الإبراهيمية دعوة مُسيّسة تحت مظهر مُخادع وإستغلال للدين


 
تعمل قوى الاستعمار منذ قرون على تنفيذ هدف رئيسي مبطن في الابتداء والمعلن في نهاية الامر، اي بعد ما تم تقييد العالم العربي و الاسلامي بقيود ماديه ومعاهدات الذل التي ركّعت عالمنا في محراب كنيسهم، وإن تعددت مسميات دولهم ودولنا ، من خلال طرح و تبني شعارات تستر خلفها اهداف جزئية واخرى كبرى .

ولعلفكرة «الإبراهيمية» قد بدأت في الأساس على شكل «ميثاق » ظهر عام 1811، ليجمع المؤمنين في الغرب من مسيحيين ويهود، ضمن تعاليم «الكتاب المقدس» بعهديه القديم والجديد، وقد اشار المستشرق الفرنسي (لويس ماسينيون ) في مقالة المنشورسنة 1949 بعنوان «الصلوات الإبراهيمية الثلاث…أب كل المؤمنين» في إشارة للديانات الإبراهيمية الثلاث التي أصبحت حقلاً أكاديمياً قائماً بذاته، ثم أضيف اليها مَديات آيديولوجية وسياسية.

وفي نهاية سبعينيات القرن العشرين ، طور الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر )الذي كان متأثراً بكثير من الافكار «الصهيونية المسيحية» مفاهيم عن «السلام الإبراهيمي» وذلك بالتركيز على ما أسماه «المشترك الإبراهيمي» بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل ، وهي جملة من الأفكار التي طرحها ضمن كتابه الذي حمل عنوان «دم إبراهيم» في محاولة لخدمة مفهومه للسلام في الشرق الأوسط الذي يهدف لتمكين اسرائيل في المنطقة، وهنا بدا العالم الصهيوني يسفر عن وجهه الحقيقي من هذه الطروحات و الشعارات التي يرفعها والتي تهدف الي تمكين الصهاينة من التمكن والإطباق على المنطقة العربية و الاقلميه ونقطة ارتكازها فلسطين العربية ، وقوى الاحتلال هذه مدعومه بترسانات بقيادة اقوى قوه عالمية (الامبريالية الامريكية ) .
وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي والحرب على العراق عام 1990 خرج الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب بخطاب عن «النظام العالمي الجديد» وكان ذلك مؤشراً على تشكل «القطبية الأحادية» بصبغتها «الرأسمالية الغربية المتوحشه» التي ستكون إسرائيل طليعتها في المنطقة العربية، وهذا الطرح يؤدي الي مفاهيم اكثر وضوحا للاهداف التي يسعى الغرب المتوحش لتحقيقها علي يد صنيعتها المدللة (اسرائيل) مع الترويج للأفكار التي طرحها فيما بعد الرئيس شيمون بيريز في كتابه «الشرق الأوسط الجديد» بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993،
لتكون الولايات المتحدة القطب الأوحد عالمياً، وتكون إسرائيل القطب الأوحد اقلميا ، وهذا هو الهدف النهائي الذي كانتا تسعيان اليه من هذا المصطلح الفضفاض ، وهذا هوا التغول الذي تمارسه دول الغرب الصهيوني المتوحش وتصادر حق الدول في الاختيار و القضاء على مقدراتها وعناصر التمكين لديها .

وقد بدأت عملية البحث الأكاديمي في اطار توجهات «النظام العالمي الجديد» ، ففي عام 2000 قامت جامعة هارفارد بارسال فريقاً من الباحثين إلى دول عربية وتركيا وإيران لدراسة مدى دورالفكرة «الإبراهيمية» لدى الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام، الأمر الذي جعل الجامعة تطرح عام 2004 مشروع «مسار الحج الإبراهيمي» ، وتلا ذالك في عام 2013اصدار وثيقة أطلقتها مجموعة من الأكاديميين سميت «مسار إبراهيم» ثم في عام 2015صدرت وثيقة مشابهة عن جامعة فلوريدا ، تشير إلى «الاتحاد الفيدرالي الإبراهيمي» وغيرها من الجهود المدعومة من طرف الخارجية الأمريكية، لدعم «إدارة الحوار الاستراتيجي مع المجتمع المدني» في دول المنطقة العربية، وهي الاستراتيجية التي أهتمت بها سيدة البيت الابيض انا ذاك الاميرة كهيلار كلينتون ، و التي اولتهاعناية خاصة، والتي تهدف إلى إعادة إنتاج اسرائيل ضمن نسيج الشرق الأوسط الجديد، المغلف بعباءة «إبراهيمية» والذي يهدف الي سيطرة اسرائيل على الشرق الاوسط دونما منازع

وفي الواقع أن هدف المشروع «الإبراهيمية» ليس المحافضه على الديان الثلاثة وطابع ديني روحي إبراهيمي موحد(كون سيدنا ابراهيم عليه السلام هو ابو الانبياء) ، لكن الهدف من ذلك هو طبع المنطقة العربية بطابع سياسي إسرائيلي جديد ابرز ما فيه تسييد اسرائيل على مقدرات المنطقه العربية اقتصاديا و سياسيا وتقافيا ، فتصبح المنطقه برمتها تحت سيادة الغرب المتوحش بوجهي العمله الواحده (اسرائيل و امريكا ).

وقد استخدمت هذه القوى وسائل متعدده لتغطية الأهداف السياسية لتلك المبادرات ولتي لم تكن تحمل طابعاً سياسياً، لكنها كانت تهتم بقضايا البيئة والمياه والجفاف , و التغير المناخي ، و كذلك عن حقوق الانسان والحريات العامه و الديمقراطية والمجتمع المدني،و الموجه الى المنطقة التي تجمع إسرائيل بالدول العربية من النيل إلى الفرات، وهي «حدود إسرائيل التوراتية» ، حيث لم يكن اختيار تلك المنطقة محض صدفة لتطبيق مضامين تلك المبادرات التي تم تأطيرها أخيراً فيما بات يعرف بـ»الإبراهيمية».وألتي صاغها الرئيس السابق دونالد ترامب بفكرة «الاتفاقات الإبراهيمية» التي رعاها بشكل مباشر مستشاره وصهره «اليهودي» كوشنر، وهي الاتفاقات التي كانت ثمرتها علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لتخرج للعلن ما سميت حينها بـ«صفقة القرن» وهي جملة من الأفكار تدور حول إعادة إنتاج إسرائيل في المنطقة العربية اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وأمنياً، ضمن إطار «الشرق الأوسط الجديد» مع سيطرة إسرائيلية على ثلث الضفة الغربية، وإبقاء القدس موحدة، تحت السيادة الإسرائيلية، والسعي لإقامة دولة فلسطينية «منزوعة السلاح» ضمن الخريطة الإبراهيمية الكبرى والتي يُفترض أن تقودها إسرائيل مستقبلا كماهو مخطط لها .
وقد تنبه لفكرة (الابراهميه ) و اغراضها السياسية بعض الشخصيات الدينية و السياسية الاسلاميه ، فقد تنبه شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب لمحاولات تسييس (الإبراهيمية) ، و تحول تلك الفكرة عن مضامينها الدينية إلى مضامين سياسية استعمارية تخدم الاحتلال الإسرائيلي، كطليعة للمستعمر الغربي، كما ان هناك رجال دين مسيحيقاموا بالتحذير منها ايضا ، مثلالراهب القبطي (القص بنيامي محرقي ) بقوله إن «
الإبراهيمية دعوة مسيسة تحت مظهر مخادع واستغلال للدين» ، و اليوم وبعد هذه الجهود التي بذلتها قوى الاستعمار الجديد المتوحشه في الضحك على الدقون وتزين هذه المصايد و الفخاخ في اعين قاده الدول العربيه و الاقليميه على انها المخلص من المشكلات التي تعاني منها والتي هي بالساس من صنع هذه الدول الاستعماريه بحله جديده ، وبالاخص الجهود التي بذلتها واشنطن للترويج للإبراهيمية الروحية خدمة للإبراهيمية السياسية التي «تهدف لتحقيق السلام بين أبناء إبراهيم في الشرق الأوسط» نجد أن واشنطن اليوم تقود بنفسها حملة العدوان على دول المنطقه وهي من يدعم الكيان الصهيوني بالمال و العتاد و القوة البشريهوتعطل أي جهد دولي لوقف العدوان على غزه ، وان صمود غزة حتى هذا الوقت قد كشف للعيان جهودهم الاستعماريه ، و ان المقاومه في غزه و الضفه الغربيه قد نسفت كل ماتم بناءه و اصبح قاعا صفصفا، وهو ما يؤكد أن هدف «الإبراهيمية» لم يكن السلام قدر ما كان التطبيع المجاني العربي مع إسرائيل، وإعادة إنتاج دوله الكيان الاسرلئلي في المنطقة، على حساب القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة لا بل السعي الى تصفيه القضيه الفلسطنية برمتها.

ومن خلال النتائج على الارض فاعتقد ان الفكره (الابراهيميه) لم تعد تنطلي على احد وانه بعد نتائج الحرب على غزه فإنه لم يعد بمقدور احد ان يصدق او يركن الى مزاعم الامريكان و الديموقراطية الغربية اوالمناداه بالسلام اوالركون الى قوى الشر ، لان اهدافها اصبحت واضحه للعيان، ولا تستطيع اسرائيل ان تمضي قدما لانها ستوقع العالم في حرب اقليمية ولا يستطيع العالم العربي السكوت اكثر من ذلك على فضاعة جرائم الحرب امام شعوبها التي تتجرع مرارة الذل وهي ترى ارتفاع منسوب الكراهيه التي اججته اسرائيل وهذا سوف يؤدي الى عنفا مقابلا وبروح نضاليه اكبر، هذا من جهه ومن جه اخرى ،فان الامن و الامان الذي وعدت بهي حكومة نتنياهو للاسرائليين بواسطة القبه الحديديه والجدار العازل والجيش الاسرائيلي لم يعد هذا يحقق الامن الاسرائيلي ، ومن الواضح انه صار لزاما على صناع القرار في اسرائيل اللجوء الى بدائل اخرى اهمها اعطاء الشعب الفلسطيني حقه المشروع في اقامة دولته المستقله وعاصمتها القدس وحق العوده للاجئين الفلسطينيين و التعويض ، اما غزه التي يجب على اسرائيل ودول العالم الغربي اعادة اعمارها وتعويض السكان عما فقدوه وهذا اقل ما يمكن ان تلتزم به هذه الدول تجاه الغزاوين .

ولعله من المناسب ان نؤكد هنا على ضرورة استحضار ابشع صور الاجرام التي مارستها قوات الاحتلال الصهيوني على الغزاويين العزل ، (اطفالا ونساء و شيوخا )، بعد ان هيأت العالم اعلاميا بواسطة الة الاعلام الغربي التي تخدم اصهيونى قلب و قالبا ، بعد ان صورت المقاومه في غزه على انها مجموعه من الارهابين الدواعش ، فكان لا بد من الاشاره الى ان ما قامت به حماس من تصرفات انسانية في تعاملهم مع الاسراى قد قلبت هذا التصور عند الكافه باستثناء الصهيانه انفسهم ، وان ما قامت به الصهيونيه العالمية بقيادة الغرب المتوحش من جهود للسيطره على الاقليم بتخاذها عدد من الشعارات للعمل تحت مضامينها منذ عام 1800 موحتى اليوم قد ذهب ادراج الرياح بعد ان تعرت كل الشعارات بفعل الحرب على غزه ، وان كانت دولة الصهاينه قد روجت الى ان الصراع العربي الصهيوني قد بدأ من تاريخ 7 اكتوبر وما بعد ه وتناست ان الحرب قدد بدات من بداية القرن السابع عشر و بصوره اوضح من بداية الثلاثنيات من القرن المنصرم اي منذ عام 1936 م الذي احتل به الصهاينة ارض فلسطين واستعبدت سكانه وابقتهم تحت نير الاحتلال .

ان سلسة الابراهيميات ابتداء من المبادىء الابراهيمية في عام 1811 وانتهاء بصفقة القرن مرورا بالشرق الاوسط الجديد الى الانتهاء بالاعتداء على غزة لازالتها عن الخارطة ماهي الا مشاريع صهيونية لاعادة انتاج اسرائيل في المنطقة وتسييدها على العالم العربي والاقليمي بدعم غير متناهي من دولة الفحش والامبريالية الظالمة التي تتصدردول الاستعمار الحديث .

فالنصر قريب ، وما النصر الا من عند الله ، ومن ثم بعزم المخلصين لله وللوطن .

بقلم النائب السابق / د بركات النمر المهيراالعبادي

تطور مراحل القضاء على الوجود العربي والاسلامي في فلسطين و الاقليم من ايران شرقا وحتى الاطلسي غربا ومن البحر الاسود و المتوسط شمالا بما في ذلك تركيا وحتى الصحراء الكبرى جنوبا بما في ذلك الدول الاسلاميه الافريقيه. :

الفكرة الابراهيمية لدى الديانات اليهودية والمسيحية والاسلامية 

مسار الحج الابراهيمي عام 2004

 

مسار ابراهيم 2015

الاتحاد الفدرالي 2015

 

المشروع الابراهيمي  ( امريكا واسرائيل وجهي لعملة واحدة  في عهد  ولاية ترامب

 

الحشود الاممية لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على الدول العربية/ولاية بايدن الحالية

مبثاق الابراهيمية / 1811

الصلوات الابراهيمية  للديانات الثلاثة  / 1949

المشترك الابراهيمي / نهاية القرن العشرين       ( الدم الابرهيمي )

النظام العالمي الجديد 1990 

( القطبية الاحادية )

الشرق الاوسط الجديد 1993

 ( امريكا القطب الاوحد عالميا ، اسرائيل القطب الاوحد اقليمياً )