"اللغة العربية جعلت فلسطين قضية حياتي".. المستعربة البلغارية مايا تسينوفا تروي ذكرياتها
قالت المترجمة والأكاديمية البلغارية مايا تسينوفا إن "قضية فلسطين تدافع عن نفسها بنفسها، يكفي أن نعطيها الكلمة لتتحدث رغم أن العالم المعاصر يفضل أن يتناساها ويغض النظر عنها، وبهذه الطريقة جاء 7 أكتوبر/تشرين الأول ولم يكن بداية".
وأضافت المحاضرة في قسم اللغة العربية بجامعة صوفيا قسم الدراسات العربية والسامية في حديثها للجزيرة نت أن بداياتها الشخصية مع القضية جاءت في صيف 1976 عندما كانت في نهاية سنتها الأولى لدراسة اللغة العربية في جامعة صوفيا، وكانت تهتم بمتابعة أخبار مجزرة تل الزعتر وانشغلت عن الامتحانات الصيفية الجامعية بإقامة مهرجانات التضامن مع فلسطين ولبنان.
واعتبرت تسينوفا أن اللغة العربية جاءتها بـ"قضية حياتي أو قضايا حياتي"، مشيرة إلى أنها -باعتبارها مترجمة- تستخدم الكلمات بمعانيها الدقيقة، ونوهت بدور الترجمة والتثاقف في إقامة الجسور بين العرب والبلغار رغم أن البعض حريص على النأي والحياد، مضيفة "أحاول دوما إيجاد القيم الأخلاقية المشتركة، وأكثر ما يسعدني أن يقول لي أحد القراء إن العرب مثلنا تماما".
"سابع جار"
واستذكرت تسينوفا عملها مترجمة للسفارة اللبنانية عندما كان السفير اللبناني يقول إن "الجار حتى سابع دار"، مشيرة إلى أن بلغاريا من جيران العالم العربي إلى جانب تركيا التي تقع بينهما، مبينة أن بلغاريا والعالم العربي جزء من حضارة البحر الأبيض المتوسط أو حضارة "شرق المتوسط"، كما كانت بلغاريا والعالم العربي جزء من دولة واحدة (في إشارة إلى التاريخ العثماني المشترك)، وكانت العلاقات قوية جدا "ومن لا يدرك الحاجة لاستعادة هذه العلاقات سيكون خاسرا خسارة كبيرة".
وترى تسينوفا -التي نقلت إلى البلغارية مختارات من أعمال جبران خليل جبران ومحمود درويش وأدونيس وغيرهم- أن الترجمة "عمل إبداعي وليست مهنة ولا يُعترف بها فنا"، مشيرة إلى أن الاستشراق في بلغاريا وليد الزمن الحديث أو المعاصر.
وأوضحت أن تدريس اللغة العربية انطلق في بلغاريا في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، لافتة إلى أن السبب يعود إلى أن بلغاريا لم تكن بلدا استعماريا وإنما وجدت نفسها في ظروف تاريخية جديدة تتمثل في استقلال المستعمرات السابقة، فسعت إلى توسيع دائرة الإمكانيات لإيجاد علاقات دولية مثمرة في كل المجالات.
وأشارت المترجمة -التي نقلت أعمال شعراء وأدباء عرب من فلسطين ومصر والكويت ولبنان والعراق وغيرهم- إلى أن أساتذة العربية في بلغاريا خريجو جامعات بغداد ودمشق وموسكو.
الجزيرة وحرب العراق
وعن ذكرياتها مع الجزيرة وحرب العراق، قالت إنهم كانوا يعرفونها في الشارع، وعندما تذهب لشراء الخبز من المحلات كان الناس ينقلون لي دعمهم "ولم أكن أعرف كيف أنقل للجزيرة هذا الدعم من الناس العاديين".
وأوضحت "في 2003 كانت حرب واحتلال العراق، وكنت مكلفة من التلفزيون البلغاري الوطني الذي كان تعاقد مع الجزيرة و"سي إن إن" منذ مطلع الحرب للاعتماد على مراسلي القناتين العالميتين، وعلى أساس هذا الاتفاق كلفوني مع مترجمة من الإنجليزية أن أتابع نشرات الجزيرة لتغطية الحرب".
وتابعت "كان لدينا 3 نشرات كل يوم نستعرض من دقيقة لدقيقتين إيجازا يضم أهم ما ورد في القناتين حول تطورات الحرب"، وأضافت "كنت تقريبا أعيش ليلا ونهارا مع الجزيرة لأكون مستعدة، ليس فقط لترجمة ما يظهر في الشاشة فور ظهوره، ولكن لأعرف ما هو الأهم على مدى الـ24 ساعة".
ووصفت تسينوفا أحداث تلك الحقبة التي كانت تترجم تغطيتها بأنها "إحداث مؤلمة جدا، وأعتقد أني توقفت عن المتابعة عندما رأيت الصورة المباشرة من كاميرا قبعة أحد جنود أميركا في الدبابة الأولى التي تدخل بغداد بدون أي مقاومة وكأنهم داخلون مصيفا.. كانت مؤلمة جدا".
وأضافت بتأثر "استشهد أحد المراسلين أثناء العمل.. طارق أيوب رحمه الله".
الترجمة إبداع لا مهنة
وعن صعوبات الترجمة بين البلغارية والعربية، قالت إن "الصعوبات تقليدية، مثل أي لغة أخرى، والإبداع عمل صعب لكن لا يوجد نص غير قابل للترجمة، فكل شعوب العالم تعيش الواقع نفسه رغم الفوارق، وبالتالي كل ما يحدث على الأرض قابل للتعبير عنه بأي لغة من لغات العالم".
وأشارت المترجمة -التي درست الأمثال العربية ونشرت عنها- إلى أنها تكون سعيدة عندما يرى قراء البلغارية التشابه بين ثقافتهم والعرب، وتابعت "لدينا أصدقاء في صوفيا أسسوا مهرجان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينار) للتثاقف والتقارب بين الشعوب، وفي كل سنة يختارون محورا للمهرجان".
وقالت "في إحدى السنوات كان المحور هو السينما النسائية، فسألوني إن كان يمكنني قراءة قصائد لنساء شاعرات عربيات لمدة ربع ساعة قبل عرض الفيلم، وافقت وكنت سعيدة جدا، وبعد القراءة سألني الحضور: كيف يمكننا أن نقرأ هذه النصوص؟".
وتابعت "توجهت إلى السفير الفلسطيني وقلت له: نحن مدينون للقارئ البلغاري، وهناك اهتمام ونحن معنيون بتلبيته، وهكذا صدر كتاب "وحشة اسمها وطن"، وهو مختارات لـ40 أديبة فلسطينية عن الاغتراب بين فلسطينيي الداخل والمخيمات والشتات، حيث السير بدون هوادة باتجاه الوطن وإيجاد هذا الوطن في النفوس والقلوب".
وأهدت تسينوفا المختارات الأدبية للكاتبات الـ40 واعتبرتها محاولة لـ"إعادة تركيب الوحشة في الطريق إلى صنع الوطن"، وكانت قد ترجمت عام 1994 مختارات أخرى من الشعر الفلسطيني المعاصر لأسماء اختارها اتحاد الكتاب الفلسطينيين تضمّن 25 شاعرا فلسطينيا، بينهم 3 شاعرات.
وتابعت تسينوفا حديثها عن الترجمة لشعراء وشاعرات عرب قائلة "في الدوحة التقيت بصدفة خير من ألف ميعاد الشاعرة الكويتية سعدية مفرح واكتشفنا تقاربنا وكأننا نشأنا معا، وترجمت نماذج من شعرها إلى البلغارية قبل عشرات السنوات ولم أكن أعرف كيف أوصلها إليها".
المصدر : الجزيرة