ايهاب سلامة يكتب: غزة والمصلحة الوطنية ونخب "الخواجات" والخطر المحدق بالأردن!



كتب ايهاب سلامة - 

بدأت بعض النخب التي وصفها الوزير الأسبق ممدوح العبادي بـ" لوبيات الخواجات" تعارض بشكل متدرج وناعم، الموقف الرسمي الأردني المشرّف من غزة، وبث رسائلها الديماغوجية للشارع، بأسلوب يؤكد أن عقول أصحابها قاصرة الفهم، أو أنها تكتب دون أن تعي ما تكتب.

يعي هؤلاء، أن هناك توافقاً أردنياً راسخاً في العقل الجمعي، ومتوارثاً في الجينات الأردنية، على التموضع في خندق فلسطين، فهو ركن أساس من أركان الوطنية الأردنية الأصيلة، ومن مسلماتها؛ لأن سفينة المصير المشترك، تحمل على متنها الأردني والفلسطيني معاً، ولأسباب بينية تاريخية يصعب حصرها: اجتماعية، وعقائدية، وقومية، وجغرافية، ووجدانية، إلى قائمة مجيدة لا تنتهي..

وعليه، فإن الموقف الأردني الأصيل من الحرب على غزة، ضاربة جذوره في عمق التاريخ، ومجبول بدماء شهداء، وتضحيات جسام، وصولات وجولات، عدا عن روابط الدم والأخوة والمصاهرة.

أما في اللغة السياسية الجامدة؛ فإن المصلحة الوطنية الأردنية، لا يمكن فصلها عن المصلحة الوطنية الفلسطينية، ولا تعارض بينهما، ضمن سياقات كل منهما. ولم تكن أحداث غزة الأخيرة وحدها سبباً في تغيير حدّة الخطاب الرسمي، والموقف المتشدد الذي وصل حد التلويح بحرب مع كيان الاحتلال، إلا والأردن موقن بأنه مستهدف كما تُستهدف غزة وفلسطين كلها، وموقن، أن نجاح مخطط تهجير الفلسطينيين من القطاع، يعني المباشرة بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية.

الأردن يعي هذه المخاطر الوجودية عليه تماماً، ويتعامل معها بالقلم والمسطرة، وبلا أدنى تخاذل وتهاون، مثلما وعى مخاطر اتفاقيات التطبيع العربي مع كيان الاحتلال، الذي ينفذ اليوم أجندات تهجير خطيرة، والتي كادت توقّع قبيل طوفان السابع من أكتوبر، على حساب القضية الفلسطينية العالقة في مفاوضات تم تشييع جنازتها عن عمر ناهز ثلاثين عاما من التدليس، وعلى حساب المصالح الأردنية التي غيبّت عن مسودات الاتفاقيات بشكل كامل!

اتفاقيات التطبيع، تعني قفز دول العروبة عن الأردن، وعن فلسطين، وتحويل دفة "تسوية الصراع" عن فلسطين والأردن مع كيان الاحتلال، إلى كيان الاحتلال مع دول عربية لم تكن أساساً في "دائرة الصراع"!

هذا الأمر يعني أن الأردن المنغمس في القضية الفلسطينية منذ احتلال فلسطين، وثاني أهم أطراف الصراع التاريخي مع الكيان بعد الفلسطينيين أنفسهم إن لم يكن مثلهم، والبلد الذي يؤم ملايين اللاجئين الفلسطينيين، غير مدعو لحفلة التطبيع العربي المساومة على قضيته! وموضوع خارج الحسابات، وخارج تغطية هواتف العروبة والكيان. وكان من المقرر تركه معلقاً باتفاقية لا تسمن ولا تغني تسمى "وادي عربة" ليشرب بها البحر، ومتارجحاً بين حالتي السلم والحرب، فلا هو بالغ حلاً عادلاً وشاملاً للقضية الفلسطينية، ومقيد بالوقت نفسه، بمعاهدة تحول دون تمكنه من إطلاق رصاصة واحدة!

التطبيع العربي، تجاهلَ القضية الأساسية التي جُرّم وحُرّم على أساسها التطبيع! وتجاهلَ الحقوق الفلسطينينية، وبالتالي، تجاهل حقوق ملايين اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن، وسينفذ على حسابهم، وعلى حساب الأردن أولاً واخيراً.

قبيل صبيحة السابع من اكتوبر، كانت القضية الفلسطينية مهجورة على رفوف النسيان، ومعروضة في مزادات التصفية. وهذا يعني بأن المصالح الأردنية كانت على وشك التصفية!

المواقف الأردنية التاريخية من فلسطين أصيلة متأصلة، شعبياً ورسمياً، ويمكن الاسهاب في الكتابة عنها حتى صياح الديك.. لكن العقلية السياسية الأردنية ليست ساذجة كما يظن بعضهم، ولا عاجزة وقاصرة عن حساب تموضعها في المكان والزمان الصحيحين بكل حنكة وحكمة، وحساب أبعاد مواقفها طولاً وعمقاً وعرضاً، وفق المسطرة الوطنية الأردنية السليمة.

تاريخياً وآنياً ومستقبلاً، لا يمكن فصل فلسطين، عن الجسد الاردني. فالتوصيف الشعبي الأردني والفلسطيني لعلاقتهما الأخوية التاريخية يقول إنهما رئتان في صدر واحد. لذا، فإن الحسابات الأردنية السليمة، والفلسطينية أيضا، لا يمكن البناء عليها إلا من هذا المنطلق، وعلى أساسه، ووفق حقيقته المجردة، وأي محاولات جاهلة لتغييب هذا الأمر الواقع، ستفضي نهايتها عبثاً، دون تحقيق ما يمكن تحقيقه.

معضلة المعادلة التي يتعامل معها الأردن، أنه رسم سياسته وفق منطق سليم يقول: إن المنطقة العربية، بل العالم بأسره، لن يحظى بالاستقرار دون حل عادل للقضية الفلسطينية. لكنه، يعي في الوقت ذاته، يقيناً، أن كيان الاحتلال، لن يقبل يوماً بحل القضية الفلسطينية!

وهنا مربط الفرس.. والسردية التي يجب المجاهرة بها، والواقع الذي يتحتم التعاطي معه، ومواجهته، أردنيا وفلسطينيا، سواء في العاجل أو الآجل، والبناء وفق تصورها، ومآلاتها، ودون ذلك، سنظل ندور في فلك المناورات السياسية، والمناوشات التكتيكية، والشعارات التي "لا تقلي بيضة"، ومحاولات شراء الوقت، وتسليط الضوء على قضايا مستهلكة، رغم يقيننا أن ساعة الصدام مع كيان الاحتلال آتية لا محالة!