تسليح الضفة الغربية مصلحة أردنية استراتيجية
أكّد العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة والمجازر التي ارتكبها ويرتكبها بحق المدنيين والتي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء القطاع ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ أن الإحتلال الإسرائيلي كان جادّاً في نواياه التي أصبحت علنية في تهجير سكان القطاع إلى مصر وما كانت هذه المجازر إلا وسيلة لبث الرعب والخوف في قلوب الغزيين لإجبارهم على الرحيل فراراً من الموت وقد أفشل أهل غزة العظيمة هذا المخطط بصمودهم الأسطوري واصرارهم على الثبات على أرضهم الفلسطينية والتفافهم حول المقاومة الباسلة التي حالت دون سيطرة جيش الإحتلال على قطاع غزة لاستكمال مخططاتهم على الأرض بهدف التخلص من الفلسطينيين وترحيلهم خارج فلسطين لتكون فلسطين خالصةً لليهود فقط ولتكون إسرائيل دولة يهودية وفق ما يعلنون صراحة دون أن يعبأوا بالعرب وما تُسمى إتفاقيات سلام معهم.
ولم يَعُد خافياً أيضاً أن مخططات الإسرائليين ليس التخلص من الغزيين فقط بل بات معلوماً للجميع أن المخطط الصهيوني هو التخلّص من الخطر الأكبر على دولة اسرائيل اليهودية الخالصة وهو ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً وتهجيرهم إلى الأردن كوطن بديل وهو المخطط القديم الحديث الذي يبدو أكثر من أي وقت مضى أن هذا المخطط لا يزال مركزياً في عقلية اليمين واليمين المتطرّف في اسرائيل الذي أصبح هو المسيطر على الحكم في الكيان الإسرائيلي.
أمام هذه الحقيقة التي يجب أن لا نتهاون فيها ونحتال على أنفسنا بمقولة أن اتفاقية وادي عربة قد دفنت مشروع الوطن البديل يبدو جلياً أن الاسرائليين ماضون في مشروع تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة ولا يقيمون وزناً لاتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة مع مصر والأردن، مما يستدعي من الأردن أن لا يكتفي برفض المخططات الإسرائلية لتهجير فلسطينيي الضفة الغربية عبر الوسائل السياسية والعلاقات الدبلوماسية الدولية فاسرائيل ترى نفسها أكبر من المنظومة الدولية وفوق القانون الدولي والجالس على كرسي البيت الأبيض لا يملك في نهاية المطاف إلا الرضوخ للإرادة الصهيونية وحشد كل الإمكانيات الأمريكية السياسية والعسكرية من أجل بقاء اسرائيل والتخلص من الخطر الفلسطيني الذي يهدد وجودها كدولة يهودية.
ولهذا فالأردن الرسمي والشعبي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بوضع استراتيجية دقيقة وجريئة للتعامل مع هذا الخطر المُحدق وبذل أقصى طاقاته لأجل استمرار صمود الأهل في الضفة الغربية على أرضهم ووطنهم وبكل الوسائل المتاحة وعلى رأسها دعم المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع وتمكينها من الصمود ومواجهة مخططات العدو في تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين والتي تشكل خطراً حقيقياً على الأمن الوطني الأردني. لقد أثبتت الأحداث الراهنة في قطاع غزة أن المقاومة العسكرية للإحتلال هي السبيل الوحيد لإفشال مخططات التهجير وتفريغ الأراضي الفلسطينية من أهلها فلولا وجود المقاومة المقتدرة على الأرض لتمكّن جيش الإحتلال الإسرائيلي من السيطرة على قطاع غزة في بضع ساعات وارتكاب المزيد والمزيد من المجازر وإجبار الغزيين على الرحيل من القطاع إلى مصر في أيام معدودة وإلى الأبد.
إن وجود مقاومة فلسطينية عسكرية مقتدرة في الضفة الغربية هو مصلحة فلسطينية وطنية وجودية ومصلحة أردنية وطنية استراتيجية مشتركة في ظل ثبوت فشل كل مسارات أو أوهام تحقيق سلام شامل ومقبول يضمن وجود دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، وبالتالي فليس أمام الأردن إلا بناء منظومة علاقات وثيقة مع فصائل المقاومة الفلسطينية وتقديم الدعم والإسناد لها سياسياً وعسكرياً علناً أو بالخفاء وليس أقل من تسهيل وصول كل أنواع السلاح لهم في الضفة الغربية فهم شئنا أم أبينا ومهما اختلفنا وتنافرنا سابقاً خط الدفاع الأول عن الوطن الأردني في مواجهة الأطماع الصهيونية التي لا حدود لها.
لقد آن الأوان لاستعادة دور الأردن المركزي في ملف قضية فلسطين الذي اضمحلّ في السنوات العشرين الماضية حين قطّعنا بأيدينا حبال التواصل مع القوى الفاعلة على الأرض الفلسطينية وارتضينا دوراً هامشياً لا تأثير له في تحولات كبيرة يشهدها الملف الفلسطيني فحلّت مكان الدور الأردني المؤثر قطر وإيران سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وهما الأبعد عن التأثّر بمآلات النيران التي تشتعل على جنباتنا نحن.