عاجل - سياسيو الغرب وأمنيوه يتقاطرون على عمان، فمتى يحين دور اقتصادييه وبانكييه؟؟


كتب د. عبدالحكيم الحسبان - 

منذ أسابيع يكاد لا يمر يوم دون أن تردد وسائل الاعلام خبرا عن زيارة مسؤول أمني غربي، اوروبي أو أميركي إلى عمان. فقد سجلت الايام الاخيرة زيارة لوزير الخارجية البريطاني الذي سبق وشغل موقع رئيس الوزراء، كما سجلت زيارة لرئيس هيئة الاركان الامريكي بالتزامن مع زيارة مساعدة وزير الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند. وقبلها باسابيع قليلة كانت هناك زيارتان لوزير الخارجية الامريكي، اعقبتها زيارة لاكبر مسؤولة في الاتحاد الاوروبي السيدة فون دير لاين. وخلال نفس الاسابيع سجلت زيارات للرئيس الفرنسي ولوزيرة الخارجية الالمانية ومسؤولين غربيين اخرين. انه موسم الحج الامني والسياسي الاوربي والغربي إلى عمان.

وتشاء الصدفة في التوقيت، انه وفي ذروة هذا الحجيج الغربي إلى عمان يقدم وزير المالية الاردني معالي محمد العسعس مشروع الموازنة العامة للبلاد، وحيث أرقام الموازنة لا تبشر الاردنيين بأي أفق أو بصيص أمل بالخروج من دوامة الفقر والبطالة وحيث تخلو الموازنة من أي مخصصات تتعلق بزيارة الرواتب والاجور وحيث بعض الاجور والرواتب لم تجر أي زيادة على مستوياتها منذ عشرين عاما، بل أن رواتب بعض العاملين في الجامعات شهدت تخفيضا مرتين متتاليتين، وهي في طريقها لان تشهد تخفيضا جديدا كبيرا خلال وقت قريب.

من مفارقات موسم الحج والحجيج الغربي إلى الاردن أنه موسم يقتصر على ساسة الغرب وأمنيوه واستراتيجيوه. فالمتفحص لقائمة المسؤولين الغربيين للاردن منذ سنوات والذين تكثفت زياراتهم في هذه الفترة بفعل معركة طوفان القدس التي دشنتها المقاومة الفلسطينية البطلة سيجد أن صفة مسئولي الغرب القادمين إلى عمان هي صفة سياسة أو أمنية أو عسكرية في حين يغيب المسؤولون ذات الصفة الاقتصادية والمالية. فلا وزراء مالية، أو اقتصاد أو حتى بيئة، ولا رجال بنوك، ولا مدراء لشركات غربية كبرى، ولا مدراء لبورصات لندن ونيويورك وباريس وفرانكفورت. من يأتون هم ساسة، وديبلوماسيون، وعسكريون، وأمنيون. والحال، فإن هوية من يرسلهم الغرب إلى عمان وخصوصا في لحظات الازمات العميقة التي تمس مصالح هذه الغرب تنبئ عن هوية السياسات الغربية التي يتم انتهاجها تجاه الاردن، كما تنبىء عن طبيعة الهندسة الخبيثة التي تمت صياغتها للدولة الاردنية ويراد للاردن أن ينخرط بها دونما تفكير ناقد ناهيك عن سياسات رافضة ومقاومة لهذه الهندسة الخبيثة.

ما زلت اتذكر صورة اللقاء الذي جمع الرئيس الامريكي بايدن الزائر لفيتنام قبل عدة أشهر مع الرئيس الفيتنامي وحيث الطاولة التي جلس عليها الرئيسان كنت تغص برؤساء كبرى الشركات الامريكية مثل بوينج التي ستقوم بخلق شراكات حقيقية مع الاقتصاد الفيتنامي الناشئ وحيث السياسة لا يمكنها أن تخدم مصالح طرفي العلاقة إن لم يسر الامن والسياسة جنبا إلى جنب مع الاقتصاد والمال والبزنس. إمعان الغرب في إرسال سياسييه، وأمنييه تحديدا مع الاحجام الكامل عن ارسال مالييه ومستثمريه إلى الاردن، وترك اقتصاد البلاد يغرق في جبال المديونية وانعدام الافق والامل يكشف بوضوح عن الوصفة الغربية التي يراد للاردن أن يعيش وفقها. وهي إمعان في الوصفة التي طالما برع تلامذة روبرت ساتلوف في معهد واشنطن الليكودي في وضع تفاصيلها للاردن الذي يراد له أن يكون الفضاء الجغرافي الذي يتخلص فيه الكيان من مأزقه الوجودي ديموغرافيا وأمنيا واستراتيجيا.

في الوصفة أو الخلطة التي صممها معهد واشنطن وينتمي لها السيد بلينكن، ومساعدته السيدة فيكتوريا نولاند بطلة احداث الميدان في كييف التي جاءت بالرئيس الاوركراني الحالي زيلنسكي، فان الاردن هو جزء هام وهام جدا في الهيكل الامني والاستراتيجي والعسكري لمنطقة الشرق الاوسط وعلى الولايات المتحدة أن تراهن كثيرا على الادوار الامنية للحليف الاردني، ولكن الاردن الذي يؤدي أدوارا أمنية واستراتيجية ينبغي أن يكون في حالة انهاك اقتصادي واجتماعي بل وتوتر سياسي.

والحال، فان ثمة لهاث وسعي من أجل أن يكون الاردن في قلب الهيكل الامني والدفاعي والاستراتيجي الاوروبي والغربي عموما يوازيه حرص ولهاث أكبر كي يبقى الاردن خارج الهياكل الاقتصادية والتنموية الاوروبية والغربية عموما. فالاردن في السياسة والامن والعسكر هو جزء من العائلة الغربية، وما حينما يتعلق الامر بالثمار والمال والاقتصاد فإن على الاردن أن يجلس وحيدا وبعيدا عن هذه العائلة.

وأما المؤشرات على هذه الاستراتيجية الغربية الخبيثة تجاه الاردن فهي كثيرة ولن يكون بالامكان عدها أو حصيها. فالسيدة فون دير لاين التي تتولى موقع رئيسة مفوضية الاتحاد الاوروبي وهو ارفع منصب في الاتحاد تزور عمان لتناقش ادوار اردنية سياسية وأمنية وتحجم عن مناقشة اي ترتيبات مالية او اقتصادية، تقدم وبالتزامن مع زيارتها لعمان مشروع مساعدات اوروبية لاوكرانيا بقيمة خمسين مليار دولار، كما تتبنى السيدة فون دير لاين مشروعا لمنح عضوية الاتحاد الاروربي لجورجيا واوكرانيا ومولدافيا. وفي مقابل اتفاقية شراكة اقتصادية ومالية هامة جدا بين الاتحاد الاوروبي والكيان الصهيوني تصل حد منح كل مواطني الكيان حق الدخول إلى فضاء شينجن الاوروبي دون الحصول على تأشيرات دخول فإن الكرم الاوروبي يتوقف عند أو سم من حدود نهر الاردن الشرقية ليستثنى الاردن من المزايا الاقتصادية التي يمنحها الاتحاد وحيث يطلب من الاردن فقط تحمل المزيد من الاعباء الامنية والسياسية والعسكرية.

واما سياسات الحليف الامريكي، فحدث ولا حرج. فالحجيج الامريكي إلى عمان، يدلل على مركزية الدور الاردني في الاستقرار السياسي والاستراتيجي في المنطقة وبما يخدم مصالح الدول الغربية، كما أن هذا الحجيج يبين حجم التعويل الامريكي على الدور الاردني في ضبط ايقاع التوترات والصراعات في المنطقة المهددة لمصالح الغرب، غير أنه وفي مقابل هذا التعويل الامريكي على الكرم الاردني في السياسة والامن، فان الامريكي يقرر وبمشروع قرار واحد يقدم للكونغرس أن يخصص مئة وعشرة مليارات من الدولارات لاوكرانيا وللكيان الصهيوني ليمارس كرمه المالي والاقتصادي تجاه الكيان واوكرانيا تاركا الاردن دولة ومجتمعا يغرقان في أزمات مالية واقتصادية واجتماعية عميقة.

إلى متى يمكن الاستمرار في السياسات التي تطالب الشعب الاردني الذي تتشاطر معظم عائلاته وعشائره ذات الدم الذي يسري في عروق عائلات فلسطين وعشائرها وحيث يسفك الاسرائيلي بالسلاح الغربي دم أبناء هذه العائلات الفلسطينية، بأن ينتظم في الاستراتيجيات والسياسات الغربية وحيث بات مستوى التماهي بين السياسات الغربية والصهيونية اليمينية حد تبني وزير الخارجية الامريكي الاجندة الصهيونية في ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى مصر والاردن.

وإلى متى يمكن للسياسة في الاردن ولصانعيها أن يستمروا في الانضواء تحت جناح السياسات الغربية والناتوية في ظل هذا المستوى غير المسبوق من التماهي الغربي مع سياسات اليمين الصهيوني الديني؟ وإلى متى يمكن للدولة في الاردن أن تدفع من رصيد شرعيتها ومن قاعدتها الشعبية وهي تنضوي في الخط السياسي والاستراتيجي الغربي مؤدية أدوارا أمنية هناك وهناك بالشراكة مع هذا الغرب، في حين لا يتلقى الاردنيون أي مقابل اقتصادي أو تنموي مقابل هذه الاعباء الامنية والعسكرية التي باتت تنوء بها كواهلهم المثقلة بالديون والفقر والعوز.