عاجل / اليوم الأول بعد "نتنياهو" !


 كتب كمال ميرزا  - مصطلح "اليوم الأول بعد الحرب" الذي يتم تداوله كثيرا عبر وسائل الإعلام، ويحاول العدو الصهيوني من خلاله الإيحاء أن انتصاره في حرب الإبادة والتهجير التي يشنّها ضد الشعب الفلسطيني هي مسألة محسومة، وأن القضاء على المقاومة هو "تحصيل حاصل"..

هذا المصطلح في حقيقة الأمر وواقع الحال يعني "اليوم الأول بعد نتنياهو"!  إذا كان هناك خلاصة ما أو نتيجة يقينية ما تمخّضت عنها الـ (91) يوما من القتال، ومن المقاومة البطولية، ومن الصمود الأسطوري لأهالي غزّة وعموم الشعب الفلسطيني.. فهي أنّ مستقبل "نتنياهو" وعصابة حربه قد انتهى، وأنّهم قد أصبحوا عبئا على أنفسهم وعلى اليمين المتطرّف الذي يمثلونه، قبل أن يكونوا عبئا على دولتهم المزعومة وعلى حلفائهم الدوليين والإقليميين.

 لقد استوفى "نتنياهو" وعصابة حربه فرصتهم بـ "الصاع الوافي"، وتم رفدهم بشتى أشكال وسبل الدعم المباشر وغير المباشر بلا حدود.. والنجاح الوحيد الذي استطاعوا تحقيقه هو تكسّر مخططاتهم المبيّتة على صخرة غزّة، وإذلالهم تحت أقدام الأهالي والمقاومة.  

الترتيبات من جهة الكيان الصهيوني للمرحلة القادمة محسومة: لا وجود لـ "نتنياهو" وعصابة حربه، والتخلّص منه هو تحديدا هي مسألة وقت لا أكثر حتى لو استدعى الأمر "تصفيته" بالمعنى الحرفي للكلمة.. ولكن الذي يؤخّر ملاقاة "نتنياهو" لمصيره المحتوم هو أنّ الترتيبات التي تُضمر للطرف المقابل، الطرف الفلسطيني، لم تُحسم بعد!  

من حين لآخر يتم إطلاق بالونات اختبار تتضمن مقترحات حول مستقبل غزّة والضفة الغربية ومجمل القضية الفلسطينية، ولكن سرعان ما تتبدد هذه المقترحات أمام بطولات المقاومة في الميدان، وإمساكها بزمام المعركة، والموقف الموحّد والصلب لجميع فصائل المقاومة، واللُحمة العجيبة والعصية على الاختراق حتى هذه اللحظة بين هذه الفصائل وحاضنتها الشعبية.  

المشكلة في هذه المقترحات أنّها لا تخرج عن إطار نفس المرجعيات والثوابت التي انبثقت عنها حرب الإبادة والتهجير؛ بمعنى، ما فشل الكيان وحلفائه وأعوانه في تحقيقه عسكريا، هناك محاولات الآن لتحقيق أكبر قدر ممكن منه سياسيا.. ولكن المبدأ واحد والمنطلقات واحدة، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:  

1- بقاء "إسرائيل"، حتى وإن استدعت طبيعة المرحلة القادمة إدخال بعض التعديلات على "دورها الوظيفي" في المنطقة.  

2- الحفاظ على التفوّق "الإسرائيلي" في شتّى المجالات وليس فقط على الصعيد العسكري.  

3- حرمان الشعب الفلسطيني من مقدّراته وثرواته الطبيعية (غاز غزّة بشكل خاص)، وعدم الاعتراف له بأي حقوق شرعية في هذه الثروات حتى ولو من قبيل المحاصصة أو الشراكة.

 4- حرمان الشعوب العربية من مقدّراتها وثرواتها من خلال ربطها مباشرة بسيطرة وتحكّم وهيمنة الكيان الصهيوني ومن خلفه أميركا (عن طريق وكلاء يكيّشون عمالتهم).

 السؤال البسيط ولكن المحيّر الذي يتبادر إلى الأذهان هنا: لماذا تصرّ الأنظمة العربية في حراكها ومبادراتها ومقترحاتها على مراعاة المنطلقات والثوابت الإسرائيلية (والأميركية) وإعطائها الأولوية على حساب نفسها وعلى حساب الشعب الفلسطيني؟  هل حقا أنّ الكيان الصهيوني (ومن خلفه أميركا والغرب) هو مسلّمة من مسلّمات المنطقة، ولا يمكن للمنطقة ودولها وشعوبها أن تستمر دون هذا الكيان؟  هل حقا أنّ "التحرر الوطني" غير ممكن، والتخلّص من الهيمنة والتبعية مهمة مستحيلة؟  

والإجابة ببساطة لا!  

هناك عدّة سيناريوهات وبدائل يمكن من خلالها أن تستمر دول وشعوب المنطقة وتزدهر وتنتعش دون وجود الكيان الصهيوني و"الحماية" الأمريكية.  بل إنّه لا سبيل لازدهار وانتعاش حقيقي لدول المنطقة طالما أنّ هذا الكيان الإحلالي الشاذ يكتم على أنفاسها وأميركا والغرب يمتصّان دمائها!

 ولكن للأسف، السواد الأكبر من أبناء "النخبة الحاكمة" في الدول العربية من أهل السلطة والسياسة والمال والأعمال، وحتى أهل الثقافة والأدب والفن والإعلام والعلوم، قد حسموا خياراتهم منذ وقت طويل، ورهنوا أنفسهم ومصالحهم واستمرارهم بمصالح الكيان الصهيوني واستمراره.

 والحديث عن "اليوم التالي بعد نتنياهو" هو في حقيقة الأمر حديث عن اليوم التالي لكثير من شخوص ورموز هذه "النخب" العربية، لذا تجدهم حريصين كلّ هذا الحرص على الكيان الصهيوني، وأمنه الوجودي، ويحاولون بتفانٍ اجتراح الحلول لمساعدته في النزول عن الشجرة، ومنحه صورة نصر ما ولو وهمي، وإعطائه كافة الضمانات التي يطلبها والتي لا يطلبها!  

قد يتبادر للوهلة الأولى أنّ غرور "نتنياهو" وغطرسته يمنعانه من رؤية حقيقة أنّه قد انتهى، ولكنه في قرارة نفسه هو أكثر شخص يدرك أنّه انتهى، لذا هو حريص كلّ هذا الحرص على إطالة أمد الحرب في غزّة ولو على حساب إذلال جيشه "الذي لا يقهر"، وعلى توسيع نطاق الحرب ولو كان الكيان الصهيوني هو أكبر الخاسرين!