هآرتس: الإسرائيليون يحتاجون أكاذيب المتحدث باسم "الجيش" ليعتقدوا أنّهم ينتصرون



صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تتحدث عن "مهنة" الكذب في كيان الاحتلال، والدعاية السياسية الكاذبة التي يمارسها القادة السياسيون والعسكريون ووسائل الإعلام، متوجّهين إلى المستوطنين بهدف إيهامهم بقدرة "الجيش" الإسرائيلي على تحقيق الانتصارات، في حين أنّ "إسرائيل" عالقة وتتعثّر.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية، بتصرّف:

لقد تمّ إطلاق عملية دعاية سياسية موجهة إلى الإسرائيليين منذ حملة "حارس الأسوار" (الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2021)، تهدف إلى إقناعنا بأنّ "الجيش" عظيم، وأن لا مثيل لسلاح الجو الإسرائيلي في العالم بأسره، وأنّ حماس تلقّت ضربةً خطرةً، ضربةً مميتة. هذه الكلمة التي يؤثِرها الإسرائيليون. وإليكم جملة أخرى يحبونها: "لقد استعدنا قدرتنا على الردع".

كما اجتمع الساسة وجنرالات الاحتياط والصحافيون، معاً، في حملة دعاية سياسية كاذبة انفجرت في وجوهنا صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لكن علينا ألا نلوم سوى أنفسنا. نحن الإسرائيليون، نحب من يكذب علينا. إنّ خلاصة عمل الناطق بلسان "الجيش" الإسرائيلي تتمثّل في التقاط كمية مناسبة من الهراء، ثم تغليفها ورشّها بالعطور، ثم بيعها لنا كما لو كانت طعاماً شهياً. في نهاية المطاف، لا أحد بيننا يريد أن يسمع أنّ لدينا "جيشاً" متواضعاً، لديه معلومات استخباراتية فاشلة، وأنّ جماعةً (حماس) قادرة على تركيعه على ركبتيه.

الكذب في "إسرائيل" هو مهنة. سلعة عليها طلب شديد هنا. صناعة العظمة والفخر "القوميين" تتباهى بكل ما يقوم به "الجيش" الإسرائيلي.

في أثناء شبابي، جلست مع مراسل عسكري أكبر مني بعشرات السنين. حدّثني الرجل عن اللحظة التي قرر فيها أن يصبح صحافياً، عندما كان يقضي حاجته في إحدى الحفر (من شدة الخوف) في أثناء حرب 1973، بعد ساعة من قراءته صحيفةً تصف مدى نجاحنا في ضربهم. حينها، قرر أن يصبح صحافياً، وأن يقول "الحقيقة" للجماهير.

بات لزاماً على "إسرائيل" الإقلاع عن إدمان كثير من الأشياء، وأهم ما عليها الإقلاع عنه، هو الكذب على نفسها. نحن نغدق المديح على حملات الـ"هسبارا"، و"إيصال الرسائل"، و"نشر مقاطع الفيديو"، من دون أن ننتبه إلى أنّ الجمهور المستهدف الأساسي من هذا كله هو نحن، لا الشعوب في الخارج. نحن نعيش منذ 15 عاماً في ظلّ رئيس حكومة يرى الكذب أهمّ الفنون التي يتقنها، ونشر الهراء هو خبرته الأكبر، وإطلاق التفاهات مصدر رزقه. يشعر ذلك الرجل (نتنياهو) بأنّ عليه دائماً أن يُظهر أنّه و"الجيش" الإسرائيلي عظيمان، محقان، قويان ومذهلان، يوجّهان إلى العدو ضرباتٍ قاتلةً، استثنائية، منتصرة وثابتة. وفي الوقت ذاته، يضمن حصوله على الدعم من "الجيش" ومن صحافيي البلاط.

وها قد عدنا، عبر الدعاية الكاذبة السياسية إلى الشماتة والهذيان والتهديدات الجوفاء. عدنا إلى إطلاق الوعود بأنّنا سندمّر بيروت ونقصف لبنان، وبأنّنا على مرمى حجر من تحطيم حماس، وبأنّنا سنقوم عما قريب باسترجاع الأسرى في غزة نتيجة الضغط العسكري، وبأنّ حضورنا العسكري على الأرض هو ما سيصنع الفرق. "نحن ننتصر"، كان الشعار المكتوب على خلفية برنامج "استوديو الجمعة" الإخباري قبل بضعة أسابيع، مع خطاب متحمس من المذيع. وأنا أفهمه حقاً؛ فمن الممتع حقاً أن نقول لأنفسنا إنّنا ننتصر، بدلاً من أن نعترف بأنّنا عالقون ونتعثّر.

يمكن للمرء حقاً أن يتفهّم هذا الميل الإنساني البسيط الذي يدفع الإنسان إلى اختيار الاعتقاد أنّ كل شيء على ما يرام، بدلاً من اعترافه بأنّ كل ما يحدث سيئ. ويمكن للمرء أن يتفهّم تفضيل الناس سماع أخبار عن قدرات سلاح الجو وعظمته ومقاتلاته الهائلة، الذكاء الاصطناعي، عباقرة السايبر، خبراء وحدة التجسس السيبراني 8200 والوسائل المتطورة التي يستخدمها "الكوماندوس" الإسرائيلي.

من الممتع أن نسلّي أنفسنا بتخيّل محققي جهاز "الشاباك" الماكرين والمتطورين، القادرين على إجبار الحجارة نفسها على التكلم، ولديهم وسائل تجسّس في سماعة هاتف يحيى السنوار. ومن المفرح أن نحلم بجهاز الموساد القادر على تنفيذ عملية اغتيال لرئيس البرنامج النووي في وسط إيران. ومن الممتع جداً جداً أن نستمع إلى محللين عسكريين سعداء، بدلاً من الاستماع إلى محللين يقولون لنا في وقت السلم، إنّ الحرب القادمة آتية، وإنّ "الجيش" الإسرائيلي غير مستعد لها، وإنّنا لسنا أقوياء كما نتمنى، وإنّ مستوى قيادتنا يتراوح ما بين المتوسط والفاشل. بيْد أنّ المخدرات لها ثمن.

(الغد)