عاجل - استغلال الوضع الانساني في غزة كأداة للابتزاز واستنزاف المقاومة وصمود الاهالي
كتب كمال ميرزا -
ليس الهدف من هذا العنوان هو التشكيك بكارثية الوضع الإنساني في غزّة، ولكن التنبيه إلى نفاق المنظومة الأممية بدولها ومنظماتها ومؤسساتها، وتواطؤها الضمني مع حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني!
الكلّ يتحدث حاليا عن الوضع الإنساني المأساوي في غزّة.. والكلّ يتباكى على الوضع الإنساني المأساوي في غزّة.. والكل يحذّر من تفاقم الوضع الإنساني المأساوي في غزّة.. والقرارات الأممية التي يتم اقتراحها وتداولها تدور حول ثيمة الوضع الإنساني في غزّة..
ولكن في غمرة هذه "اللطميات" الكذّابة ودموع التماسيح الصفيقة، يتعامى الكلّ ويتغافل بشكل متعمّد عن أبسط مقتضيات المنطق والحِس السليم، وهو أنّ الوضع الإنساني المأساوي في غزّة هو "نتيجة" وليس "سببا" في حدّ ذاته!
بل إنّ الخطابين السياسي والإعلامي يتمّ توجيههما بطريقة ضمنية لتكريس فكرة مفادها أنّ "المقاومة" هي سبب الوضع الإنساني المأساوي في غزّة (وليس جرائم الكيان الصهيوني المحتل). وأنّ تصفية المقاومة أو التخلّي عنها أو القضاء عليها هو السبيل الوحيد للخلاص من الوضع الإنساني المأساوي نهائيا (وليس التخلّص من الكيان الصهيوني ومشروعه الاستعماري الإحلالي)!
وفي هذه الأثناء، لا أحد يتحدث على المستوى الرسمي عن "جرائم الحرب" و"الإبادة الجماعية" و"التطهير العرقي" التي يمارسها الكيان الصهيوني بشكل يومي ممنهج ضد الشعب الفلسطيني.
ولا أحد يتحدّث حتى عن استغلال الكيان الصهيوني للوضع الإنساني والمساعدات الإنسانية نفسها كأداة للابتزاز ووسيلة أخرى من وسائل الحرب.
ولا أحد يتحدث على المستوى الرسمي عن اتخاذ قرارات وإجراءات عملية ضد هذه الجرائم.
ولم يتقدم أحد للآن رسميا، لا دولة ولا مجموعة دول، وفي مقدمتها المجموعة العربية، بأي مشروع قرار يطالب مثلا بالتدخّل بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة من أجل كفّ يد الكيان الصهيوني بالقوة عن اقتراف جرائمه، أو محاكمة قادته كـ "مجرمي حرب"، أو فرض عقوبات دولية عليه وإلزام جميع دول العالم بهذه العقوبات.
طبعا ستُرفض هذه القرارات، وسيُشهر في وجهها "الفيتو"، ولكن على الأقل سيتم تثبيت "السرديّة" وعدم تسهيل مهمة طمسها وتشويهها وتحريفها وحرف بوصلتها.
وبموازاة هذا التواطؤ الدولي باسم "الوضع الإنساني"، يستمر الكيان الصهيوني باقتراف جرائمه وإبادته باعتبارهما أمرا "عاديا"، و"طبيعيا"، و"مشروعا" و"حقا مكتسبا"، وجزءا روتينيا من "يوميات الحرب" وتفصيلاتها الإجرائية والفنية!
ويتدرّج نفاق دول العالم في اختبائها وراء كذبة "الوضع الإنساني" تبعا لقربها وبعدها من القضية الفلسطينية.
فالدول العربية مثلا، والتي يُفترض نظريا أنّها قد هبّت من زمان للقتال إلى جوار الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني الغاشم، وقطعت كافة علاقاتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والأمنية معه، واعترفت بفصائل المقاومة كـ "حركات تحرر وطني" مشروعة، أو مجرد قامت كأضعف الإيمان برفع الحصار من طرفها عن الشعب الفلسطيني ومقاومته .. هذه الدول نجدها أكثر من يوظّف ثيمة "الوضع الإنساني" ويختبئ وراءها.
وقد نجحت هذه الدول بشكل متدرّج في امتصاص غضب شعوبها، وتكريس فكرة أنّه "ما دحشها"، وأنّ نطاق مسؤوليتها ينحصر في حدودها السياسية وأمنها الداخلي، وما دون ذلك فإنّ دورها يقتصر على "الشجب" و"الإدانة" و"التحذير" و"المناشدة" شأنها شأن أي دولة أخرى، وتقديم الإغاثة وإيصال المساعدات الإنسانية متى استطاعت لذلك سبيلا، ولعب دور الوسيط "المحايد" بين الصهاينة والفلسطينيين وكأنّها هي وأمنها الوجودي وانتماؤها القومي والديني ليسوا طرفا في الصراع.. وربما في المستقبل لعب دور "الضامن" لأي تسويات وترتيبات تكفل أمن الكيان ومصالحه الإستراتيجية قبل أن تكفل أي شيء آخر!
نعم، الوضع الإنساني في غزّة كارثي، ولأنّه كارثي لا يجوز استغلاله كأداة للنفاق، والتنصّل من المسؤولية، والابتزاز، واستنزاف المقاومة وصمود الأهالي، وشراء الوقت لصالح الكيان الصهيوني ومخططاته على حساب دماء الفلسطينيين!