علاقات اليابان وإسرائيل في ظل العدوان على غزة.. دوافع التقارب وآفاقه



اليابان ، إسرائيل ،العدوان ، غزة
اكتسبت العلاقات اليابانية الإسرائيلية منحنى تصاعديا خلال العقود الثلاثة الماضية، وعزز ذلك الشراكة الإستراتيجية لكل منهما مع الولايات المتحدة، وكانت لطوكيو مواقف لافتة ظهرت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

فقد أعلنت وزارة الخارجية اليابانية عن حزمتين للعقوبات شملت الأولى 9 أشخاص وشركة صرافة في قطاع غزة، ووصفتهم بأنهم ممولون ونشطاء في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ثم أعلنت الوزارة في ديسمبر/كانون الأول 2023 عن فرض عقوبات على 3 من أعضاء حماس بحجة ضلوعهم في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على مستوطنات غلاف غزة.

كذلك أعلنت وزيرة الخارجية اليابانية يوكو كاميكاوا خلال زيارتها الأخيرة إلى المنطقة عن تفهمها الهجوم الإسرائيلي على مخيم جباليا رغم ما تخلله من مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.

وشددت اليابان على الدعوة إلى عقد هدنة إنسانية فقط في غزة دون الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار تماشيا مع الموقف الأميركي، وذلك خلال مشاركتها في بيان جماعي صادر عن مجموعة السبع التي استضافت طوكيو اجتماعها الأخير.

في المقابل، أعلن قائد البحرية اليابانية أن بلاده لن تشارك في مبادرة "حارس الازدهار" التي دشنتها الولايات المتحدة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين، لتكتفي بالمشاركة في قوة مكافحة القرصنة بخليج عدن.


 تأمين الطاقة
وإذا رجعنا إلى الوراء لعقود فقد ركزت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية على تعميق تحالفها مع واشنطن لتأمين نفسها من جيرانها النوويين في الصين والاتحاد السوفياتي، وتبنت تقديم المساعدات الخارجية إلى البلدان التي تعتبرها مهمة في تأمين استقرار إمدادات الطاقة.

وأدى ذلك إلى توثيق طوكيو علاقاتها مع الدول العربية التي كانت في السياق التاريخي على عداء مع إسرائيل التي لم يكن لديها ما تقدمه اقتصاديا أو سياسيا لليابان، فسوقها المحلي كان صغيرا ومواردها الطبيعية محدودة، ولم تكن لديها موارد مالية تمكنها من شراء صادرات اليابان المكلفة مثل السفن والسيارات والأجهزة الإلكترونية، مما جعل العلاقة معها تنطوي على مخاطر محتملة دون مكاسب منتظرة.

انتهجت اليابان سياسة دعم الاستقرار الإقليمي في ظل تشديد دستورها على حظر استخدام القدرات العسكرية في تسوية النزاعات الدولية، وهو ما جعلها على النقيض من إسرائيل التي انخرطت في العديد من الحروب، مما جعل مصالحهما الأمنية تتعارض بشكل مباشر.

في المقابل، ركزت تل أبيب على توثيق علاقاتها مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة دون الاهتمام ببناء علاقات وطيدة مع الدول الآسيوية التي كانت داعمة في المجمل للمطالب الفلسطينية.

وفي ظل هذه الصورة لم يكن لدى إسرائيل واليابان سوى القليل لتقدمه كل منهما إلى الأخرى، وهو ما انعكس على افتتاح طوكيو سفارتها رسميا بتل أبيب في وقت متأخر نسبيا عام 1963، وتصويتها بانتظام في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل في ما يخص القضية الفلسطينية.


 عملية السلام
مع انتهاء الحرب الباردة ومشاركة الدول العربية في مؤتمر مدريد عام 1991 وفتح باب التطبيع العربي الإسرائيلي تدريجيا وتحسن علاقات إسرائيل مع العديد من دول الخليج المنتجة للنفط انكسرت عقبة تخوف طوكيو من الانزعاج العربي بخصوص تطور العلاقات اليابانية الإسرائيلية.

توالت زيارات المسؤولين اليابانيين إلى إسرائيل، وأصبح وزير الخارجية الياباني أونو سوسوكي أول وزير ياباني يزور إسرائيل في عام 1988، في زيارة قضى ثلثها في مخيم للاجئين الفلسطينيين.

وقد ساهم تدشين العلاقات رسميا بين تل أبيب وبكين في عام 1992 في توجيه اهتمام طوكيو إلى أهمية مواكبة انفتاح الصين على المسرح العالمي، فبالنسبة للنخب اليابانية يُنظر إلى الوجود الدولي الأكثر نشاطا للصين باعتباره تحديا مباشرا للمصلحة الوطنية اليابانية، ولذا تتأثر قرارات صنع السياسة الخارجية اليابانية وعلاقاتها الدبلوماسية بسياسات بكين.

في المقابل، ساهم ظهور خلافات إسرائيلية أميركية بشأن الملف النووي الإيراني، خصوصا خلال حقبة الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009-2017) في تبني تل أبيب سياسة أكثر انفتاحا على الشرق لتنويع علاقاتها.

وتؤكد اليابان دائما على تبنيها حل الدولتين، وتظهر أهمية الدور الذي تلعبه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال الدعم المالي الذي تقدمه إلى السلطة الفلسطينية والذي يقدر بعشرات الملايين سنويا.

وعلى الصعيد الاقتصادي، انتقلت طوكيو عقب صدمة ارتفاع سعر النفط من الصناعات الثقيلة في قطاعات مثل بناء السفن والسيارات والصلب إلى قطاعات تركز على الخدمات وتكنولوجيا المعلومات، كالتمويل والتأمين والاتصالات ورقائق الحاسب الآلي، وبدأت تتطلع إلى الدول التي تتقاطع مع اهتماماتها الاقتصادية الجديدة.

وفي التوقيت ذاته، حققت إسرائيل طفرات تكنولوجية تعتمد على اقتصاد المعرفة، فأصبحت الدولة الثانية عالميا في مجال الأمن السيبراني بعد الولايات المتحدة، كما صارت رائدة في مجال تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، ودشنت أنظمة محوسبة للري بالتنقيط توفر المياه، واكتشفت الغاز الطبيعي في شرق المتوسط في عام 2009، مما حولها إلى دولة مصدرة للغاز.

وعموما، بين أواخر الثمانينيات وعام 2010 زاد التآزر الاقتصادي الذي وجد كلا البلدين فيه فائدة بتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بينهما مقارنة بالفترات السابقة، كما بدأت اليابان بالاضطلاع بدور أكثر نشاطا في السياسة الدولية، خاصة في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية مثل الشرق الأوسط، فدعمت عملية السلام العربية الإسرائيلية، وانخرطت في تمويل السلطة الفلسطينية التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو، وأصبح رئيس الوزراء الياباني ماروياما أول شاغل للمنصب يزور إسرائيل في عام 1995.
 
شراكات ثنائية
بحلول مطلع القرن الـ21 توافقت المصالح الأمنية والاقتصادية اليابانية والإسرائيلية، فتطلع كل من الطرفين إلى إقامة تحالفات جديدة وتنويع الشبكات التجارية، وهو ما انعكس على حدوث قفزة في العلاقة بينهما منذ عام 2012، حيث وقعا عددا من الاتفاقيات الأمنية والتجارية.

ودشنا حوارات رفيعة المستوى بشأن الأمن القومي والأمن السيبراني في ظل التخوفات اليابانية من التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، والقلق الإسرائيلي من البرنامج الصاروخي الإيراني.

وعقدا في عام 2018 أول حوار سياسي عسكري ثنائي لمناقشة الأوضاع الإقليمية، وذلك بعد أن وقعا في عام 2016 معاهدة للاستثمار المشترك أعقبها الإعلان في عام 2017 عن "شراكة الابتكار اليابانية الإسرائيلية" التي تعمل على توسيع نطاق التعاون في مجال الأمن السيبراني ليشمل دورات تدريبية وورش عمل مشتركة وتعميق الروابط بين القطاعين العام والخاص في البلدين.

وقد ساهم ظهور عوامل أمنية وجيوسياسية واقتصادية إضافة إلى عامل النفط وعامل واشنطن التقليديين اللذين أطرا حدود العلاقة بين البلدين سابقا في إعادة معايرة السياسة اليابانية تجاه القضية الفلسطينية واتخاذ مواقف أكثر ميلا نحو تل أبيب مقارنة بالمواقف القديمة.

ولم تتحول العلاقة بينهما بعد إلى تحالف، لكنها تمضي في مسار تعزيز الشراكة في ظل تقاطع مصالحهما وتشظي الموقف العربي على وقع اتفاقيات التطبيع الأحادية مع إسرائيل.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية