنة إنسانية، ومواقف أخرى خارج الخدمة ولا صوت لها إزاء ما يحدث في غزة...
وبرغم التسارع الزمني والاف القتلى والشهداء من المدنيين في قطاع غزة حتى كتابة هذه السطور اقول كم كنا نتمنى كعرب على حكوماتنا باتخاذ " موقف عربي " جدي وصارم من شأنه أن يوقف هذه الحرب المجنونة في قطاع غزة ، ولا سيما الدول المؤثرة من الدول العربية والتي لها علاقات مع الولايات المتحدة الامريكية ، وبخلاف ذلك سيؤدي إلى المزيد من استهانة الغرب بالعرب أكثر في المستقبل .. والايام بيننا.
لا يغيب عن البال السياسة العنصرية لدولة الاحتلال ومخطط "المؤامرة " لتهجير الفلسطينيين في زمن الصمت العربي وبخاصة تخفيف عدد السكان في قطاع غزة من خلال هدفين لا ثالث لهما:
أولهما هو استعادة توازن المجتمع الإسرائيلي وهيبة الردع، بعد الضربة التي تلقّتها في يوم السابع من أكتوبر.
أما الهدف الثاني الذي يريد الكيان الصهيوني تحقيقه ، فهو القضاء على حركة حماس، "ليس كفكرة، ولكن كقوة قادرة على إدارة قطاع غزة سواء عسكريًا أو سياسيًا"..
امريكيًا .. لم يخفى على احد الضغوط التي دفعت بها ادارة بايدن جهارا نهارا لتعزيز قوة وقدرات الجيش الصهيوني للاجهاز على الفلسطينين من خلال الجسر الجوّي الأمريكي لتزويد دولة الكيان بالأسلحة والذّخائر والمَعدّات، علاوةً على 2000 جُندي من قوات الدلتا المتخصصة بحرب المدن والشوارع وحشد التأيد الاوروبي لا بل الدول التي تدور بالفلك الامريكي ، فالرئيس بايدن يعيش غيبوبة الضمير بموازاة الخرف السياسي حيث يتعامل مع حرب غزة كانها جزء من حملته الانتخابية ، فقد موّل حملته بــــ 20 الف شهيد و55 الف جريح مُعظمهم من النساء الأطفال من اهل غزة وتدمير اكثر من 60 الف وحدة سكنية على رؤوس ساكنيها وتهجيرِ مِليونيّ فِلسطيني من شّمال غزة إلى جنوبها ( الذي يدعي بانه حارس الحريات في العالم ) وهو ما يذكرني على النقيض تماما من موقف الرئيس الامريكي ايزنهاور ابان حرب السويس عام 1956 عندما ضرب على الطاولة مطالبا القوات البريطانية والفرنسية بتوقف القتال وخروجها من مدن القناة وبالطبع معهم قوة الجيش الصهيوني المحتله لجزيرة سيناء في تلك الفترة ولهذا انتهت أزمة العدوان الثلاثي بإضعاف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل،موقف ايزنهاور هو بتصرف رئيس دولة عظمى سجله التاريخ..
خلاصة القول:
74 يوما : الصمت العربي على مشهد الموت في غزة وتبقي الطموحات الفلسطينية والعربية والإسلامية ومن أصحاب الضمير الحي في عالم اليوم متشوقة، أن يتبلور الموقف العربي الرسمي إلى موقف موحد ومتماسك من القضية الفلسطينية لوقف العدوان عن اهل غزة ورفع الحصار عن الضفة والقطاع بل إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لمرتكزات الشرعية الدولية، حينها سيجد هذا الموقف سندا وعضدا له من الشعوب العربية والإسلامية ومن كل حر وصاحب ضمير حي في العالم أجمع وهو فعل سيجبر الاحتلال والقوي الداعمة له على التعاطي معه إيجابيا، فهل يتحقق ذلك؟ .. ان غدا لناظرة لقريب.
على صعيد الميدان بدأ كيان الاحتلال بعد 74 يوماً من حربه على غزة وقد شاخ سبعين عاماً إضافية، حيث التشكيك برئيس الحكومة والحكومة وقيادة الجيش، يحصل على الملأ ويستقطب أغلبيّة الشارع في الكيان، والكيان وسط حرب هي الأصعب في تاريخه، كما يجمع قادته، وبالتوازي يبدو الجيش الصهيوني في حال لا يُحسَد عليها، حيث الخسائرُ المتراكمة تحوّلها من حرب لإنهاء حركة حماس إلى حرب استنزاف لجيش الاحتلال، بينما المقاومة وفي قلبها القسام تبدو ممسكة بزمام المبادرة مقتدرة وتواصل حربها بكل كفاءة وجدارة، بينما جيش الاحتلال يفشل في تحقيق أهداف حربه ويعجز عن إخضاع أيّ منطقة من قطاع غزة لسيطرته الكاتملة. . (فكل المناطق التي تسلل إليها ) لا تزال مناطق اشتباك، وقواته قد اصيبت بــــــــ 5000 إصابة من أصل 20 ألفاً يقاتلون في غزة..
*باحث ومخطط استراتيجي