عاجل استراتيجية القسّام في عملية "طوفان الأقصى " وما بعدها . . !
كتب موسى العدوان - يمكن تعريف الاستراتيجية العسكرية، بأنها "فن وعلم استخدام القوات المسلحة للأمة، لتحقيق أهداف السياسة الوطنية، سواء كان ذلك بتطبيق القوة العسكرية أو التهديد بتطبيقها ".
ولا شك بأن هذا التعريف ينطبق على استخدام القوات العسكرية وشبه العسكرية أيضا، ولكن بدرجات معينة، تتناسب مع الموقف العسكري والسياسي الراهن. ولتطبيق ذلك التعريف في اية حملة عسكرية، لابد من الارتكاز بصورة أساسية على قواعد ثلاث هي : ( الأهداف، الأساليب، والوسائل ).
ويمكن إضافة قاعدتين أخريين هما ( الكُلفة والوقت ). وفيما يلي توضيح لما تعنيه كل كلمة منها، محاولا إسقاطها على استراتيجية كتائب القسام العسكرية، في حربها مع العدو على قطاع غزة، بعد أن شنها ردا على عملية "طوفان الأقصى" العظيمة يوم 7 أكتوبر 2023.
1. الأهداف : كانت الأهداف التي خططت لها قيادة كتائب القسام، تتلخص في هدفين رئيسيين هما :
أ. الثأر لاقتحامات المسجد الأقصى المتكررة، من قبل المتطرفين اليهود، تحت حماية رسمية، على مدى السنوات الأخيرة. فاكتسبت عملية اقتحام غلاف غزة من قبل المقاومة ممثلة بكتائب القسام، اسم " طوفان الأقصى"، تيمنا بقدسية مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام.
ب. أحياء القضية الفلسطينية التي أهملها العالم، وفشلت كل المحاولات السياسية في إيجاد حل عادل لها، وللتذكير أيضا بحقوق الفلسطينيين، التي اغتصبها الإسرائيليون منذ اربعينات القرن الماضي وحتى الآن. ومما زاد الأمر تعقيدا، تمادي الحكومات الإسرائيلية، وخاصة حكومة المتطرفين الحالية، بتوسيع وتسريع إقامة المستوطنات وقضم أراضي الضفة الغربية المحتلة.
2. الأساليب : ونظرا لتفوق العدو بالقوات والأسلحة والمعدات والتكنولوجيا العسكرية، وامتلاكه لسلاح جو فعّال، بينما تفتقر كتائب القسام لتلك الإمكانيات، فقد اعتمدت على الأساليب التالية لمواجهة ذلك التفوق :
أ. إيمانها بعقيدتها الإسلامية وبهدفها النبيل، في النضال لتحرير الوطن المغتصب نيابة عن الأمة العربية، والاستعداد لأي حرب قادمة اعتمادا على الذات.
ب. تحقيق المفاجأة الاستراتيجية على العدو، بقياداته السياسية والعسكرية والأمنية، مما أصابه بصدمة كبيرة، أفقدته توازنه لبضعة أيام بعد العملية. وهذا ما دفعه لاستخدام سلاح الجو بصورة إجرامية، لقتل البشر وهدم المنازل والمؤسسات العامة ودور العبادة، متبعا سياسة الأرض المحروقة ضد المدنيين في قطاع غزة.
ت. الاقتحام الجسور والسريع خلف خطوط العدو الأمامية، جوا وبرا ومن تحت الأرض، ومهاجمة السيطرة بعض القيادات العسكرية والمستوطنات شبه العسكرية في غلاف غزة.
3. الوسائل : وقد جرى في هذا المجال ما يلي :
أ. استخدام الطائرات الشراعية المبتكرة للاقتحام الجوي والهبوط خلف خطوط العدو في القطاع، كما استخدمت مركبات الدفع الرباعي المسلحة، والدراجات النارية، لتنفيذ الاقتحام الأرضي على المستوطنات وقيادات العدو في الغلاف.
ب. استخدام الأسلحة المقاومة للدروع ومعظمها صناعة محلية مثل، قذائف الياسين 105 ملم ومنظومة رجوم الصاروخية عيار 114 ملم، وقذائف الهاون عيار 82 ملم و 120 ملم وعبوات شواظ، وصواريخ كورنيت الروسية. هذا عدا عن الرشاشات المتوسطة والأسلحة الفردية الخفيفة.
ت. استخدام الأنفاق كوسيلة قتال ضد قوات العدو في المناطق الضيقة والمناطق المبنية، دون أن يتمكن العدو من اكتشافها أو إغراقها بالمياه.
4. الكلفة : لا شك بأن مخططي عملية طوفان الأقصى، قد أخذوا في حسبانهم، كلفة هذه العملية من خسائر بشرية بين المقاومين والمدنيين، والأسلحة والذخائر، وتدمير بعض المنشآت والمنازل، قبل إصدار قرارهم بتنفيذ عملية طوفان الأقصى. وهذا ما يؤكد استمرارية المقاومة بالقتال، وقصف المدن والبلدات الإسرائيلية برشقات صاروخية على فترات متلاحقة.
5. الوقت : من الواضح أن للوقت قيمة كبيرة في طول مدة القتال. فكلما طال الوقت كلما ازداد نزيف الضحايا والأموال والمواد. وما ظهر في هذه العملية، أن طول مدة الحرب كانت تعمل لصالح قوات المقاومة بعكس ما توقع العدو، الذي استنُزفت قواه، وتكبد خسائر كبيرة في أفضل قواته.
ولهذا قام بسحب خمس أليومية من ساحة القتال، وأعاد تسريح قوات الاحتياط ليعالج الوضع الاقتصادي المتدهور في اقتصاد البلاد، دون أن يحقق أي من أهدافه. وهذا ما أدى لوقوع خلافات عميقة بين أعضاء حكومة الحرب، التي شكلها في بداية العمليات العسكرية.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل تستحق عملية طوفان الأقصى وما تلاها من حرب على غزة، كل هذه التضحيات ؟ والجواب الذي استشعره من ضمير كل فلسطيني شريف، مؤمن بقضيته ويتوق لاسترداد وطنه المغتصب، بِ ( نعمٍ كبيرةٍ )، للأسباب التالية :
1. أحيت هذه الحرب القضية الفلسطينية واكتسبت تأييد العالم الذي أصبح مقتنعا بحل الدولتين من أجل إحلال السلام في المنطقة.
2. كشفت الحرب هشاشة الجيش الإسرائيلي مالك الأسلحة الحديثة والتقنية العالية، أمام حركة مقاومة بإمكانياتها المحدودة، وبعض أسلحتها ومعداتها من صنع أيديها
3. ظهرت أهمية العقيدة الدينية، التي تحث على الجهاد دفاعا عن الوطن، والتصميم على النصر أو الشهادة.
4. أن المقاومة الوطنية المؤمنة بقضيتها، والتي يساندها الشعب، تستطيع هزيمة أقوى الجيش المحتلة، وأن المحتل سيرحل عن الوطن طال الزمان أو قصر.
5. أن المقاتل العربي يستطيع تحقيق النصر على العدو، إذا جرى تدريبه وإعداده للحرب دفاعا عن وطنه، مهما كانت بساطة أسلحته وإمكانياته.
6. رغم الأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى وهدم المنازل والحصار الخانق على غزة، فلم نسمع من أي مواطن غزي شكوى أو تذمر من فعل المقاومة، وهذا يدل على تضامن الشعب مع المقاومة الشريفة، والتسامي فوق الجراح البليغة.
7. هذا الصمود الأسطوري للمقاومة، في مواجهة أقوى جيش في المنطقة، لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر حتى الآن، أدى إلى وقوع الخلافات بين أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية، لفشل قواتهم في تحقيق أي نجاح من أهدافها على المقاومة الباسلة.
وفي الختام أدعو الله أن ينصر المقاومين في غزة وفلسطين، وأن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى، إنه سميع مجيب الدعاء.