موسكو نابليون وغزة نتنياهو: تاريخ يعيد نفسه!
قد يستغرب البعض عنوان هذه المقالة التي تساوي بين القائد الفرنسي الكبير نابليون ورئيس وزراء الكيان نتنياهو الصغير، ومع ذلك أعتقد أن بعضا من عوامل التشابه بينهما قائمة . فبينما تمكن نابليون القائد الكبير من احكام سيطرة عسكرية واسعة على أوروبا وإخضاعها لخدمة أهدافه التوسعية ، تمكن نتنياهو الصغير من احكام سيطرته على الكثير من قادة الدول في الإقليم من حوله. فالسيطرة القسرية ايام نابليون كانت عسكرية الطابع تتم على شكل هجوم عسكري ساحق يدمر البلاد ويقتل اعداداً كبيرة من السكان ويدمر البنى التحتية ويثير الرعب والخوف في المجتمع المستهدف، بينما السيطرة في عصرنا الراهن لا تتطلب ذلك بل تتم من خلال السيطرة على الإرادة ، فيخضع الضعيف الذي يسعى للبقاء لسلطة القوي من خلال تكتيكات القوة التي تسعى عادة الى ممارسة الضغوط على قيمة بالغة الاهمية حباها الله للانسان وهي امتلاك "الإرادة"، وعند فقدان الارادة ينقاد الشخص المستهددف، الذي لم يعد يمتلك حريته في التصرف واتخاذ القرار، ينقاد بشكل تلقائي الى سلوكيات وافعال تخدم الجهة المهيمنه عليه حتى لو كان يعتقد انه يقوم بذلك بكامل حريته..
عندما علمت روسيا بتحرك نابليون بجيش ضخم بهدف الوصول إلى موسكو لإخضاعها اتخذ القادة الروس قرارا استراتيجيا غير مسبوق تلخص بمغادرة السكان للمدينة والقيام بعد ذلك بتدميرها وحرقها بالكامل بحيث اتت النيران على المدينه برمتها بشوارعها وبنياتها ومطاعمها واراضيها الزراعية ومصادر المياة وشبكات نقلها وخطوط الغازبحيث اصبحت المدينة وضواحيها اثرا بعد عين.
في السابع من سبتمبر عام 1812، دخل نابليون وجيشه الضخم من الاطراف البعيدة للمدينة دون ان يواجه اي شكل من اشكال المقاومة وتفاجأ بغياب تام لاي حركة بشرية، ومع تقدمه الى داخل المدينة هاله المشهد، فالمدينة قد تم تدميرها وحرق كل شي فيها، وحسب توقعات نابليون وقادته العسكريين ان الدخول الى موسكو سيكون سهلا وقد يتطلب القيام بتصفية بعض جيوب المقاومة التي قد تظهر هنا او هناك والتي قد تتطلب عدة ساعات لاحكام السيطرة العسكرية عليها، لينعم بعد ذلك جيشه المنهك والجائع بخيرات موسكو الاسطورية.
لكن المفاجأة كانت قاتلة حيث تخلو المدينة من متطلبات الحد الادنى من الحياة، فلا ماء ولا غذاء ولا مأوى، عندها ادرك نابليون حجم المشكلة وأجبره حلول الشتاء وعدم وجود ملابس شتوية للجنود وقلة المؤن والإجهاد الشديد الذي حل بالجنود والخيول، كل هذه العوامل اجبرت نابليون على التراجع واتخذ قرار الانسحاب من موسكو غربا ليعود بما يبقي الشتاء القارس والمقاومة المتوقعة على طريق الانسحاب من جنوده احياء الى الوطن.
على الجانب الاخر، كان القادة العسكريون الروس قد اعدوا استراتيجية عسكرية محكمة لقتل اكبر عدد ممكن من جنود نابليون بمجرد الشروع بمغادرة موسكو المدينة المحترقة وسط شتاء بالغ القسوة..
فبينما كان نابليون وجيشه المحبط ينسحبون غربا من موسكو باتجاه الاراضي الاوروبية بهدف الوصول الى فرنسا، كانت وحدات نخبوية خاصة من الجيش الروسي والفلاحين الروس يهاجمون اطراف الارتال العسكرية المنسحبة ويوقعون بهم خسائر بشرية فادحة، وما ان غادر الجيش المنسحب اراضي روسيا في نوفمبر عام 1812، كانت النتيجة ان ما تبقى من جيش نابليون لا يزيدعلى 27 الف جندي وضابط بعد ان خسر 380 الف قتيل و 100 الف اسير ومئات الالاف من الجرحى.
سؤال للقارئ الكريم: هل هناك تشابة بالنتيجة النهائية بين ما قام به نابليون الكبير في موسكو وما يقوم به نتنياهو الصغير في غزة؟
خاصة ان الشعور بغطرسة القوة تحيل القائد الى كائن غبي..