في السنة الجديدة: هل ستقاطع المنتجات الصهيونية والامريكية؟ وهل ستغير نمط حياتك؟
كتب كمال ميرزا -
كجزء من نمط الحياة "العصري" الذي نستورده كما نستورد كلّ شيء آخر، أصبح من الشائع لدينا مع نهاية كلّ سنة ميلادية أن نقوم بتقليد الغربيين، الأميركان على وجه الخصوص، واضعين لأنفسنا قائمتنا الخاصة للسنة الجديدة.
هذه القائمة تسمّى بالإنجليزية (new year reselutions)، وترجمتها العربية الأقرب هي "عهود" أو "نذور" السنة الجديدة، وهي تتضمن بشكل رئيسي العادات أو السلوكيات التي يتعهد الشخص بينه وبين نفسه بتركها أو اكتسابها خلال السنة، أو الأشياء التي يَعِدُ نفسه بالقيام بها من أجل راحتها ورفاهيتها و"سلامها" الداخلي، أو الأهداف التي سيستنفد وسعه لتحقيقها والتي تتمحور غالبا حول أهداف وظيفية ومادية بحتة.
هذه السنة يتزامن أفول شمس آخر يوم من سنة 2023 مع انقضاء (86) يوما على حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها الكيان الصهيوني على أهالي غزّة وعموم الشعب الفلسطيني، وذلك من أجل الإجهاز على القضية الفلسطينية وتصفيتها نهائيا.
بهذه المناسبة، يا ترى ما هي عهودكَ ونذوركَ للسنة الجديدة، السنة الأولى بعد "طوفان الأقصى"؟!
أحدٌ لا يتوقع منك أن تتعهد بوقف الحرب على غزّة، فهذا القرار ليس قرارك حتى تتحمّل مسؤوليته ووزره.
يمكن أن تطالب بذلك، وهذا خير وبركة، ولكن حتى إن لم تفعل ذلك فليس ذنبك أنّ الحرب لم تتوقف.
ولن يسألك أحد لماذا لم تعلن الحرب على الكيان الصهيوني نصرةً للمقاومة وأهل فلسطين؟ أو لم تقطع العلاقات وتلغي الاتفاقيات مع هذا الكيان؟ أو تمنع جميع أشكال التبادل المالي والتجاري معه؟ أو ماشابه ذلك من قرارات وإجراءات!
مرة أخرى، يمكنك أن تطالب بذلك كلّه، ولكن مسؤولية مثل هذه القرارات ووزرها يقعان من حيث المبدأ على من يمتلك السلطة والصلاحية المباشرة لاتخاذها.
السؤال هنا هو فقط عن العهود والنذور التي تتعلّق بك شخصيا وتقع ضمن نطاق إرادتك الحرّة وسلطتك المباشرة.
مثلا هل ستقاطع الماركات العالمية ومنتجات الدول التي تدعم الكيان الصهيوني؟ وإذا كنتَ مقاطعا بالفعل هل ستستمر بهذه المقاطعة حتى لو توقفت القتال في غزّة وفلسطين؟
ماذا عن نمط الحياة الاستهلاكي برمّته، هل ستحاول التخلّي عنه والحدّ منه قدر الإمكان أنت وأبناؤك إن وجدوا وأفراد أسرتك، بدلا من مجرد البحث عن بدائل لمنتجاتكم ورفاهياتكم الاعتيادية؟
هل ستستقيل من عملك مع جهة تدعم الكيان الصهيوني أو تتعامل معه، وتبحث لنفسك عن وظيفة جديدة حتى لو كان الراتب أدنى والامتيازات أقل؟
حسنا لا تستقيل، ابدأ بالبحث عن عمل جديد، وعندما تجده قدّم استقالتك، هل تستطيع فعل ذلك بنيّة صادقة؟
ماذا عن البنوك؟ هل ستسحب نقودك وأرصدتك منها باعتبار أن البنوك هي عصب النظام الرأسمالي العالمي، وجميع الحروب والصراعات التي نشاهدها هي في جوهرها حروب مصالح اقتصادية واحتكار وهيمنة؟
استثمر نقودك بنفسك، أو شارك مَن هو قادر على استثمارها، هكذا ستتمكن نقودك من أداء وظيفتها الاجتماعية، وفي نفس الوقت ستجنّب نفسك شبهة الوقوع في إثمين كلّ منهما أدهى من الآخر: الربا وكَنْز المال!
ليس لديك نقود وأرصدة؟ بل أنت مدين للبنوك؟ حسنا، سدّد دينك، وفي هذه الأثناء حاول أن تجعل تعاملك مع البنوك في حدود الاضطرار، لا تأخذ قروضا جديدة، لا تعيد جدولة الديون القديمة، لا تقترب نهائيا من مصائد المغفلين المسمّاة بطاقات الـ "كرديت كارد"، تعامل بـ "الكاش" ما أمكن وقاوم إغراء السهولة والكسل اللذين تمنحهما خيارات الدفع الإلكتروني.
ماذا عن إصلاح الأخطاء السابقة والتكفير عنها؟
هل أكلت حق أختك في الميراث أو غبنتها فيه؟ هل والدك هو الذي قام بذلك قبل أن يموت؟ لا يهم، لا أحد سيمنعك من إنصافها وردّ حقها لها!
هل تناذلت على زميلك في العمل، أو وشيت به، أو تسلقت على ظهره، أو شهدت شهادة زور بحقه، هذا هو الوقت المناسب للتكفير عن ذنبك!
هل أنت مسؤول فاسد، أو موظف مترهل، أو بائع غشّاش، أو تاجر يغبن الآخرين، أو مزوّد خدمة جشع أيّا كانت طبيعة الخدمة التي تقدّمها للناس من الطبيب وحتى الإسكافي؟
ماذا لو ركّزنا على أشياء أسهل، أشياء لا تستدعي منك بذل جهد إضافي:
لا "تُسحّج"، ليس مطلوبا منك أن تعارض وتنتقد إذا كنت تخشى ذلك، ولكن في نفس الوقت لا تبادر للتسحيج المجاني، أحدٌ لن يجبرك على التسحيج ما لم تبادر للتسحيج من تلقاء نفسك!
لا تنافق وتتملق أصحاب السلطة والمال!
لا تتعنصر، ولا تنخرط في أي جدالات ومهاترات تؤدي إلى إثارة العنصريات والنعرات والفتن.
ماذا عن السلوكيات الشخصية، هل أنت على استعداد مثلا لترك التدخين من أجل غزة؟ أو الإقلاع عن معاقرة الخمور من أجل غزة؟ أو التوقّف عن معاكسة البنات، أو التنمّر، أو إلقاء النفايات في الشارع من أجل غزّة؟
قد تتساءل باستنكار وما علاقة كلّ هذا بغزّة؟
أولا الانتصار والهزيمة هما انعكاس لواقع المجتمع ككّل.
وثانيا إذا كان الشخص لا يملك ما يكفي من الإرادة والإخلاص للتحكّم بأبسط رغباته وأهوائه فكيف يُنتظر منه أن ينصر وطنا أو يحافظ عليه؟!
وثالثا يُفترض أنّنا نؤمن أنّ مَن ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه!
دعنا لا نبتعد كثيرا، هناك فعاليات تُنظَّم باستمرار للتعبير عن الوقوف مع أهل غزّة والتضامن معهم كأضعف الإيمان، هل فكّرت بالمشاركة في إحداها؟
وإذا لم ترغب بالمشاركة فعلى الأقل استحِ قليلا، وامتنع عن مشاركة يومياتك وقفشاتك و"فوتاتك" و"طلعاتك" و"شمّات هواك" وأكلك وشربك وأغانيك وهواياتك ومناسباتك واحتفالاتك.. عبر السوشال ميديا وكأنّ شيئا لم يكن، وكأنّه لا يوجد توّا وفي هذه اللحظة أشقاء لنا يتعرّضون لأفظع ضروب الوحشية والهجمية والغل والحقد والقتل والدمار التي عرفها التاريخ!
مجرد دخولك السنة الجديدة بعد "طوفان الأقصى" وأنت كما أنت، هذا مؤشر كم أنّك من الداخل شخص بليد ومتحجّر وأناني ومتغرّب و"متصهين" أدركت ذلك أم لم تدرك!