مسلسل "بطن الحوت" فرصة نادرة أهدرها الجميع
رغم شَغل المسلسل المصري "بطن الحوت" مرتبة متقدمة ضمن المسلسلات الأعلى مشاهدة على منصة "شاهد"، والأكثر تداولا عبر منصات التواصل الاجتماعي، بجانب ثقل بعض الأسماء التي يضمها العمل بداية من فراج وباسم سمرة وعبد العزيز مخيون، مرورا بأسماء أبو اليزيد وسماح أنور وبسمة، إلا أنه جاء مُحبطا فنيا على مستويات عدة.
شياطين الإنس
"بطن الحوت" مسلسل من 15 حلقة، بدأ بشكل جيد مُبرزا التناقض بين الشقيقين ضياء وهلال، الذي اختار كل منهما طريقا مناقضا للعيش والكسب، ففي حين يختار هلال طريق المخدرات والسلطة والطباع الحادة، يبدو ضياء الذي اختار أن يرتدي قناع الدين أكثر إنسانية وتعاطفا وبحثا عن الرزق النظيف بعيدا عن عباءة أخيه الملوثة.
ومع توالي الأحداث، يُلقى القبض على هلال ويجد ضياء نفسه مسؤولا عن العائلة بأكملها وبحوزته كمية هائلة من المخدرات، وهو ما يضعه في مواجهة مع شياطينه الداخلية والخارجية أولا ثم شقيقه الذي يعود لينتقم لنفسه ثانيا.
ومع أن قطاع عريض من الجمهور شبه الشقيقين بقابيل وهابيل، لكن بنظرة أكثر تأملا يمكننا ملاحظة أنهما يماثلان بعضهما شرا أو ربما قبحا. والفارق أن "هلال" هو الذي استحوذ على اهتمام الأم وتقديرها وبركتها، ووجد من يعاونه على أن يكون صاحب الكلمة الأولى التي تسري على رقبة الجميع بدون قيد أو شرط.
أما ضياء، فشعر بالنبذ والتهميش، رفض أن يكون تابعا، فاختار سلطة الدين التي سيحميه من لوم اللائمين وسيرفعه ولو درجات وهمية على أخيه تاجر المخدرات، ادّعى السماحة والتواضع ليس لأنه يؤمن بذلك، وإنما لأنه لا يعرف كيف يقود، وحتى حينما غاب شقيقه عن المشهد، لم ينجح في تصدر البطولة وحده، وبينما كان شقيقه هلال مغامرا، يخوض معاركه مع الكبار وحده، ويرفض الخضوع إلى قوانين لعبتهم، ولا يثق حتى في أقرب متبوعيه، إلا أن ضياء الطامح في السلطة رغم ادعائه عكسَ ذلك، لم ينجح في دور القائد وحده، ولجأ في كل معاركه إلى الاستعانة بمن حوله، تارة زوجة شقيقه الطامعة في المال، والتي نجحت في استغلاله وتحريكه وفق خطتها، وتارة أخرى في اللجوء إلى سلطة "السنية" أو رجال الدين الذين لهم الكلمة العليا في الحي الشعبي.
"ضياء" دائما يسير تحت ضوء أخيه "هلال"؛ لكنه يرفض الاعتراف بذلك، ويحاول البحث عن أسباب تبرر له ذلك، إما برفض الحرام، الذي قبله لاحقا، أو انحياز أمه لشقيقه وتفضيلها لـ"لهلال" دائما، رغم محاولات الأم حماية ابنيها من براثن زوجة "هلال".
فرصة أهدرها الجميع
جاءت الانطباعات حول الحلقات الثلاث الأولى سواء من الجمهور أو النقاد إيجابية، إذ أشاد الغالبية بمواقع التصوير شديدة الواقعية والتي جاء معظمها جديدا على عين المشاهد، والموسيقى التصويرية التي أبرزت حالة الصراع والتوتر، والمونتاج الذكي الذي نجح بالحفاظ على وتيرة التشويق والغموض مع تسارع الأحداث، بجانب الأداء التمثيلي الذي كان مبشرا.
ومع توالي الحلقات، تبدلت الانطباعات ووصلت إلى النقيض لكثرة العيوب الفنية، ومن بينها تعدد ضيوف الشرف الذين بدوا مُقحمين وغير مناسبين لأدوارهم، ومجرد أسماء نجوم صف أول أو ثان لجذب الانتباه بدون فائدة حقيقية من وراء ظهورهم، على رأسهم أحمد فهمي وأحمد داش وأمينة خليل.
وحتى اختيار الأبطال للأدوار الرئيسية لم يكن مناسبا ببعض الحالات مثل أسماء أبو اليزيد التي لم تنجح إجادة دورها المُركّب، أو تامر حبيب وزينب غريب بأدائهم المصطنع الخالي من معايشة للشخصية. أما محمد فراج وعبد العزيز مخيون فلم يقدما أفضل ما لديهما، وبقي باسم سمرة بنفس المربع الذي اعتاده الجمهور.
وعلى غير المتوقع، برز اثنان من المشاركين ونجحا في جذب الانتباه بكل مشهد مغردين وحدهم خارج السرب، هما من مصر الممثل الشاب عصام عمر الذي تصدر محركات البحث حين قام ببطولة المسلسل الكوميدي "بالطو"، ومع ذلك لعب في بطن الحوت دورا معاكسا تماما، ومن السودان الممثل محمود السراج صاحب الأداء الهادئ المتزن في ظل الهرج والمرج الدائر بالمسلسل.
أما الإضاءة فقد تعمد المخرج أن تكون منخفضة وتبدو المشاهد شديدة العتمة، لكن ذلك لم يضف حالة من العمق أو التوتر، وإنما أصاب المشاهدين بالإزعاج والإرهاق البصري، كذلك جاءت الأغنيات المقحمة داخل العمل بعيدة تماما عن الجو العام.
اللعب على الفضول
ورغم قصر المسلسل وتسارع أحداثه فقد شابهه بعض الملل، وجاء مُتخما بالأحداث غير المنطقية، كذلك بدا الانتقال بين الماضي والحاضر ببعض الأحوال مُربكا وغير مضبوط زمنيا، وهو ما أساء للإيقاع.
وإن كان أكثر ما ظلم العمل، هو الرغبة التي تملكت مخرجه للعب على كل الحبال، ومحاولة اقتراض إيجابيات غالبية الأعمال الفنية التي نجحت مؤخرا ومزجها معا في حيز وحيد ضيق، حتى ولو تكن ملائمة للحبكة أو الأحداث.
لكن ومع كل هذه العيوب ظلت نسب مشاهدة العمل مرتفعة، من جهة لأن نهايات الحلقات لعبت دوما على الفضول، ومن جهة أخرى لأن الجمهور يريد أن يعرف كيف سينتهي الصراع بين الشقيقين، خاصة بعد أن أظهر الجميع وجوههم القبيحة ولم يعد من دافع لتفضيل جبهة عن أخرى، وهي النقطة التي تُحسب للعمل الذي لم يروج لفكرة الخير المطلق.
ومع أن شارة البدء (التتر) جاءت مسبوقة بجملة "عن أحداث حقيقية"، إلا أن القصة لم تجر بنفس الكيفية التي ظهرت على الشاشة، وإنما اختار المخرج عدة قصص من الواقع وأضاف لها أبعادا خيالية ثم أعاد تشكيل كل شيء في قصة واحدة.